الجمعة، 21 سبتمبر 2007

استقالة متأخرة عن فضائح مبكرة

السبت 1/9/2007
تتواصل سلسلة الاستقالات من قبل اركان في الادارة الامريكية، او الهروب من السفينة الغارقة فيها وحولها قبل انتهاء فترتها بأشهر معدودة، وتفقد هذه الاستقالات بريقها او دويها لأنها تأتي بعد انتشار رائحة فضائحها ارتقاء الي جرائم بحق القانون والحقوق الانسانية والعدالة والكرامة البشرية. استقالات مفروضة او مجبر عليها من مناصب مهمة، من وزارة الحرب الي المستشار السياسي وقائد حملة الانتخابات للرئيس الحالي، مرورا بأبرز شخصيات المحافظين الجدد، اصحاب القرار السياسي الفعلي في الادارة الامريكية الحالية. واعتبرت اعلاميا وسياسيا ضربات متوالية لسياسة الرئيس الامريكي بوش الثاني، فقد قبلها او تقبلها علي مضض، كما اعلن من نطق باسمه فيما بعدها. وكل هذه الاستقالات الهزائم، سواء علي صعيد شخصي او سياسي او قانوني أو اخلاقي، ترتبط مباشرة او بتداعيات مشاركات اصحابها في تصعيد ما تسميه الادارة الامريكية بالحرب علي الارهاب، وغزو افغانستان والعراق واحتلال البلدين بغطرسة امبراطورية عمياء.
ليس آخر هذه الاستقالات استقالة وزير العدل، المدعي العام الامريكي البرتو غونزاليس من منصبه بعد محاولات عديدة للمراوغة والتملص من الاستحقاق الاعتيادي في مثل هذه الحالات هناك علي الاقل، الا انه تشبث بمنصبه ورفض طلبات من مستويات متعددة بالاستقالة، وتحمله مسؤوليات كبيرة في خرق القانون والعدل الذي يحمل وظيفته الرسمية. وقد فتحت الاستقالة المتأخرة مجالا واسعا لوسائل الاعلام للتأكيد انها دليل اضافي علي ازدياد ضعف الرئيس الامريكي وادارته في اشهرها الاخيرة والورط المعقدة التي وضعت فيها، وبالتأكيد تلاحقها معارك اخري حول البديل الذي سيختاره الرئيس بوش الثاني. وكذلك الاشارة الي اسماء اخري ما زالت في الادارة وتتحمل مثله او شاركت معه فيما ارتكب من فضائح وفظائع لم تعد مخفية. حتي ان صحيفة الاندبندنت البريطانية كتبت في افتتاحيتها ان هذه الاستقالة هي مسمار آخر في نعش الرئيس المحتضر وانها واحدة من الحوادث التي طال توقعها الي درجة أنه عندما حدثت أخيرا بدت وكأنها مفاجأة. واضافت الي أن عهد غونزاليس تلطخ منذ بدايته بسلسلة من الفضائح التي قوضت الثقة بوزارته كذراع محايدة في الحكومة وحامية للدستور حيث بدت غالبا بأنها تخدم المصالح الحزبية للبيت الابيض. وعلق كثير من المعلقين والمراقبين علي ولائه المطلق للرئيس بوش الثاني والادارة الامريكية الي درجة الاخلال بمباديء القانون او تفكيك دولة القانون التي تدعيها الولايات المتحدة الامريكية، ولم يقبل فحسب بانتهاك حقوق الإنسان، بل ساهم أيضا في ذلك بادعاء حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الحقيقيين أو المفترضين.
ولم تنس جماعات الدفاع عن الحريات العامة في الولايات المتحدة لغونزاليس وصفه بعضاً من بنود اتفاقية جنيف التي تحظر تعذيب أسري الحرب، بأنها "بنود عفا عليها الزمن"، إضافة إلي مسؤوليته عن إصدار مذكرة مكتوبة أباح فيها تعذيب المعتقلين في السجون الامريكية، فضلاً عن ضلوعه في عمليات إباحة التجسس علي المواطنين الأمريكيين من دون إذن قضائي، المشهورة في قضية التنصت، ودوره في وصمة العار او العلامة والشعار الجديد لأمريكا، المعروف باسم معتقل غوانتانامو، ودفاعه عن احتجاز المشتبه بضلوعهم في الارهاب فيه دون ان يتمتعوا بالحقوق التي تنص عليها اتفاقية جنيف لمعاملة الاسري، وتورطه في طرد تسعة مدعين عموميين من وزارة العدل، والكذب في اسبابه امام الكونغرس. كما ذكر ان الاستشارات القانونية التي قدمها لبوش الثاني كانت السبب في اساءة معاملة وتعذيب معتقلي سجن ابو غريب في العراق علي يد جنود أمريكيين. ولهذا تمتع بلقب "حامي إدارة بوش"، ممارسا كل ما لديه من خبرة قانونية ومحاماة في الدفاع عن انتهاكات الادارة للدستور والقانون والحقوق العامة. لا سيما مع رفضه المطلق استجابة طلب مكتب المحاسب العام، بالكشف عن وثائق تتعلق بلقاءات جمعت نائب الرئيس ديك تشيني ومسؤولين في شركة انرون، التي ارتبط اسمها بواحدة من أكبر فضائح الإفلاس في أمريكا، إضافة إلي دفاعه عن قرار بوش إخضاع غير الأمريكيين من المشتبه بتورطهم في الإرهاب لمحاكمات عسكرية. استقالة غونزاليس تفضح صدقيته والرئيس الامريكي معه، ولم تنفعه اشادات بوش الثاني به، وقد تفتح عليه ابواب العدالة التي شوه سمعتها، كما طالب مشرعون امريكان بذلك ورفضوا ان يكون كبش فداء للادارة والرئيس الامريكي. وقال السيناتور جون كيري "حتي بعد رحيل غونزاليس فإن الكونغرس سيواصل جهوده لنحصل علي الحقيقة ولكشف حسابات بشأن كل المسائل العالقة". ومن المتوقع ان يتمسك الكونغرس بطلبه الاستماع الي شهادة غونزاليس. كما ان المشرعين الديمقراطيين، وحتي بعض الجمهوريين، ينتظرون تعيين وزير جديد لمحاسبة جديدة مع الرئيس وادارته في هذا الشأن، حيث هذه فرصة اخري يستغلها الديمقراطيون تحضيرا للانتخابات القادمة. والبيت الابيض يعلم ذلك وقد عبر الناطق باسمه سكوت ستانزل عن الامل في ان يقوم مجلس الشيوخ بتغليب مصالح البلاد (...) علي السياسة الحزبية . دون الاشارة الي الانتهاكات القانونية والاخلاقية التي قام بها وزير العدل ورئيسه او تصحيحها والاعتذار من الشعب الامريكي اولا وشعوب العالم التي صارت ضحية لتلك السياسات والاستشارات الغاشمة ثانيا.
قد تصبح هذه الاستقالة المتأخرة للفضائح المبكرة موضوعا آخر يشغل بال السياسيين الامريكان ووسائل الاعلام فترة ما، وقد تضغط علي توجهات الادارة داخليا، ولكنها كما علق بعض المحللين قد تعطي انفراجة لسياسات بوش الثاني الحمقاء. وفي كل الاحوال تبقي الاستقالة مهمة ازاء قضايا انتهاكات حقوق الانسان والاستهانة بالقانون والاتفاقيات الدولية واحترامها والالتزام بها دوليا. لاسيما امام تصاعد المطالبات بإلغاء معتقل غوانتانامو سيء الصيت، والغاء المحاكمات العسكرية واعادة الاعتبار للقانون والاتفاقيات الدولية في معاملة الاسري والمعتقلين في ظروف الحروب والغزو الامبراطوري الجديد، وفي وقف الانتهاكات بكل اشكالها لحقوق الانسان والحريات العامة، سواء داخل الولايات المتحدة الامريكية او خارجها. واذا كانت اصوات كثير من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين مشغولة فيما يتعلق بالشؤون الداخلية، فلابد ان تأخذ المنظمات الانسانية والمدافعة عن الحقوق المدنية بالمطالبة بشمول حقوق الانسان والحريات المدنية حيثما كانت واين وجدت، لا تفريق ولا ثلم لاسم الانسان فيها. فهل تشهد الايام القادمة كشفا واضحا اضافيا ورسميا لكل الانتهاكات والفضائح والفظائع التي ارتكبتها الادارة الامريكية الحالية وعصابات المحافظين الجدد، ام انها موجة وتمر من الاتهامات والانشغالات قبل فترة الانتخابات الرئاسية القادمة؟