الاثنين، 26 نوفمبر 2007

تحركات وتحولات وتغيرات خطيرة

الجمعة 23/11/2007
تجري حول العالم العربي اليوم تحركات وتحولات وتغيرات خطيرة، لها اسبابها ومؤشراتها وتداعياتها ومن ثم انعكساتها وتفاعلاتها واستحقاقاتها، وبدون ادراكها والتهيؤ لها قد يحدث ما لا يحمد عقباه، ولات حين ندم بعده. تحركات الساحات المحيطة بالعالم العربي من كل جهاته، فيها اشكاليات خطيرة، قد تعصف باستقرارها ومستقبلها، وبلاشك تترك تاثيراتها على كل ما يحيط بها ومنه العالم العربي. خلال الاسابيع الماضية، تفاقمت توترات حادة على الحدود العراقية التركية، ولازالت الالاف من قوات الجيش التركي المؤللة تتوجه استعدادا لاجتياح الاراضي العراقية، وتقوم بقصف شبه يومي لقرى وتجمعات سكانية داخلها، والاسباب والذرائع لها ليست جديدة، والاوراق فيها معلومة للجميع، وحلولها معروفة لا تختصر في الضغوط العسكرية والتهديدات بقوة الجندرمة وموازين القوى المعلومة ايضا وحسب، وحالات المواجهة مستمرة بين اطراف الصراع ودوافعه، ولكن التساؤلات تتمحور حول الجهات التي تستغلها وتحركها في التوقيت الذي يخدم مصالحها وتوجهاتها، فقد تغير صورة المنطقة بين الحدود وحولها وتنعكس على القضية الكردية وتحالفاتها والاستقرار في العراق وتركيا وغيرهما. وليست بعيدا خطط الانقلاب السياسي في باكستان، الذي قاده الجنرال/ الرئيس برويز مشرف، باعلانه حالة الطوارئ، وحل البرلمان المنتخب وتجميد الدستور وفتح ابواب السجون لنشطاء حقوق الانسان والقوى "الديمقراطية" المعارضة، ووضع مسئولين سابقين وقضاة ومحامين بين الحجز الاجباري والنفي الاضطراري. واهتمام القوى الاستعمارية وخصوصا الامريكية فيها واستعداداتها للتدخل في الشئون الباكستانية بحجة حماية القوة النووية و"الديمقراطية" في باكستان تحت اقدام العسكر والطوارئ والصفقات السياسية التي تنظم مصالحها في المنطقة. بينما لف صمت مريب العالم العربي وكأن ما يحصل بعيدا عنه وليس على تخومه ومجاله الامني والجغراسياسي.
كما تتعرض السودان الى محاولات اخرى للتقسيم والتوتر والاضطرابات بين الحكومة المركزية والاقاليم في الجنوب او في دارفور او غيرها، من اطراف خارجية ومجاورة للسودان من حدوده الافريقية، او من وراء المحيطات بتسميات متعددة، من بينها وهنا الاخطر "التدخل الانساني" باسم الامم المتحدة ومنظماتها وهي في الواقع خطوات متدرجة للاحتلال واستغلال الثروات وتفتيت البلاد والعباد فيه. ومثله في الصومال، حيث تتغلغل القوات الاثيوبية وتسيطر على المرافق العامة والعاصمة وتغرق في التورط العسكري والسياسي داخله، منهية اية سمات للاستقلال والسيادة الوطنية، وكأن ما تقوم به اثيوبيا توكيلا سياسيا وعسكريا محسوما وبقرارات اممية واتفاقات دولية. ومن حدود العالم العربي الجنوبية في افريقيا الى الشمال الافريقي، حيث قام الملك الاسباني في زيارة استفزازية صارخة لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين الموجودتين تحت الاحتلال الاسباني حاليا، باصرار واشارة تحد لذلك. واعلن عن انشاء القيادة الامريكية العسكرية في افريقيا وبناء قواعد عسكرية استراتيجية. فهل هذه التحركات والتحولات والتغيرات الخطيرة في وعي وادراك اصحاب القرار السياسي في العالم العربي، ومتى يقررون بصددها ما يحفظ المصالح ويصون الارض ويحمي حدود العالم العربي، والى اين سيستمر الصمت عليها؟.
ضمن هذه الاجواء المتشابكة، والمناخات المتوترة على مختلف الصعد، وتتداخل فيها اكثر من جهة ودولة وحلف ومخطط، تقوم الادارة الامريكية بترويج سياسات الاحتلال ونسيان واقعه وانتهاكه للقوانين والشرائع والاستقرار السياسي والامني، وتوجيه الانظار الى اعداء جدد، يريد اصحاب القرار السياسي الامريكي التحرك ضدهم، والانشغال بهم، من خلال تحميل جرائم الاحتلال الى مسئولية اطراف خارجية وداخلية مشتركة معها، ولا اثر للاحتلال فيها او انه السبب الرئيس وراءها، ويرين الصمت على كثير من دول جوار العراق والاكتفاء بالرد اعلاميا، احيانا، على تلك الاتهامات، ومنح فرص لتفرغ قوات الاحتلال وسياساتها الى تنفيذ مشاريعها الاخرى التي خططت لها في استثمار الثروات الوطنية وحماية القاعدة الاستراتيجية والقواعد العسكرية الامريكية الاخرى والهيمنة والعدوان. في الوقت الذي تعمل على نشر سياسات التفتيت والتمزيق ودفع القوى الداخلية الى انتهاج سياسات واساليب اخرى تؤثر على طبيعة البلدان التي ابتليت بالاحتلال وتورط فيها ويناقش في سبل الهروب منها ظاهريا والعمل من داخلها لخدمة استراتيجياته الاستعمارية. وابرزها العمل على تكريس الاحتلال والتوجه الى اعداء خارجيين مصحوبا بحملة ايديولوجية وتضليل اعلامي، تنجح فيه آلة الاحتلال وقواها العسكرية والسياسية والاعلامية. وعلى نفس المنوال، تنشط في التحضير والتهيؤ لعقد اجتماع انابوليس للبحث في القضية المركزية في العالم العربي والتي تشغل همه واهتمامه طيلة العقود المنصرمة منذ احتلال فلسطين وتشريد شعبها، ومحاولات تفريغ الاجتماع من عناوينه وتحويله الى لقاء علاقات عامة ونقاشات جانبية تبعد النظر عن القضايا الجوهرية للقضية الفلسطينية موضوع اللقاء كما ادعت الادارة الامريكية واللوبيات المتنفذة فيها. وتفريغ الاجتماع بهذه الطريقة محاولة اخرى من الاستراتيجيات الامريكية لتمرير مخططاتها الرئيسية في لعبة الدومينو والفوضى الخلاقة والضربات الاستباقية التي تعمل عليها باشكال مختلفة ومتعددة ومبتكرة ولكنها ضمن اطار استمرار المصالح الامبراطورية واهدافها العدوانية.
تحركات عسكرية وتغييرات سياسية وتحولات متناقضة بين ما يطرح نموذجا امريكيا للديمقراطية في المنطقة والتحالفات السياسية، وبين رواج اسواق الاسلحة والطوارئ والعنف المبرمج، لتطمين وتسيير دفة الادارات المرتهنة بالاستراتيجيات الامبراطورية وخدمة مصالحها المحلية والاقليمية، واشاعة تجاوزات في المفاهيم والعلاقات الجغراسياسية في الامن والسيادة والاستقلال والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وغيرها مما يجري حول عالمنا العربي ويتحرك في جنباته ولا يمكن ان يحدث دون ان يترك بصماته وتداعياته عليه وعلى اوضاعه وامنه واستقراره وثرواته ومستقبله، فهل ستكون هذه المتغيرات تحديات كافية للتنبه لها ولاخطارها القادمة؟.