الأربعاء، 17 أكتوبر 2007

هل الواقع العربي بخير؟!

الجمعة 12/10/2007
هل الواقع العربي بخير؟! بكلمات معدودة يمكن الاجابة ان الواقع العربي ليس بخير ولا يبشر به، على الاقل هذه الايام وعلى مدى منظور، وتنتهي الحكاية. (المقصود طبعا بالواقع العربي هو واقع الامة العربية وعالمها، الممتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي). الا اننا مطالبون دائما بالسؤال، او الاسئلة، والاجابة عليها، او البحث برؤية الحل وامكانات التغيير. وماذا ننتظر؟، أمعجزة ام اننا امام معضلات كثيرة وكبيرة وخطيرة وقد تحمل في احشائها مولدات نقيضة لها وقادرة على قلبها وتطويرها واحداث المطلوب عربيا منها!. وهذا امر سهل قوله ايضا، نظري الى حد ما، المهم بعده، الى متى تبقى او تستمر هذه الحالة؟ ومن يشعل فتيلها او يحترق اولا؟.
في مقالة صحفية يمكن وضع خطوط عامة وسريعة ومؤشرات مهمة تبعث للتفكير والبحث فيها، ويمكن ان تكون محاولة متواضعة ودعوة للنقاش، حول السؤال/ العنوان الرئيس. اذ لا يستطيع المتابع الحريص لما يجري في الواقع العربي اليوم الصمت والتفرج على التدهور والخراب في مختلف الصعد والاتجاهات. وقد يصل الامر الى حدود لا يحسد على ما هو عليه من اوضاع لا تسر الصديق ولا تغيظ العدو، وما اكثر الاعداء في هذه الايام؟.
يقسم الواقع العربي الان الى واقعين واقعيين، رسمي وشعبي. الرسمي يتضمن النظام العربي السياسي، متمثلا بجامعة الدول العربية والحكومات العربية المكونة لها، والعلاقات الرسمية العربية العربية، القائمة او المستترة بين العبارات اللفظية او الاعلامية فقط. ولان الاكتفاء به لم يعد شافيا دون اضاءة الواقع الاخر. واقع الشعب العربي ( او الشعوب العربية!!) وما حصل له وحل به جراء السياسات الرسمية، الداخلية والخارجية وتاثير العوامل المحلية والاقليمية عليها. والعلاقة فيه توصل الى قراءة بانورامية ولو عاجلة ايضا ولكنها مهمة في توصيفه. واذا اخذنا معيار المقارنة باية حالة اخرى فان المؤشر يتجه الى المنحى الذي دفع الى السؤال والعنوان وعلى مختلف الصعد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ويقود الى ان ابسط صوره مختصرة في انسداد سياسي يتفاقم باستمرار، وياخذ مستويات متعددة، تنتظر عود الثقاب، لاسيما حين صار العمل السياسي الوطني والقومي التقدمي جرما واتهاما، واتخذ الاستبداد واجهزة القمع الرسمية مكانا اكبر في الادارة السياسية وتغييب الادعاءات بالشعارات الخادعة عن توزع السلطات والبرلمانات والانتخابات والحريات وما شابه. وفي الوقت نفسه يُلاحظ عزوف شعبي واسع وانصراف واضح عن الشأن السياسي ومعاناة يومية وسجون وقمع واختناقات متتالية مع انهيارات متفاوتة في القيم والمثل العليا، الجامعة والضامنة للتكافل والتعاون الاخوي، القومي والديني، وصعود نسب التطرف والتعصب والاختراقات المستمرة للعدو الاستراتيجي للامة وارضها داخليا واللعب على التفاوت والتاخر والتنوع الموجود اساسا في هذه الرقعة الجغرافية الثرية بكل ما فيها، من منابع التاريخ والثقافة والاديان والثروات الاخرى، بل ان الاعداء تمكنوا من تدجين بعض الانظمة السياسية وصناعة ادوات متنوعة لهم باسماء مختلفة مع ضغوط متواصلة لانجاح سياستهم المعهودة بفرق تسد، اثنيا وطائفيا ولغويا وسياسيا ايضا، حتى بات الشحن بها اعتياديا ومتداولا في الحدث اليومي والاعلامي والشارع العام. واصبح التداول الرسمي عن الفقر المتفشي بنسبة كبيرة وتوسع اعداد من يعيش تحت خط الفقر مسالة اعتيادية لا تثير احساسا وطنيا او اخلاقيا ولا تحرك حاجبا حكوميا، رغم كل الثراء والكنوز العربية وتصدير المليارات العربية الى الاقتصاديات والبنوك الغربية، بل واختصت اغلب السياسات الرسمية بشكل صارخ في تجويع واذلال مبرمج. كما صار انتشار مدن القصدير والعشوائيات حول كل المدن العربية، وتحويل المقابر والمباني المهدمة الى مساكن مكدسة بالناس مشاهد يومية متوافق عليها او مشجعة ضمنيا. اما تخريب المؤسسات الانتاجية والصناعية وتدمير البنى الاجتماعية الطبقية العاملة والفاعلة في البناء الاجتماعي فهي الصورة الاكثر وضوحا للخصخصة الحكومية والفساد وللنهب اليومي. ولم يجر التساؤل عن ارتفاع نسب الامية الى اكثر من نصف الشعب العربي، واكثر من هذه النسبة ثقافيا وتقنيا وعلميا، وتدمير الجامعات والمعاهد الاكاديمية والعلمية والمهنية القائمة وفسح المجال عريضا امام الغزو الثقافي والاخلاقي والاكاديمي بما يتناقض مع الطبيعة الحضارية العربية الاسلامية وما يسعى الى تفريغها من بناها المميزة لها والتي قامت عليها منارات العلم والتقدم الحضاري الانساني العالمي. ومن ضمن هذه السياسات تحطيم قدرات القوى العاملة الحقيقية والشابة بشتى اشكال البطالة والتهجير والتشريد والسعي الى تركيبها بفوارق صارخة، تزداد اوسعها فقرا وتتعمق جهلا، تحت خدمة فئات محدودة، تقل عددا وتتركز سلطة وثراءا وارتهانا.
هذا التوصيف للواقع العربي، من زوايا مختلفة ومتعددة، يتطلب اكثر من انتباهة وبحث جاد يؤطره في التغيير والاصلاح والتحديث، أو إعادة بناء مخلصة وصادقة للمصالح الفعلية للشعب والعالم العربي، وما يخدم التقدم والتطور العام فيه. وتبدأ طبعا وبلا شك من معرفة وادراك المخاطر الكبيرة القائمة والتي ستولد منها، او تولدها ذاتيا، وبالتالي توزعها حسب نواياها ومشاريعها، ويقود هذا الوعي بها الى ايقاف استفحالها والعمل على تحديدها في اطاراتها وتجديد العمل بافاق رحبة للتخلص من فواجعها ومواجعها التي لا تتوقف عند حدود معينة، اليوم او غدا. ويضع هذا التوصيف الواقعين امام مهمات واهداف ملحة وانية، لاسيما بعد عودة الاستعمار الجديد بكل اساليبه وباخبثها وباحتلال علني لبلد عربي جديد، بعد ان زرع قاعدته الاستراتيجية بفلسطين ويعمل الان على تصفية قضية شعبها العربي بشتى طرقه واساليبه، ويفتح شهيته لاحتلال رسمي لباقي العالم العربي وتمرير اهدافه الاستعمارية المعروفة، وتغذية مخططاته العدوانية علنا بوقود عربي، بشري ومادي. وما انتشار قواعده العسكرية والبشرية وادواته ومرتزقته الا دليل واحد ومباشر لما يسعى اليه ويعمل في سبيله. وقد وجد في الواقع العربي الحالي تربة تشجعه مثلما خطط لها او استثمرها ومدّ مجساته وتجاربه فيها. الامر الذي يتطلب اكثر من العودة من جديد الى ما تم وتحقق في تغيير الواقع العربي ايام الاستعمار القديم، وما حصل فيه من نهوض تحرري ومن استقلال وسيادة وطنية، وادراك مآرب الاستعمار والدروس التاريخية، والسعي فعلا الى سياسات واقعية تنجز الاهداف التحررية والتقدم الحضاري، وعدم اعادة انتاج مسبباته او مسوغاته ومنها القابلية على الارتهان به.
المواجهات القائمة على الارض العربية اليوم استراتيجية، مصيرية، وبحاجة الى صحوة واستعدادات متكاملة، قبل فوات الاوان، شعبيا ورسميا وتحالفات اقليمية ودولية. حيث ان المخططات الامبراطورية الامبريالية الجديدة ضد النظام والشعب العربي تستفز حتى الحجر، ولا تفرق بينهما امام مصالحها. وهنا الوردة فلنرقص معا!!.