السبت 28/7/2007
بين فترة واخري تنشر وسائل الاعلام اخبارا عن احتجاجات او اضراب لعمال نفط العراق، خصوصا في مواقع النفط المنتشرة في ارض الرافدين الغنية بهذه النعمة والنقمة بكل معني الكلمة علي الشعب العراقي. وليس اخرها تظاهرات يوم 16 يوليو 2007، التي رفع العمال فيها شعارات واضحة طالبت بوضع قانون نفط وطني يحافظ علي مصالح العراق، بالاضافة الي مطالب عمالية مهنية بحتة. وقد تواصلت مثل هذه الاخبار، في الواقع، علي امتداد تاريخ اكتشاف النفط ومشاريع اتفاقيات الاستيلاء عليه واستغلاله واضطهاد عماله. حيث انطلقت شرارة الاضرابات عام 1918 في البصرة عاكسة وعي العمال والحركة الوطنية حينها ومبينة ان امامهما مهمات عديدة، ما زالت تتجدد وتتطور، حيث تتواصل عمليات النهب والاستغلال والاستعمار. وكان اكبر نضال عمالي، اعلنه عمال النفط يوم 3 يوليو 1946 في شركة نفط العراق بكركوك، استمر 13 يوما، اضرب فيه 5000 عامل نفط، ردا علي عدم الاستجابة لمطالبهم في زيادة الاجور الاصلية ودفع بدل السكن للعمال الذين لم يحصلوا علي سكن من الشركة واجازة نقابتهم والاهتمام بصحة العمال وتحسين ظروف عملهم. اي ان العمال مارسوا حقهم في المطالبة بتحسين اوضاعهم المهنية والانسانية، فكيف سيكون موقفهم من قانون يقرر مستقبلهم؟. وكان هذا الاضراب متميزا بسعة التظاهرات في الشوارع والاجتماعات اليومية في المقاهي، ثم انتقل مقره الي ساحة بستان كاور باغي الواقعة غرب مدينة كركوك. وكان العمال وجماهير شعبية اخري في كركوك تحضر الاجتماعات وتشارك في الخطب السياسية والقصائد الشعرية التي تقرأ بمختلف لغات القوميات القاطنة بالمنطقة. وانتخب العمال ممثلين لهم في لجنة قيادية عليا ولجان تابعة لها، للمفاوضات، وللحراسة، وللتوجيه والنشر، وجمع التبرعات. واستطاعت وحدة العمال عزل الشركة وايقاف نشاطها المعادي للاضراب. وكعادتها في قمع العمال ورفض طلباتهم، ارسلت فرق الشرطة لمواجهة المضربين بالرصاص، بدعوي ايقاف الاضراب وانهاء نضالات العمال، موقعة مجزرة مروعة في اليوم الثامن، استشهد فيها عشرة عمال وجرح سبعة وعشرون، بينما ذكرت تقارير الشرطة مقتل خمسة وجرح اربعة عشر عاملا. (تكذب حتي في اعداد الضحايا في كل زمان ومكان). وتحول هذا الاضراب العمالي الي معلم بارز في نضالات عمال النفط والحركة العمالية العراقية، لما تلاه وما حققته دماء العمال وتضحياتهم، وحافز اخر لبلورة الوعي الطبقي والوطني وتصعيد المطالب والمهمات الوطنية.
الان مع الحديث عن الاحتلال واسبابه الاستراتيجية وجوهرها النفط والغاز العراقي، ولاسيما الاحتياطات التي تقدر بكميات هائلة تغطي الحاجة اليه عقودا اخري قادمة، يسيل لها لعاب الشركات الاحتكارية ورؤسائها وحكومات دولها، تطرح مخططات الاحتلال والشركات المتنفذة فيه تنوعات في اساليبها لنهب هذه الثروات الكبيرة، تاريخيا وراهنا، كاشفة طبيعة الاستعمار وحقيقته المعروفة، بحثا عن سبل السيطرة المباشرة عبر شراء الذمم واصدار قوانين رسمية وتمريرها شكليا لتضعها امام العالم باشكال عرفت بها من اعلانات قانونية شرعية واشباهها. ففي الوقت الذي تهيمن قوات الاحتلال علي كل ما يتعلق بالنفط العراقي، من حماية وزارة النفط ومؤسساتها من دون غيرها من دوائر رسمية عراقية ومؤسسات ليست اقل شانا منها، مثل المتاحف والمكتبات ودور العبادة والاضرحة المقدسة والمدارس والمعاهد والاسواق الشعبية وغيرها، واهمها طبعا حياة الناس الابرياء الامنين، الذين يتعرضون طيلة ايام الاحتلال الي اشد الانتهاكات واصعب الارتكابات التي لا تتوازي مع ما تتحدث عنه قوات الاحتلال وادارتها في البيت الابيض عن الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وامثالها، تصر ادارة الاحتلال علي اصدار قانون جديد للنفط والغاز، ابسط وصف له انه مجحف بحق الشعب العراقي، حسب وسائل اعلام غربية، كصحيفة الاندبندنت البريطانية مثالا، او قانون سرقة ثروات العراق، او نهب رسمي مشرع للشركات الامريكية. او كما نبه بيل ديلاهونت، النائب الامريكي الديمقراطي، من الطريقة التي يتعامل بها البيت الأبيض مع الثروة النفطية العراقية، ومن عواقب القانون الذي تحاول واشنطن فرضه، مشدداً علي أن "إقرار قانون نفط عراقي أمر يعود إلي الشعب والحكومة العراقيين، وليس لنا الحق في التأثير عليه". وفي كل الاحوال تجهز الشركات الامريكية نفسها للهيمنة الكاملة علي النفط العراقي والمنطقة برمتها لحسابات ومخططات الهيمنة الامبراطورية الصهيو امريكية للقرن الحالي، وهو السبب الاستراتيجي المخفي للاحتلال وثمنه الذي يسعي اليه من خطط للغزو وفكر بتنفيذه، مع خدمته للاهداف الاخري غير المعلنة رسميا. وقبل ذلك تمارس الشركات او من يقوم بمقامها مهماتها في تركيع عمال النفط واذلالهم واستغلالهم بشتي الطرق والاجراءات، بما فيها الحرمان من حقوقهم السياسية والنقابية والاجتماعية، رغم معرفتها بالقوانين الدولية والتشريعات الوطنية والحقوق المعترف بها دستوريا وتشريعيا وانسانيا.
في ندوات ومقابلات في لندن ذكر النقابي حسن جمعة الاسدي، رئيس اتحاد نقابات عمال النفط، ان هذا القانون وصل النقابة كمسودة كتبها ثلاثة خبراء نفط عراقيين، هم فاروق القاسم وطارق شفيق وثامر غضبان، وقدمت النقابة ملاحظات عليها واعيدت الي حكومة بغداد، لترسلها بنسخة اخري تبرأ منها من كتب المسودة الاصل علنا، وعلي ضوء النسخة الثانية اقام الاتحاد ندوة عارضت الخصخصة وسياسات الاحتلال في فرض قانون يلبي مصالحه، واعلن مؤخرا عن موافقة الحكومة وارساله كقانون الي البرلمان للتصديق عليه. (هل هناك حكومة وبرلمان تتطابق مع اسمائها بالعراق في ظل الاحتلال الصهيو امريكي؟). واختصر الاسدي معارضة اتحاد نقابات عمال النفط للقانون لانه لا يخدم مصلحة الشعب العراقي، و تركزت ملاحظاته علي "عقود المشاركة في الانتاج واسلوب اعادة تأسيس شركة النفط الوطنية والملاحق الأربعة، فضلاً عن طريقة تخصيص الموارد النفطية للأقاليم والمحافظات".
يضم الاتحاد 26 ألف عضو عامل، استشعر المخاطر التي ستصيب القطاع النفطي منذ غزو العراق في 2003، ويعمل علي توحيد او تنسيق جهود ونضالات كل العمال في قطاع النفط العراقي وغيره من القطاعات العمالية المتصدرة للدفاع عن مصالحها المهنية والوطنية، مستمدة من التراث الوطني لها نبراسا لنضالاتها الراهنة. وتشكل الاتحاد وناضل ضد الممارسات المجحفة للشركات وقوات الاحتلال وليس اخرها القانون المنسوخ الذي يكرس ابتعادا اوسع عن المصالح الوطنية وخدمة اكبر للمصالح الأمريكية.
عمال نفط العراق رفضوا هذا القانون، مؤكدين علي ضرورة اصدار قوانين تعبر عن مصالح الشعب والوطن، فالنفط ثروة وطنية استراتيجية وليست عقود انتاج او ادارة او استكشاف فقط. فهل يسجل التاريخ صفحة اخري من نضالات العمال في هذه المعركة المفتوحة بعد اكثر من نصف قرن علي ماثرة كاورباغي؟.
بين فترة واخري تنشر وسائل الاعلام اخبارا عن احتجاجات او اضراب لعمال نفط العراق، خصوصا في مواقع النفط المنتشرة في ارض الرافدين الغنية بهذه النعمة والنقمة بكل معني الكلمة علي الشعب العراقي. وليس اخرها تظاهرات يوم 16 يوليو 2007، التي رفع العمال فيها شعارات واضحة طالبت بوضع قانون نفط وطني يحافظ علي مصالح العراق، بالاضافة الي مطالب عمالية مهنية بحتة. وقد تواصلت مثل هذه الاخبار، في الواقع، علي امتداد تاريخ اكتشاف النفط ومشاريع اتفاقيات الاستيلاء عليه واستغلاله واضطهاد عماله. حيث انطلقت شرارة الاضرابات عام 1918 في البصرة عاكسة وعي العمال والحركة الوطنية حينها ومبينة ان امامهما مهمات عديدة، ما زالت تتجدد وتتطور، حيث تتواصل عمليات النهب والاستغلال والاستعمار. وكان اكبر نضال عمالي، اعلنه عمال النفط يوم 3 يوليو 1946 في شركة نفط العراق بكركوك، استمر 13 يوما، اضرب فيه 5000 عامل نفط، ردا علي عدم الاستجابة لمطالبهم في زيادة الاجور الاصلية ودفع بدل السكن للعمال الذين لم يحصلوا علي سكن من الشركة واجازة نقابتهم والاهتمام بصحة العمال وتحسين ظروف عملهم. اي ان العمال مارسوا حقهم في المطالبة بتحسين اوضاعهم المهنية والانسانية، فكيف سيكون موقفهم من قانون يقرر مستقبلهم؟. وكان هذا الاضراب متميزا بسعة التظاهرات في الشوارع والاجتماعات اليومية في المقاهي، ثم انتقل مقره الي ساحة بستان كاور باغي الواقعة غرب مدينة كركوك. وكان العمال وجماهير شعبية اخري في كركوك تحضر الاجتماعات وتشارك في الخطب السياسية والقصائد الشعرية التي تقرأ بمختلف لغات القوميات القاطنة بالمنطقة. وانتخب العمال ممثلين لهم في لجنة قيادية عليا ولجان تابعة لها، للمفاوضات، وللحراسة، وللتوجيه والنشر، وجمع التبرعات. واستطاعت وحدة العمال عزل الشركة وايقاف نشاطها المعادي للاضراب. وكعادتها في قمع العمال ورفض طلباتهم، ارسلت فرق الشرطة لمواجهة المضربين بالرصاص، بدعوي ايقاف الاضراب وانهاء نضالات العمال، موقعة مجزرة مروعة في اليوم الثامن، استشهد فيها عشرة عمال وجرح سبعة وعشرون، بينما ذكرت تقارير الشرطة مقتل خمسة وجرح اربعة عشر عاملا. (تكذب حتي في اعداد الضحايا في كل زمان ومكان). وتحول هذا الاضراب العمالي الي معلم بارز في نضالات عمال النفط والحركة العمالية العراقية، لما تلاه وما حققته دماء العمال وتضحياتهم، وحافز اخر لبلورة الوعي الطبقي والوطني وتصعيد المطالب والمهمات الوطنية.
الان مع الحديث عن الاحتلال واسبابه الاستراتيجية وجوهرها النفط والغاز العراقي، ولاسيما الاحتياطات التي تقدر بكميات هائلة تغطي الحاجة اليه عقودا اخري قادمة، يسيل لها لعاب الشركات الاحتكارية ورؤسائها وحكومات دولها، تطرح مخططات الاحتلال والشركات المتنفذة فيه تنوعات في اساليبها لنهب هذه الثروات الكبيرة، تاريخيا وراهنا، كاشفة طبيعة الاستعمار وحقيقته المعروفة، بحثا عن سبل السيطرة المباشرة عبر شراء الذمم واصدار قوانين رسمية وتمريرها شكليا لتضعها امام العالم باشكال عرفت بها من اعلانات قانونية شرعية واشباهها. ففي الوقت الذي تهيمن قوات الاحتلال علي كل ما يتعلق بالنفط العراقي، من حماية وزارة النفط ومؤسساتها من دون غيرها من دوائر رسمية عراقية ومؤسسات ليست اقل شانا منها، مثل المتاحف والمكتبات ودور العبادة والاضرحة المقدسة والمدارس والمعاهد والاسواق الشعبية وغيرها، واهمها طبعا حياة الناس الابرياء الامنين، الذين يتعرضون طيلة ايام الاحتلال الي اشد الانتهاكات واصعب الارتكابات التي لا تتوازي مع ما تتحدث عنه قوات الاحتلال وادارتها في البيت الابيض عن الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وامثالها، تصر ادارة الاحتلال علي اصدار قانون جديد للنفط والغاز، ابسط وصف له انه مجحف بحق الشعب العراقي، حسب وسائل اعلام غربية، كصحيفة الاندبندنت البريطانية مثالا، او قانون سرقة ثروات العراق، او نهب رسمي مشرع للشركات الامريكية. او كما نبه بيل ديلاهونت، النائب الامريكي الديمقراطي، من الطريقة التي يتعامل بها البيت الأبيض مع الثروة النفطية العراقية، ومن عواقب القانون الذي تحاول واشنطن فرضه، مشدداً علي أن "إقرار قانون نفط عراقي أمر يعود إلي الشعب والحكومة العراقيين، وليس لنا الحق في التأثير عليه". وفي كل الاحوال تجهز الشركات الامريكية نفسها للهيمنة الكاملة علي النفط العراقي والمنطقة برمتها لحسابات ومخططات الهيمنة الامبراطورية الصهيو امريكية للقرن الحالي، وهو السبب الاستراتيجي المخفي للاحتلال وثمنه الذي يسعي اليه من خطط للغزو وفكر بتنفيذه، مع خدمته للاهداف الاخري غير المعلنة رسميا. وقبل ذلك تمارس الشركات او من يقوم بمقامها مهماتها في تركيع عمال النفط واذلالهم واستغلالهم بشتي الطرق والاجراءات، بما فيها الحرمان من حقوقهم السياسية والنقابية والاجتماعية، رغم معرفتها بالقوانين الدولية والتشريعات الوطنية والحقوق المعترف بها دستوريا وتشريعيا وانسانيا.
في ندوات ومقابلات في لندن ذكر النقابي حسن جمعة الاسدي، رئيس اتحاد نقابات عمال النفط، ان هذا القانون وصل النقابة كمسودة كتبها ثلاثة خبراء نفط عراقيين، هم فاروق القاسم وطارق شفيق وثامر غضبان، وقدمت النقابة ملاحظات عليها واعيدت الي حكومة بغداد، لترسلها بنسخة اخري تبرأ منها من كتب المسودة الاصل علنا، وعلي ضوء النسخة الثانية اقام الاتحاد ندوة عارضت الخصخصة وسياسات الاحتلال في فرض قانون يلبي مصالحه، واعلن مؤخرا عن موافقة الحكومة وارساله كقانون الي البرلمان للتصديق عليه. (هل هناك حكومة وبرلمان تتطابق مع اسمائها بالعراق في ظل الاحتلال الصهيو امريكي؟). واختصر الاسدي معارضة اتحاد نقابات عمال النفط للقانون لانه لا يخدم مصلحة الشعب العراقي، و تركزت ملاحظاته علي "عقود المشاركة في الانتاج واسلوب اعادة تأسيس شركة النفط الوطنية والملاحق الأربعة، فضلاً عن طريقة تخصيص الموارد النفطية للأقاليم والمحافظات".
يضم الاتحاد 26 ألف عضو عامل، استشعر المخاطر التي ستصيب القطاع النفطي منذ غزو العراق في 2003، ويعمل علي توحيد او تنسيق جهود ونضالات كل العمال في قطاع النفط العراقي وغيره من القطاعات العمالية المتصدرة للدفاع عن مصالحها المهنية والوطنية، مستمدة من التراث الوطني لها نبراسا لنضالاتها الراهنة. وتشكل الاتحاد وناضل ضد الممارسات المجحفة للشركات وقوات الاحتلال وليس اخرها القانون المنسوخ الذي يكرس ابتعادا اوسع عن المصالح الوطنية وخدمة اكبر للمصالح الأمريكية.
عمال نفط العراق رفضوا هذا القانون، مؤكدين علي ضرورة اصدار قوانين تعبر عن مصالح الشعب والوطن، فالنفط ثروة وطنية استراتيجية وليست عقود انتاج او ادارة او استكشاف فقط. فهل يسجل التاريخ صفحة اخري من نضالات العمال في هذه المعركة المفتوحة بعد اكثر من نصف قرن علي ماثرة كاورباغي؟.