السبت11/8/2007
لافت هذا العنوان اليوم، أليس كذلك؟ اما اذا كان اسم كتاب صدر قبل اكثر من نصف قرن من الزمان، واحتوي علي ترجمة ابحاث لثلاثة كتاب سياسيين، عاشوا كارثة الاستعمار في بلدانهم، فلا يخفف من الدهشة كثيرا، حيث يبقي الموضوع مثيرا ايضا، وقد يكون اكثر انتباها للمقارنة اولا وللمعرفة عن حقيقة الاستعمار ثانيا، قديمه وحديثه، سابقا والان، وحيثما حل وتغير اسمه وفرسانه واعوانه. وثالثا حيث يبدو ان صور الاستعمار التي بُذلت دماء زكية من اجل التخلص منها والتحرر من كوابيسها ما برحت مستعادة باشكال اخري، وهذا ما حذر كثيرون من الوطنيين الخلص في هذه الامة من اعادة انتاج هذه الصور باساليب او طرق جديدة اذا لم تتمكن القوي الوطنية الصادقة والمخلصة من ادارة دولها بعد التحرر من الاستعمار بتوجهات تقدمية وعقول تحررية وطاقات نذرت نفسها لاوطانها واجيالها وتاريخها...
كتب المترجمان مروان الجابري وياسر الهواري انهما نقلا الكتاب الي العربية، ونشرته دار الحرية بالقاهرة ووزعته الشركة العربية، وسجلا علي غلافه ومن نصوصه ما يلي: "هذه صور معبرة واضحة للاستعمار في شتي الوانه ومختلف مراحله، صور للاستعمار كنظام استغلال جبري للجماهير الانسانية، كعملية اغتصاب هائلة لابادة شعوب باسرها بالارهاب والنهب والتقتيل والافقار. هذا هو الاستعمار .. نظام حكم عليه التاريخ بالموت.. ومع ذلك فانه يرفض ان يموت.. انه يتفنن بتجديد اشكاله ليواصل بقاءه، ولكن مهما تقنع فانه يبقي واضح المعالم. ومهما بلغت فنونه من التجديد فان ايامه قد ولت، لقد نخرته السوسة ولن يقوي علي الصمود ومقاومة الانهيار، وهذا التكالب الذي يظهره ما هو الا دليل لوهن يعتري اوصاله. انه كتاب اليوم... لقد اشترك في كتابة فصوله كرشنا مينون، مندوب الهند الدائم في هيئة الامم، وعلي ياطا، (الصحيح يعته) سكرتير الحزب الوطني المراكشي، وايميه سيزار، الكاتب الفرنسي المعروف (هكذا نصا) وهم من ابرز من تفهم وكتب عن الاستعمار بعد ان عاشوا في اجوائه واحسوا وطأته".
والفارق الاخر هو في عناوين المقالات، فهي: الاستعمار لم يمت ابدا بقلم ايميه سيزار، واخر بقايا الاستعمار في اسيا بقلم كرشنا مينون والمثل المراكشي بقلم علي ياطا. وهذا اللافت في العناوين يتطلب قراءة بامعان، وبالتالي ياخذ مساحة كبيرة، لابد من اختصارها، ورغم ذلك استميح القراء عذرا للاطالة والتقسيم في هذه المقالات، لما اراه من اهمية تاريخية وراهنية معا لما سنقرأه سوية في هذه الفقرات، ولربط ما كتب قبل نصف قرن بما نعيشه الان، بعد كل تلك العقود والاحداث والتطورات والانعطافات التاريخية والسياسية والفكرية.
بدأ سيزار مقالته: في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي انعقد عام 1945، ترددت طوال المناقشات كلمة واحدة: لقد مات الاستعمار. وقد انقضت تسع سنوات علي ذلك الحين، فلنتصور الان، ماذا يمكن ان يحدث اليوم، بعد هذه السنوات التسع، لو انعقد في مدينة سان فرانسيسكو او في غيرها، مؤتمر مماثل. قطعا سوف ترتفع اصوات صادقة تعلن بصراحة: ان الاستعمار ابعد من ان يموت. انها حقيقة من كبريات حقائق ما بعد الحرب التي تسجل حقبة وعي الشعوب علي بقاء الاستعمار قيد الحياة.
وتساءل بعد اسطر: ما هو الاستعمار؟ ماهو تعريفه؟ او بمعني اخر، لكي نتحاشي تجريدية التعاريف، كيف نتعرف الي الاستعمار؟ وما هي خصائصه؟. ان اول فكرة يفرضها درس الواقع هي التالية: الاستعمار نظام استغلال جبري للجماهير الانسانية الغفيرة، اساسه الظلم، والظلم والطغيان هما عماد تمركزه. واني اعلم تماما، ان المحاولات قد بذلت لتمويه هذه الفكرة الاساسية وتحويرها. ونقل نصا من كتبه للاستعمار لم يتمكنوا من التهرب من معناه، ليؤكد: لقد قلت ان الاستعمار هو عملية اغتصاب، ولكن هذا لا يكفي، يجب ان اقول: عملية اغتصاب هائلة، عملية ابادة شعب باسره.
طرح امثلة واقوالا من كهنة الاستعمار وصحفه، واتفق مع القائلين بان ابادة الشعوب ودفعها الي الانقراض التدريجي هو منطق الاستعمار الطبيعي. وواصل: الامثلة الاولي للحرب الشاملة انما اعطانا اياها المستعمرون. فهنا لا توجد قواعد لجعل الحرب انسانية. ولا شرائع موضع احترام ولا اتفاقيات دولية، ولا اسلحة ممنوعة، ولا وسائل غير شريفة محرمة وانما توجد كلمة واحدة هي: القتل والابادة. ان الحرب الاستعمارية هي الحرب بوجهها العاري. ونقل نصوصا من رواد الاستعمار من القرن التاسع عشر وكيف صرحوا عن حروبهم او مجازرهم التي قاموا بها في حملاتهم الافريقية مثلا. مستنتجا بعدها مظهرا ثانيا لحقيقة هذا الاستعمار في القوة الغاشمة والطغيان والوحشية، لا يقل اهمية عنالاول، هو النهب والاسترقاق. ونشر ارقاما وحقائق عن "الفتوحات" الاستعمارية" ونتائجها العملية وانتهاك قوانينها التي وضعها المستعمرون وصادقت عليها جمعياتهم الوطنية، كما يسمونها. واستمر باستنتاجاته مقررا بان هذه الوقائع تظهر بوضوح الفكرة القائلة بان الاستعمار ينحط دائما حتي يصبح ارهابا مغلفا بنظام بوليسي شرس. كما انه يحمل ايضا "ما هو اشد من سياط المستغلين، انه يحمل مهانة للانسان وكراهية، بالاختصار انه يحمل اشد انواع العرقية". وبلغة الايام الحاضرة الاستعمار هو الاستغلال والنهب والتحكم بالمصائر والثروات للشعوب المستعمرة وانتهاك حقوق الانسان والتمييز العنصري والاثني والديني وكل ما في خدمة مصالحه الانانية والوحشية في ان واحد.
وبشأن دعاوي او نظريات المستعمرين، الفاتحين القادمين من وراء المحيطات للاعمار وبناء حضارات جديدة في حملات عسكرية واسلحة فتاكة بمختلف عصورها وازمانها، ناقش الكاتب ما كتبه سدنتها، مذكرا بان هكذا نظريات لا تثبت امام الفحص، لان الشعوب، من اية جهة اخذت الامور، لم تكن المستفيدة من النظام الجديد المفروض عليها من قبل قوي الفاتحين، رغم كل ما قامت به من تغييرات او "ترقيعات" بمسميات الاعمار والاصلاح والتحضر او التمدن وامثالها. مختتما هذه الفقرة بان الحقيقة التي يؤيدها التاريخ، هي هذه: ان الاستعمار هدم حضارات عظيمة، عن بكرة ابيها، حضارات الانكاس والمايا والازتكين. ان الاستعمار اطاح بحضارات لا يمكن لاحد ان يقدر مبلغ المساعدة التي كانت ستقدمها للانسانية. اننا نعلم مقدار الثروات والاموال التي جاء بها الاستعمار الي اوروبا، ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل مقدار الخسارة التي لحقت بالانسانية من جراء تلاشي تلك الحضارات..
هذا ما انتهي اليه سيزار بعد معايشته التجربة، وبرغم قدم النص وما لحق الترجمة من تباينات الزمن ايضا، تظل كلماته تعبيرا واضحا وادانة صريحة لكل استعمار، بكل اساليبه ومسمياته ونظرياته.
لافت هذا العنوان اليوم، أليس كذلك؟ اما اذا كان اسم كتاب صدر قبل اكثر من نصف قرن من الزمان، واحتوي علي ترجمة ابحاث لثلاثة كتاب سياسيين، عاشوا كارثة الاستعمار في بلدانهم، فلا يخفف من الدهشة كثيرا، حيث يبقي الموضوع مثيرا ايضا، وقد يكون اكثر انتباها للمقارنة اولا وللمعرفة عن حقيقة الاستعمار ثانيا، قديمه وحديثه، سابقا والان، وحيثما حل وتغير اسمه وفرسانه واعوانه. وثالثا حيث يبدو ان صور الاستعمار التي بُذلت دماء زكية من اجل التخلص منها والتحرر من كوابيسها ما برحت مستعادة باشكال اخري، وهذا ما حذر كثيرون من الوطنيين الخلص في هذه الامة من اعادة انتاج هذه الصور باساليب او طرق جديدة اذا لم تتمكن القوي الوطنية الصادقة والمخلصة من ادارة دولها بعد التحرر من الاستعمار بتوجهات تقدمية وعقول تحررية وطاقات نذرت نفسها لاوطانها واجيالها وتاريخها...
كتب المترجمان مروان الجابري وياسر الهواري انهما نقلا الكتاب الي العربية، ونشرته دار الحرية بالقاهرة ووزعته الشركة العربية، وسجلا علي غلافه ومن نصوصه ما يلي: "هذه صور معبرة واضحة للاستعمار في شتي الوانه ومختلف مراحله، صور للاستعمار كنظام استغلال جبري للجماهير الانسانية، كعملية اغتصاب هائلة لابادة شعوب باسرها بالارهاب والنهب والتقتيل والافقار. هذا هو الاستعمار .. نظام حكم عليه التاريخ بالموت.. ومع ذلك فانه يرفض ان يموت.. انه يتفنن بتجديد اشكاله ليواصل بقاءه، ولكن مهما تقنع فانه يبقي واضح المعالم. ومهما بلغت فنونه من التجديد فان ايامه قد ولت، لقد نخرته السوسة ولن يقوي علي الصمود ومقاومة الانهيار، وهذا التكالب الذي يظهره ما هو الا دليل لوهن يعتري اوصاله. انه كتاب اليوم... لقد اشترك في كتابة فصوله كرشنا مينون، مندوب الهند الدائم في هيئة الامم، وعلي ياطا، (الصحيح يعته) سكرتير الحزب الوطني المراكشي، وايميه سيزار، الكاتب الفرنسي المعروف (هكذا نصا) وهم من ابرز من تفهم وكتب عن الاستعمار بعد ان عاشوا في اجوائه واحسوا وطأته".
والفارق الاخر هو في عناوين المقالات، فهي: الاستعمار لم يمت ابدا بقلم ايميه سيزار، واخر بقايا الاستعمار في اسيا بقلم كرشنا مينون والمثل المراكشي بقلم علي ياطا. وهذا اللافت في العناوين يتطلب قراءة بامعان، وبالتالي ياخذ مساحة كبيرة، لابد من اختصارها، ورغم ذلك استميح القراء عذرا للاطالة والتقسيم في هذه المقالات، لما اراه من اهمية تاريخية وراهنية معا لما سنقرأه سوية في هذه الفقرات، ولربط ما كتب قبل نصف قرن بما نعيشه الان، بعد كل تلك العقود والاحداث والتطورات والانعطافات التاريخية والسياسية والفكرية.
بدأ سيزار مقالته: في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي انعقد عام 1945، ترددت طوال المناقشات كلمة واحدة: لقد مات الاستعمار. وقد انقضت تسع سنوات علي ذلك الحين، فلنتصور الان، ماذا يمكن ان يحدث اليوم، بعد هذه السنوات التسع، لو انعقد في مدينة سان فرانسيسكو او في غيرها، مؤتمر مماثل. قطعا سوف ترتفع اصوات صادقة تعلن بصراحة: ان الاستعمار ابعد من ان يموت. انها حقيقة من كبريات حقائق ما بعد الحرب التي تسجل حقبة وعي الشعوب علي بقاء الاستعمار قيد الحياة.
وتساءل بعد اسطر: ما هو الاستعمار؟ ماهو تعريفه؟ او بمعني اخر، لكي نتحاشي تجريدية التعاريف، كيف نتعرف الي الاستعمار؟ وما هي خصائصه؟. ان اول فكرة يفرضها درس الواقع هي التالية: الاستعمار نظام استغلال جبري للجماهير الانسانية الغفيرة، اساسه الظلم، والظلم والطغيان هما عماد تمركزه. واني اعلم تماما، ان المحاولات قد بذلت لتمويه هذه الفكرة الاساسية وتحويرها. ونقل نصا من كتبه للاستعمار لم يتمكنوا من التهرب من معناه، ليؤكد: لقد قلت ان الاستعمار هو عملية اغتصاب، ولكن هذا لا يكفي، يجب ان اقول: عملية اغتصاب هائلة، عملية ابادة شعب باسره.
طرح امثلة واقوالا من كهنة الاستعمار وصحفه، واتفق مع القائلين بان ابادة الشعوب ودفعها الي الانقراض التدريجي هو منطق الاستعمار الطبيعي. وواصل: الامثلة الاولي للحرب الشاملة انما اعطانا اياها المستعمرون. فهنا لا توجد قواعد لجعل الحرب انسانية. ولا شرائع موضع احترام ولا اتفاقيات دولية، ولا اسلحة ممنوعة، ولا وسائل غير شريفة محرمة وانما توجد كلمة واحدة هي: القتل والابادة. ان الحرب الاستعمارية هي الحرب بوجهها العاري. ونقل نصوصا من رواد الاستعمار من القرن التاسع عشر وكيف صرحوا عن حروبهم او مجازرهم التي قاموا بها في حملاتهم الافريقية مثلا. مستنتجا بعدها مظهرا ثانيا لحقيقة هذا الاستعمار في القوة الغاشمة والطغيان والوحشية، لا يقل اهمية عنالاول، هو النهب والاسترقاق. ونشر ارقاما وحقائق عن "الفتوحات" الاستعمارية" ونتائجها العملية وانتهاك قوانينها التي وضعها المستعمرون وصادقت عليها جمعياتهم الوطنية، كما يسمونها. واستمر باستنتاجاته مقررا بان هذه الوقائع تظهر بوضوح الفكرة القائلة بان الاستعمار ينحط دائما حتي يصبح ارهابا مغلفا بنظام بوليسي شرس. كما انه يحمل ايضا "ما هو اشد من سياط المستغلين، انه يحمل مهانة للانسان وكراهية، بالاختصار انه يحمل اشد انواع العرقية". وبلغة الايام الحاضرة الاستعمار هو الاستغلال والنهب والتحكم بالمصائر والثروات للشعوب المستعمرة وانتهاك حقوق الانسان والتمييز العنصري والاثني والديني وكل ما في خدمة مصالحه الانانية والوحشية في ان واحد.
وبشأن دعاوي او نظريات المستعمرين، الفاتحين القادمين من وراء المحيطات للاعمار وبناء حضارات جديدة في حملات عسكرية واسلحة فتاكة بمختلف عصورها وازمانها، ناقش الكاتب ما كتبه سدنتها، مذكرا بان هكذا نظريات لا تثبت امام الفحص، لان الشعوب، من اية جهة اخذت الامور، لم تكن المستفيدة من النظام الجديد المفروض عليها من قبل قوي الفاتحين، رغم كل ما قامت به من تغييرات او "ترقيعات" بمسميات الاعمار والاصلاح والتحضر او التمدن وامثالها. مختتما هذه الفقرة بان الحقيقة التي يؤيدها التاريخ، هي هذه: ان الاستعمار هدم حضارات عظيمة، عن بكرة ابيها، حضارات الانكاس والمايا والازتكين. ان الاستعمار اطاح بحضارات لا يمكن لاحد ان يقدر مبلغ المساعدة التي كانت ستقدمها للانسانية. اننا نعلم مقدار الثروات والاموال التي جاء بها الاستعمار الي اوروبا، ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل مقدار الخسارة التي لحقت بالانسانية من جراء تلاشي تلك الحضارات..
هذا ما انتهي اليه سيزار بعد معايشته التجربة، وبرغم قدم النص وما لحق الترجمة من تباينات الزمن ايضا، تظل كلماته تعبيرا واضحا وادانة صريحة لكل استعمار، بكل اساليبه ومسمياته ونظرياته.