الجمعة، 21 سبتمبر 2007

صور من الاستعمار 3-3

السبت 25/8/2007
طرحت مقالة علي يعته تفاصيل أخري لصورة الاستعمار ووحشيته، وانتقدتها من منطلقات واضحة لمفهوم الاستعمار وتطبيقاته عبر المثل المراكشي/ المغاربي. فقد رأي أن الاستعمار الفرنسي وليد بلوغ الرأسمالية درجة الاحتكار واضطرارها للاستيلاء علي البلاد الضعيفة في سبيل ثلاث غايات: استعمال هذه البلدان كمراكز تصريف لانتاجها الصناعي، نهب موادها الاولية، واستثمار رؤوس الاموال الفائضة. التوسع الفرنسي في مراكش مثالا. وفي كل الاحوال تطرق الي كل الاساليب التي استعملها المستعمرون لاحتلال بلدان اخري، مشددا علي ان فرسان التوسع الاستعماري عندما احتلوا مراكش ما كانوا ليجرؤوا بالطبع علي التصريح بأنهم احتلوها لكي يمتصوا خيراتها، بل وجدوا أعذارهم لمواجهة معارضة الرأي العام، اذا لم يسعوا الي استمالته لتأييدهم. وناقش في مقالته فرضيات كتاب وادعاءات قوي الاستعمار في أساليبها المعروفة، مفندا ذلك بأمثلة ونصوص منها ايضا. فمثلا خلع الجنرال الفرنسي سلطان البلاد مولاي حفيظ لأنه أصر علي المحافظة علي تعهده للشعب، فاقتبس عن قنصل فرنسا في فاس عام 1912 نص عبارات مولاي حفيظ: لم أكن، ولن أكون سلطان محمية. ان هذا يناقض أعمالي في الماضي، وينال من حريتي واستقلالي، ولا يمكنني ان أنسي، وشعبي بأسره يذكر، أنني اذا كنت قد أصبحت سلطانا، فلانني اقسمت بأن أكون المدافع عن استقلال بلادي ضد كل تدخل أجنبي. وأنا لا أريد أن أخون الامانة التي منحني إياها شعبي .
لا لبس في النص والهدف، فهو انعكاس عن إرادة مشتركة، اجمع عليها الشعب المغربي، وناضل ضد الاحتلال بالسلاح طيلة الفترة الممتدة بين عام 1917 وعام 1934 وأجزل بالتضحيات. وهذه المعارضة العنيفة لنظام الحماية وتعلق الشعب بالحرية قادت المستعمرين كما ذكر الكاتب الي شن حرب شعواء عليه استعمل خلالها أحدث أنواع أسلحة التهديم: الرشاشات والطائرات وقاذفات القنابل والمصفحات والالغام. ناقلا قول الماريشال جوان في مقدمة كتاب الجنرال غورو، في مراكش كيف أن الحرب في مراكش كانت تجربة للحرب العالمية، معترفا أن وسائل التقتيل التياستعملت ضد هذا الشعب الذي زعم الفرنسيون أنهم جاؤوا لحمايته كانت من أعنف الوسائل وأفعلها. ثم وصف الممارسات الأخري التي لم يكتف المستعمرون بها، بل استعملوا طرقا أخري لقهر المقاومة الوطنية. اذ راحوا يقتلون الناس جوعا بحرق مزروعاتهم وذبح قطعانهم، وكانوا يحكمون عليهم بالموت عطشا اذ يسمون آبار المياه، او يحولون المياه التي تسقي القري من مجاريها. بل إنهم تمادوا في وحشيتهم اذا عرضوا للبيع في المناطق غير المحتلة خبزا بداخله متفجرات . كما علق علي المآسي التي ارتكبتها قوات الاحتلال وتكررها في أكثر من مدينة، تحت شعارات استتاب السلام وإقرار الطمأنينة والنظام وحماية املاك المواطنين، ووراءها مئات الألوف من القتلي والتهديم للبيوت والنهب للثروات، بأنها ادعاء وقح او تصريحات جوفاء.
حلل الكاتب حركة الاستعمار وغايتها بأنها دوما لصالح مستغلي الطبقة العاملة ومستثمري الشعب الفرنسي العامل، بإيجاد مناجم جديدة لهم، وارض جديدة، ويد عاملة بخسة، وايجاد ماجورين لحروب استغلالية تضمن بقاء النظام الاستعماري. مطبقا ذلك علي وضع بلاده، معززا أقواله بالأرقام والأسماء لكل ما حصل من استغلال ونهب لبلاده. معارضا ما أورده قادة الاستعمار انفسهم كأدلة علي ازدهار الحالة تحت الحماية. ونحن لا ننكر هذه الأعمال - وخاصة هي جميلة بالفعل - ولكننا نريد ان نوضح انها لم تنشأ إلا لتضخيم أرصدة بعض المستثمرين والمؤسسات الأجنبية. واذا صادف ان بعض المراكشيين يستفيد من هذه الانشاءات فليس ذلك إلا محض المصادفة . وواصل: ان قادة الاستعمار، الذين يهملون ذكر هذه الحقائق، لا يجسرون علي القول إن مراكش قادرة، لو ظلت مستقلة، علي تحقيق هذه الأعمال وغيرها كما فعلت اليابان مثلا. أنهم يتجاهلون ان مراكش الحرة قد بدأت فعلا منذ نهاية القرن التاسع عشر تسير في طريق التقدم والتجدد. وانتقل الي محاججة قادة الاستعمار واخفائهم الحقيقة التي تدينهم، لأن مراكش ظلت بعد اربعين سنة من الحماية تفتقر الي صناعة وطنية كما تحولت اقتصادياتها - الحرة سابقا - الي مجرد تابع للاقتصاديات الفرنسية.
كما شرح بتفصيل كيف مارس المستعمرون أساليب نهبهم وتدمير ثروات البلاد وشؤون العباد، وفند مزاعمهم بالأرقام والوقائع والشهادات الدامغة التي يتحاشونها في خطبهم الرسمية، وهم يصرخون بأعلي أصواتهم بأن مهمة فرنسا في مراكش هي طرد شبح الجوع والقضاء علي الفقر والبؤس وإدخال الوسائل الصحية ونشر نور العلم والثقافة، بينما الوقائع خلاف كل ذلك بسبب سياساتهم الاستعمارية المعروفة.
انتقل الي توضيح ما لحق ببلاده من الاحتلال، حيث كانت حتي عام 1912 دولة مستقلة، لها شخصيتها المميزة، ولكي يخسر الشعب المراكشي ذلك عملت الحماية بعدئذ علي تصفية مؤسساته الخاصة. فالغت مظاهر سيادته: الجيش الوطني والتمثيل الدبلوماسي، ووزارتي الداخلية والمالية، حاصرة جميع السلطات في يد المقيم العام ومحولة مساعديه من المراقبين ورؤساء المصالح المحلية، الي ملوك صغار ذوي سلطات غير محدودة، وبقي السلطان والوزراء والباشوات والقواد كممثلين ثانويين. أما بشأن الحريات العامة فالمستعمرون دائما يمسخونها ويعتدون عليها رغم كل ادعاءاتهم بها وبدستورهم او توقيعهم علي مواثيقها الدولية. وبالمقابل يعلنون احتقارهم لارادات الشعب وقواه الوطنية والرأي العام حتي ببلادهم ويعملون ما بوسعهم علي إسكاته واذا فشلوا يتعمدون القسوة والوحشية. وفسر الكاتب ذلك في المذابح التي ارتكبها المستعمرون خلال سنوات احتلالهم، والعنف الذي يتمسكون به كخشبة النجاة لهم.
اختتم بحثه بتبيان أسباب مقاومة الشعب للحماية كما سماها، او ترجمت له، موضحا بأن الشعب يساير تطور التاريخ، وان الاستقلال أمل الحاضر وحقيقة الغد. وان من الاسباب الأخري إقدام المستعمرين علي منح قسم من الاراضي الي اسبانيا وإعطاء امريكا حق انشاء قواعد عسكرية علي الاراضي المراكشية، وان الشعوب في عصرنا تناضل لا في سبيل استبدال نير بنير لكن لتتحرر نهائيا، من صورة الاستعمار وأعوانه وأصدقائه من حملة الارساليات الدينية والإقطاع وأصحاب المصالح الخاصة التي يخونون بها مصالح الأمة. ونصح الفرنسيين الذين يتهمون الوطنيين المراكشيين بالتعصب أن يتذكروا احتلال فرنسا خلال سنوات 1940 -1944 وجرائم النازيين. وليتذكروا نضال الفرنسيين وتضحياتهم في سبيل شرف الأمة.. هل يمكنهم إلا ان ينحنوا أمام عظمة هؤلاء المناضلين!. وكذلك الحال في مراكش، ان الوطنيين يعرفون كيف يفضلون الموت علي الاستعباد. انهم يموتون اليوم، كما ماتوا بالأمس، في سبيل تحرير بلادهم.
خاتمة بارزة لهذا الكتاب، ولهذه الصور من الاستعمار، قبل نصف قرن كتبت، ويبدو أنها ما زالت اليوم في عالمنا العربي علي الأقل.