الأحد، 28 أكتوبر 2007

تقاسيم على قرار التقسيم

الجمعة 26/10/2007
صدر قرار التقسيم للعراق علنا، من مجلس الشيوخ الامريكي، بأسم "وعد" بايدن، ولم يعد الامر بحاجة الى ثورة اشتراكية عظمى وقيادات اممية لكشف اسرار المؤامرات الغربية على العالم العربي، بدءا من العراق. وتناشد الكتاب والمحللون والمراقبون في قراءاتهم للقرار والعزف على الاوتار، كل من رؤيته او زاويته او ايديولوجيته او تحليله الشخصي. واغلبه يشير الى وثائق متوالدة من بعضها وتدور حول اهداف محددة وواضحة، تكرست خطوطها على الارض وتحولت الى معوقات لاي عمل وحدوي ويجري التمزيق لها اكثر مما هي عليه. وقد ورد الكثير من الاقوال والاراء والمناشدات والدعوات ايضا، ولم يلتفت لها ولم يتعظ منها، خصوصا من لدغ اكثر من مرة من الجحر نفسه او امثاله، فلم يعد اليوم خمر وغد امر مقبولا بعد هذا القرار.
لماذا صدر القرار؟ ماذا يعني توقيته؟. وهل حصل مفاجاة او اثار استغرابا؟. في كل الاحوال، الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها تقول بداهة ان امرا خطيرا قد حصل وان ضرورة عاجلة تتطلب الاسراع للحيلولة دونه والعمل على انقاذ ما يمكن انقاذه من اجل البقاء في حسابات التاريخ والجغرافية. فلم يكن القرار هو الاول ولا الاخير، والتجربة التاريخية تقول لمن له عين تبصر او بصيرة تفكر بان مخططات العدو هكذا تبدأ وهكذا تاخذ طريقها الى التطبيق العملي، مستثمرة كل ما يمكن وما يقع بايديها او امامها، وفي اكثر الاحيان لا تكتفي بامكاناتها وحسب وانما باستثمار طاقات وثروات اهل القضية نفسها باساليب مختلفة وباشكال متعددة. ولم يكن توقيته عبثيا او غير محسوب في اطار مسلسل متكامل من مخططات مدروسة بدقة ومتتالية زمنيا واستراتيجيا، ومشاغلات وتوترات متصاعدة في كل المنطقة تؤمن له التسلل ضمن الفوضى العامة او الخلاقة كما يحلو للسياسيين الامريكان خصوصا التبجح بها، هذه الايام.
سجل الصحافي والباحث الروسي فلاديمير بولشكاف في كتابه: الارهاب على الطريقة الامريكية، المترجم الى اللغة العربية والصادر عن دار التقدم بموسكو عام 1986، قضية نقلها عن مجلة افريقيا – اسيا بتاريخ 11-25/10/ 1982، انه في اواسط شباط/ فبراير 1982 عرضت جريدة " جورنال اوف جوداييزم اند زايونيزم"، لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية، خطة الصهاينة التي تنص على تفتيت مصر ولبنان وليبيا والسودان الى دول قومية صغيرة وتقسيم الاردن والعربية السعودية وسائر دول شبه الجزيرة العربية. وورد في الخطة ذاتها: "ان تفتيت سوريا والعراق الى مناطق متفرقة على اساس معايير سلالية ودينية يجب ان يغدو على مر الزمن الهدف الاولى لاسرائيل، اما المرحلة الاولى في هذا الطريق فهي السحق العسكري لهاتين الدولتين". (ص 221). واعتبر حينها بداية العدوان الصهيوني على لبنان والمخيمات الفلسطينية بداية التنفيذ العملي لهذه الخطط.
اشير الى ما ارسله المحلل العسكري المعروف زئيف تشيف، في مراسلته الى صحيفة "ها آرتس" من واشنطن، في 6 شباط/ فبراير عام 1982 ملخص التقرير السابق الذي توسع نشره في الاعلام الصهيوني والامريكي والذي ينتهي صراحة الى: (إن تفكيك العراق إلى دولة سنية وأخرى شيعية، وفصل الجزء الكردي، هو أفضل ما يمكن تحقيقه لمصلحة إسرائيل في العراق)، كما اعيد ذكره الان. وبعد هذا النشر بخمسة وعشرين عاما، جاء قرار مجلس الشيوخ الامريكي بوعده الذي يكرر نفس المصطلحات والافكار والدعوة الى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات. فهل هي مصادفة او تتابع تاريخي وتدرج في تجسيد تلك المخططات او انها مجرد اجتهادات شخصية متطابقة وجدت صداها عند اصحاب القرار السياسي والتشريع الامريكي، ام انها كل ذلك؟.
في الموضوع نفسه، كما يبدو، للتذكير والتنوير، كتب الدكتور حسن نافعة سلسلة مقالات قرأ فيها ما ورد في تلك الدراسة المعنية بكل تلك الاشارات المتفاوتة والمتناقلة بين الاسطر والمعلومات والاعلام. وكذلك عقبت مقالة للصحافي عاطف الغمري حول الوثيقة ذاتها، وما تلاهما من قراءات وتحليلات متعددة تدور حول تاكيد مخططات تفتيت العالم العربي وتغيير خارطته الحالية الى اجزاء جديدة اخرى اسوأ مما قامت به خارطة سايكس بيكو ونتائجها الوخيمة، وقد طبعت مثل هذه الخريطة بالوان اخرى.
الدراسة المعنية هي التي كتبها الصحفي الصهيوني، الموظف السابق في الخارجية الاسرائيلية، أوديد يينون بعنوان: "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات" نشرها بالعبرية في شباط/ فبراير 1982 في مجلة "Kivunim" الصهيونية، وقام البروفيسور إسرائيل شاحاك الناشط الحقوقي الإسرائيلي المعروف بترجمتها إلى الإنجليزية في حزيران/ يونيو من العام نفسه ونشرت تحت عنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط" بعد أن كتب لها مقدمة وخاتمة أكد فيهما أن هذه الدراسة هي الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وتعبيراً عن حقيقة ما يدور في العقل الصهيوني حول المنطقة والهيمنة عليها، ونشرتها ايضا الجمعية العربية لخريجي الجامعات الامريكية، وهي التي تشرح بالتفاصيل الخطط التي تستهداف ما هو غنى للمنطقة العربية وتحويله الى عوامل تفريق وتحارب داخلي بين مكوناتها، فلماذا مرت دون انتباهات مطلوبة وردود بحجمها والى متى الانتظار؟.
اكدت هذه المقالة على اهداف الحركة الصهيونية والاستعمار الغربي في المنطقة العربية، باستمرار احتلال فلسطين وتوسيع هذا الاحتلال الى العراق وغيره من البلدان العربية، حسب تسلسل تطبيقات المشروع الصهيو امريكي في استراتيجيته الامبراطورية وبواعث هيمنتها.
في مطلع القرن الماضي خططت القوى الاستعمارية حينها الى تقسيم العالم العربي والاسلامي لاهداف استعمارية استغلالية، جيو استراتيجية، من بينها زرع الكيان الاسرائيلي في قلب الوطن العربي لحماية مخططاتها وتدمير اي مشروع وحدوي يجمع اقطار وبلدان العالمين العربي والاسلامي ويقرب بينهما لخدمة شعوبهما وثرواتهما والمشاركة في تعزيز الامن والسلم الدوليين في نظام دولي عادل. وفي مطلع هذا القرن تعود القوى الاستعمارية الاكثر هيمنة في تجديد اساليب القوى القديمة وبطرق متشابهة في اهدافها ومشاريعها على الارض واستمرارية التقسيم والتفتيت للعالمين العربي والاسلامي، وهذا ما حصل ويحصل الان عمليا، سواء في الاحتلال المباشر او في الاعلانات والبالونات التي تطلق يوميا، من خطط وقرارات ومشاريع تفتيت وحروب وصراعات تاريخية ومستقبلية متواصلة. فما يحصل في العراق اليوم او مايراد له ان يكون، تقاسيم على قرار التقسيم، ومسيرة اقراره، عبر ما تمارسه قوات الاحتلال العسكرية وفرق الموت وشركاتها المتعددة في القتل والترويع والصدمة اليومية للشعب العراقي فعليا وفق ما توصل له بايدن وعصابات المحافظين الجدد التي تروج له منذ سيطرتها على القرار في البيت الابيض وسياسات الاحتلال والهيمنة الاستعمارية. فهل يحتاج الامر بلاغا اخر؟.