الاثنين، 5 نوفمبر 2007

إحصاءات عراقية مسكوت عنها

الجمعة 2/11/2007
احصاءات وارقام عراقية كثيرة مسكوت عنها، او يتم التغاضي عنها بقصد اخفائها او عدم اعلانها للرأي العام، عموما، او يشوش عليها ويبذل مسعى لتمويهها ومحاولة وضعها بعيدا عن اهتمامات من يهمه امرها او يتحمل مسئوليتها الاخلاقية والقانونية والتاريخية. وهذه الاحصاءات والارقام متعددة ومتنوعة ومتفرقة، سواء كانت هويتها عراقية او صنعت في العراق. تجمع بين الخسائر البشرية والمادية، من الشعب العراقي او من الذين ارتكبوا جرائم الاحتلال والتعذيب والقصف والقتل اليومي. ومنها ما يكشف بهدف الايهام والادعاء بالشفافية والمكاشفة حتى بمثل هذه الحالات الخاصة او "السرية جدا" في مفهوم الامن والحرب الامريكية. وللاسف تمر مثل غيرها كاخبار عابرة دون انتباهات منظمة وتغطيات اعلامية كافية، تفضح فيها وقائعها وحقائقها المرة، وكانها لا تمس حياة شعب ومستقبل امة. هذه الاحصائيات والارقام الكبيرة فيها والتي تعرفها الادارة الامريكية ستظل هاجسا يوميا مقلقا لاصحاب الضمائر فيها ولحلفائها او من تعاون معها من الغربيين والعرب والعراقيين في احداثها او المشاركة في التستر عليها وغش الذات بالمعلن منها، كما تشغل بال اصحاب القرار والامر في حساب نتائج تلك المشاريع والمخططات الامبراطورية، دون تحمل المسئولية عنها والجراة في الاعتراف بها والرجوع عن حماقات التورط بوقائعها الماساوية.
بعد جرائم ابو غريب وحديثة وسامراء وتلعفر وبعقوبة والنجف والديوانية وسجون المطار وبوكا والسليمانية والقائمة طويلة باسماء مدن واحداث كبيرة فيها، سلط بعض الضوء عليها اعلاميا، ومن الاعلام المستقل في اكثر الاحيان، ولصحوة ضمير انساني في اغلب المرات، تتوالى الجرائم امثالها في شتى المدن والاحياء العراقية، التي اريد ان تكون نموذجا لسياسات الادارة الامريكية وعصابات المحافظين الجدد في المنطقة والعالم بعد تجرية احتلال فلسطين وافغانستان.
ابرز الاحصائيات المسكوت عنها تتوزع بين تقدير ضحايا الاحتلال من ابناء وبنات الشعب العراقي، وبين اعداد الجرحى والمصابين والايتام والارامل جراء ما تمارسه سلطات الاحتلال او اسلحة قواتها العسكرية والمدنية او التي جلبها وسهل مهماتها لشحن اهدافه على الارض العراقية وتمرير مخططاته الاستعمارية والهيمنة على الثروات والخيرات الطبيعية والبشرية. وهذه الاحصائيات، مهما قُلّّل منها رسميا، تتجاوز حدود اي وضع انساني مقبول في اي ظرف زمني وحروب متداخلة، وهي وصمة عار حقيقية في جبين راسمي سياسات الاحتلال والنمذجة المخادعة للشعارات التي اسيئ لها و لمدلولاتها البراقة. وفي كل الاحوال شاركت مؤسسات كثيرة رسمية، محلية واجنبية، في اخفاء هذه الارقام او التقليل منها، وهي في ازدياد مستمر، ترسمه عمليات القصف والتدمير العشوائي واعمال الاغتيال والتخريب المقصودة. وتتنوع حجوم اعداد الضحايا في مجالاتها او اختصاصاتها اضافة الى اماكنها وهوياتها السياسية والدينية والاجتماعية وحتى الجغرافية. فاعداد الاكاديميين والاطباء والاعلامين تؤشر الى بعض تلك الماساة. تصاحبها في نفس الاعتبار، اعداد المعتقلين والسجون المنتشرة والتي اصبحت من ابرز انجازات عهد الاحتلال في البناء والتعمير، وتتضارب الارقام بين ما تعلنه السلطات المحلية والمحتلة والمنظمات الدولية كالصليب الاحمر او العفو الدولية. ولا تختلف عنها كثيرا احصائيات المهجرين والنازحين من مدنهم وبلداتهم وبيوتهم داخليا وخارجيا، والتي فاقت اربعة ملايين مواطنا عراقيا، وفق تقديرات دولية قبل اكثر من عام. اما احصائيات الفشل في توفير الخدمات العامة وفي شيوع الفساد الاداري والمالي فالحديث عنها اصبح من المحرمات الكبرى، وليست المسكوت عنها فقط، لكبر حجومها واتساعها وشمولها كل طبقات الاجتماع السياسي والعسكري، العراقي والامريكي خصوصا، وتنعكس اثارها في ردود الافعال وبناء الجدران والاسلاك الشائكة وسيارات الهمر والمضادة للرصاص والحراسات الخرافية وغيرها. اية احصائية عن عدد الاطباء والمستشفيات العاملة فعلا وتوفر الادوية فيها، مثلا، تكشف المفارقة وتدل على اتساعها وامتدادها لغيرها من الخدمات الاخرى، القريبة منها او المتوازية معها، كالكهرباء والماء والوقود، في بلد كالعراق، في ظل قوات وسياسات الاحتلال.
ما يتسرب حاليا بعد خراب العراق من احاديث عن الكارثة التي يمارسها يوميا الاحتلال وعدم التحضير له ولعواقبه يثير اكثر من غضب على السياسيين والعسكريين الذين نفذوا مخططات عدوانية وحشية لا تمت بصلة للعصر والحضارة والتقدم الذي يدعون الانتساب اليه. فاذ يسكت عن تلك الاحصائيات، وحين يقال ان رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير قد حُذر اكثر من مرة بان كارثة ستحل بالعراق بعد غزوه ولم يعر اهتماما كافيا لها، بل وتمادى في خداعه وكذبه حتى على اعضاء برلمان بلاده وحزبه الحاكم بادعاءات لا صحة لها ومبنية على معلومات ملفقة، وشارك باختلاقها والترويج لها، ومن ثم ابلاغه مرارا بأن الإدارة الأمريكية لم تقم بالإعداد الجيد لتحقيق الاستقرار وإشاعة السلام في العراق ولم يفعل شيئاً ازاءها، فان كل هذا يعني ان اصرارا مقصودا على ارتكاب الجريمة وتدمير بلد وشعب بالكامل لغايات سرية لا تعلن حاليا ولا يراد الاعتراف بها وتفتقد الجرأة في تحمل مسئوليتها. ما حل بالعراق بعد سنوات الاحتلال المريرة يوصف بكارثة في وسائل الاعلام العالمية وفي الوقت نفسه تهمش اخبار هذه الكارثة واحصائيات ضحاياها وتغيب عن الراي العام باستمرار تداعياتها وعواقبها المتواصلة.
ما حصل ويحصل يحاسب كل اؤلئك الصامتين خوفا او المتفرجين عنوة على الكارثة. وبالتاكيد ياتي اليوم الذي يضع كل المرتكبين في قفص الاتهام والمحاكمة. فالاحصائيات المسكوت عنها ليست قليلة وليست بلا ردود فعل مناسبة لها، ومهما قلل منها او جرت محاولات الخداع فيها، وتغييب الدقة فيها، خاصة من تلك التي تصنع في العراق. اذ ان اعداد القتلى من قوات الاحتلال في تزايد مستمر، يتجاوز اربعة الاف واكثر لحد الان، من ضمنهم ما يقارب مائتي عسكري بريطاني، والجرحى تجاوزوا الخمسين الفا، وهذا ما تعلنه وزارتا الحرب الامريكية والبريطانية، اما الحقيقة فهي ايضا ضمن المسكوت عنها لدى الادارة الامريكية والحكومة البريطانية. هذه الاحصائيات الاولية البشرية، وما تتركه من اثار وخسائر مادية وانعكساتها على السياسات العامة للحكومات المعتدية وشعوبها التي تدفع ضريبتها مباشرة، سواء بالدم او بالمال او بالسمعة الاخلاقية والادبية، تعني الكثير للراي العام والاعلام والمعارضات السياسية والاهتمام الوطني بها. حيث ان تركة فيتنام شاخصة، وكل الجرائم التي ارتكبتها الادارات الامريكية خصوصا تظل شاهدة اخرى لما يحصل اليوم في البلدان المحتلة، وليست اقل منها تاثيرا واثارا اخلاقية وانسانية وقانونية على مختلف الصعد والاتجاهات.
لماذا هذا الصمت عن كل هذه الاحصائيات؟ ألأنها صورة نموذج الاحتلال بقيادة الادارة الامريكية، الذي تراهن عليه لاقناع من تعمى بصيرته بنظرياتها الجارية يوميا امام الجميع؟!.