الأحد، 23 سبتمبر 2007

تحولات جوار العرب وانشغالات الابتعاد عن التغيير

السبت15/9/2007
يلاحظ أي متابع ومراقب للمشهد السياسي تحولات واضحة، في الجوار العربي، خاصة الاسلامي، خلال الفترة القريبة الماضية، لفتت انتباه العالم لها، ولم يجد ما يشير الي انعكاسات او الي انتباهات مقابلة من الجوار العربي لها، وكأنها تجري في واد آخر لا يهم ما يحصل فيه هذا الجوار، والانشغالات الداخلية تأخذ رقابه منها فتتركه نهبا للشعارات البراقة التي لا تطبيق لها علي الارض من جهة ومبتعدا عن التغيير او التاثر، سلبا او ايجابا بها من جهة اخري. فما هي تداعياتها علي المصالح القومية؟ ولماذا لا تتفاعل معها في هذه التحولات، وتكاد اغلب الهموم والمعطيات البارزة مشتركة؟.
بلا شك حصلت داخل جمهوريتي تركيا وايران خلال الفترة القريبة الماضية تحولات سياسية، اتفقت عليها معظم المؤسسات الراصدة لها ووسائل الاعلام، وعبرت عنها تطوراتها في الداخل المحلي لكل منهما وما يمكن ان يؤثر في مجريات العمليات والعلاقات السياسية. وهذان البلدان الجاران مشتركان مع العالم العربي في اكثر من قضية اضافية لجوارهما وما يتعرضان له بسببه من ضغوط ومؤثرات خارجية وداخلية، يعكسان او يعطيان مؤشرات لافتة لابد ان تاخذ بالحسابات العربية وفي عمليات التغيير الداخلي ودوائر الاهتمام السياسي الداخلية والخارجية، والاستفادة من تطوراتهما الايجابية علي مختلف الصعد في تعزيز العلاقات واستثمار نتائج التحولات للمصالح المشتركة، الراهنة والمستقبلية.
في تركيا جرت انتخابات تشريعية جديدة وفاز بها الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، الاسلامي التوجه والبرنامج السياسي، علي اغلبية مريحة مكنته من تمرير مرشحه لرئاسة الدولة التركية، العلمانية التوجه، والساعية الي عضوية الاتحاد الاوروبي، والاقتراب اكثر الي عضويتها في حلف الاطلسي العسكري والسياسي، وابعاد او تجميد موضوعة الانقلابات العسكرية التي كانت معروفة في البلد في مثل هذه الحالات. وكذلك في النظر الي التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية فيها وفي عملها الحثيث علي بناء دولة جديدة او مرحلة اخري في سلم البناء الرسمي للدولة التركية الحديثة. ولا يمكن هنا تجاوز ما تقوم به تركيا اليوم في السياسة الدولية وما يمنحها موقعها الاستراتيجي في جميع مجالات العلاقات والنشاطات الاقليمية والدولية.
تبين التحولات في الجمهورية التركية ابعادا ذات اهمية كبيرة، ليس علي الصعيد المحلي وحسب بالرغم من اهميته الاساسية، بل وعلي مختلف الصعد. فنجاح حزب اسلامي في برنامجه ومشروعه السياسي في بلد مثل تركيا اليوم يطرح تحولا واسعا في المفاهيم والمدلولات السياسية والفكرية وانعكاساتها الثقافية والاقتصادية ايضا، ويقدم نموذجا معينا لمحيطه اولا قبل غيره من الجوارات الاخري التي تتمتع بمثل هذه التحولات من فترات اسبق منها بطرقها وتاريخيتها المعلومة. وهنا سؤال كبير في هذا المجال، لاسيما في التحولات التي اخذت موقعها في الميدان العملي، واصبحت وقائع يومية لا يمكن التغاضي عنها، او عدم الانتباه لها ووضعها في الانعطافات المطلوبة حاليا.
وانجزت في الجمهورية الاسلامية في ايران انتخابات اخري ايضا، علي صعيد معين وفي وسط مؤثر، فاز بها السيد علي اكبر هاشمي رفسنجاني في موقع جديد مهم سياسيا او في صنع القرار السياسي في ايران، ومعروف او هذا موقفه، بان السيد رفسنجاني له اراؤه في العلاقات السياسية مع الجوار الايراني، الجغرافي والسياسي الحالي، ويحسب في وسائل الاعلام الغربي بانه من المعتدلين، اي بخلاف رئيس الجمهورية والمرجع الديني الاعلي في طهران. وفي كل هذه الاحوال تعكس عملية الانتخابات والفوز الي تحول في الادارة السياسية الايرانية، والي تنوع في اتجاهات القرار واصحابه او مصادره بعد هذه الانتخابات، وتفاعلات متعددة داخلية ومهمة في التطورات الخارجية، ومن ثم انعكاساتها في التغييرات التي تمت في بعض المؤسسات العسكرية او السياسية الداخلية وطبيعة تخطيطها للتصدي للتحديات المتعددة الاطراف والاخطار.
معروف ان تركيا عضو في حلف الاطلسي العسكري وتضم اراضيها قواعد عسكرية للحلف وللولايات المتحدة الامريكية وبينهما اتفاقيات عسكرية ومعاهدات مشتركة، بينما ايران ليس لها مثل ذلك، بل بالعكس منها في هذه المجالات، حيث تتعرض الي ضغوط متصاعدة، سواء من حلف الاطلسي نفسه او الولايات المتحدة الامريكية، التي تزرع حدود ايران باساطيل عسكرية جديدة اضافة الي القواعد العسكرية الدائمة في محيطها الجغرافي محملة بتهديدات جدية ومخططات عدوانية قد تصل الي صراعات عسكرية وحربية تغير معادلات الاستقرار والامن في كل المنطقة. ورغم هذا التباين بين البلدين في هذه المجالات الا ان ما يربطهما اكثر من هذه التباينات الخارجية، ويجمعهما اكثر جوارهما الجغرافي والديني ومصالح مشتركة علي صعد مختلفة. ولابد ان تاخذ التحولات فيهما ماخذا جديا والعمل معهما في تطويرها نحو افاق واسعة لتاكيد التعاون والاستقرار والامن والسلم في المنطقة والعالم.
هذه التحولات حصلت في الجوار العربي، بارادات شعبي البلدين المعنيين في هذا الموضوع، وتمت بكل سلاسة وطنية وانتماء حضاري وتواصل انساني، اثبتت فيها قدرات كامنة ورغبات حقيقية في انجاز مثل هذه التحولات وتعميقها بما يخدم المصالح المشتركة والاهداف المنشودة. وهنا تصبح هذه التحولات مثار اهتمام فعلي في الانتباه لها ومعرفة انعكاساتها واثرها علي التخلص من الانشغالات التي تبعد عمليات التغيير والاصلاح والتحديث السلمي والديمقراطي رغم كل ما يحيط بها من ظروف وتعقيدات متناقضة ومتصاعدة ومتولدة منها.
تحولات ليست عابرة، بل اساسية ومهمة في حياة البلدين الجارين، وتعكس تطورات عديدة في طبيعة العلاقات الداخلية والخارجية لكليهما، لاسيما وان العدوان الصهيو امريكي مستمر ويحتل بلدان مجاورة لهما ويؤثر بتواجده العسكري علي امن المنطقة ومستقبلها، وكذلك علي خريطتها السياسية والجغرافية وحتي هويتها القومية والحضارية، لاسيما باستمرار احتلاله لبلدين عربيين اسلاميين وثالث اسلامي في الجوار لهما. والتصدي لمثل هذه المخاطر المحدقة والتهديدات المستمرة يتطلب تحولات واسعة بخيارات شعبية وارادات وطنية سلمية، تؤمن لها حاضنة فعالة وقدرات مستعدة لتواصلها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة والرهانات القومية والدولية، كما انها بالتاكيد معطيات كفاح وطني تحرري ووضوح في القناعات والتوجهات والاهداف والامال الكبيرة.