الجمعة، 29 يونيو 2007

العرب والمحكمة الجنائية الدولية

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت6/8/2005
نظر الكثير من العرب إلي المحكمة الجنائية الدولية بتقدير واهتمام كبيرين لتطلعهم بأن تقوم من اجل العدالة الدولية ودعم الحقوق الإنسانية المشروعة لهم، خاصة تلك التي انتهكها المهيمنون علي القرار الدولي وعصاباتهم المستشرسة في الإمبراطورية الجديدة. وقد شارك معظم البلدان العربية في التوقيع علي معاهدة قانونها الأساسي، وأصبحت لها شخصية قانونية دولية رسمية وشعبية بهم وبغيرهم، وقد تكون قادرة علي مساعدتهم فيما إذا استطاعوا أن يدخلوا التاريخ معها ويسجلوا بها ولها شهادة جديدة بعد كل ذلك الانتظار لمؤسسة دولية، هي أول محكمة دائمة تتمتع بصلاحيات دولية ملزمة، ولديها قدرة علي الحيلولة دون ظهور مجازر جديدة ومذابح بشرية، من امثال دير ياسين وقانا وجنين والفلوجة والنجف والصدر والقائم ومصنع الشفاء ومواقع أخري، أو حكام طغاة وقتلة من طراز بول بوت، وبينوشيه واشباههم في العالم العربي.
أعلن عن قانون روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية في روما في 17 يوليو 1998 بعد جهود مضنية وصراعات دبلوماسية، ودخل مجال التنفيذ في 1 يوليو 2002 وبدأت المحكمة عملها في العام 2003 . وعرف من الدول التي لم تصادق عليه أو انسحبت منه مدي ما كسبته العدالة الدولية منه وجوهر ما يتعارض مع سياسات تلك الدول، واستراتيجيتها العدوانية، ومعظمها قام وتأسس ويعمل إلي الآن علي انتهاك حقوق الإنسان والإبادة الجماعية واقتراف جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي الموضوعات الأساسية التي قامت عليها المحكمة الدولية وما ستقوم عليه مستقبلا، وفق ما نص قانون روما الأساسي عليه في إعلانها وأهدافه منها.
ورحب العديد من الحكومات والخبراء القانونيين ومؤسسات من المجتمع المدني بالقانون الأساس للمحكمة بوصفه التطور الأكثر أهمية في القانون الدولي منذ اعتماد ميثاق الأمم المتحدة. وتتسم المحكمة بأهمية خاصة، حسب تقدير منظمة العفو الدولية التي تعتبرها نجاحا لنشاطاتها أيضا، ولأنها:
ستشكل رادعاً دائماً للأشخاص الذين يفكرون في ارتكاب هذه الجرائم. ولم توضع، طوال السنوات الخمسين الماضية، آليات دولية لمقاضاة الأشخاص المتهمين بارتكاب هذه الجرائم إلا بعد وقوعها.
ستتمتع بولاية قضائية أوسع بكثير من المحاكم القائمة حالياً والمخصصة لأغراض خاصة. فعلي سبيل المثال، اقتصر عمل المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغسلافيا السابقة ورواندا علي الجرائم المرتكبة علي أراضٍ معينة، بينما لم يتم التصدي للجرائم المرتكبة في أراضٍ أخري، اضافة الي صعوبات فنية ومالية.
ويتضمن القانون الأساسي نصوصاً متطورة لحماية الضحايا من الصدمات والآلام الجديدة، فضلاً عن نص يفيد بأنه يجوز للمحكمة إصدار أمر للشخص المدان بدفع تعويض في شكل تعويض مالي ورد حقوق وإعادة تأهيل وإرضاء وضمانات بعدم تكرار الجرم، وأي نوع آخر من أنواع التعويضات تعتبره المحكمة ضرورياً.
وتشجعت حكومات للتوقيع عليها، بلغت الآن حوالي 98 دولة، بعد أن كانت يوم إعلانها ولنصابها القانوني 60 دولة، وتأسس ائتلاف خاص من أكثر من 1000 منظمة غير حكومية لدعم المحكمة وتفعيل قراراتها وقواعد عملها. وترتبط المحكمة الجنائية الدولية بهيئة الأمم المتحدة في إطار تنظيم هذه العلاقة وفق المادة الثانية من نظامها. وتمارس المحكمة سلطتها القانونية وإجراءاتها علي جميع الشخوص المتهمين بارتكاب جرائم من اختصاصها، بحيث لا تمر جريمة دون عقاب، وتعمل علي شمول المسئولين عنها علي نحو فعال من خلال تدابير قانونية وإجراءات تتخذ علي الصعيد الوطني أولا، وتدعم عبر التعاون الدولي ومجلس الأمن الدولي. ومهما اعترض عليها أو علي بعض قوانينها من التباسات معينة حول مفهوم الإرهاب أو العدوان أو المصادقة علي قانونها الأساس فان مجرد إعلان وجودها وارتباطها بالأمم المتحدة مسالة مهمة للعدالة الدولية إذا ما قامت الأمم المتحدة هي الأخري بدورها في إسنادها ودعم إجراءاتها القانونية بصرف النظر عن الصفات الرسمية أو الهوية الوطنية للأشخاص المتهمين بأية جرائم من اختصاصها، أو تقادم تلك الجرائم.
وقد بدأت أول نشاطاتها رسميا وبطلب من مجلس الأمن الدولي، في قضية دارفور في السودان، وما حصل فيها خلال الأشهر الماضية. حيث صوت المجلس بأغلبية الأصوات في 31 مارس الماضي علي تحويل المسئولين المتهمين بارتكاب الفظائع للمحاكمة أمامها. وأصبحت باكورة أعمالها تتعلق بقضية عربية وفي بلد عربي، فهل سيستفيد من ذلك العرب وعدم ترك مثل هذه الفرصة أيضا؟. لاسيما وان الموقف الأمريكي من تمرير القرار عبر مجلس الأمن كان ملفتا للنظر لان الولايات المتحدة رفضت قيام المحكمة بواجباتها، وتطالب دول العالم بالتوقيع معها علي انفراد بعدم تطبيق إجراءاتها علي جنودها ومواطنيها، خاصة قواتها المسلحة المحتلة للعديد من الدول والتي فاحت فضائح ممارساتها في أركان المعمورة، من السجون إلي إبادة مدن كاملة، بسكانها وأشجارها وحيواناتها ومبانيها وكل ما هو متميز فيها. ومهما كان الموقف السوداني من هذا القرار فان الجرائم المرتكبة في منطقة دارفور ينبغي ألا تمر دون محاسبة المجرمين فيها ومحاكمة كل من اقترف أو شارك فيها بغض النظر عن وظيفته أو صفته أو موقعه، منطلقا في هذا الشان وجسرا إلي استخدام القضايا الأساسية المهمة عبر جلساتها وتطبيق قوانين محاكمها علي كل ما يتعلق باختصاصها في العالم العربي.
أهمية الموقف الأمريكي هنا بعد محاولات عرقلة عمل المحكمة وإبعادها عن هذه القضية، التي هي من اختصاص المحكمة، مركزية فيها لما سيتبعه قانونيا، فقد ادعت الولايات المتحدة حينها أنها ستلاحق الذين ارتكبوا الفظائع في دارفور، عبر محكمة خاصة في تنزانيا للتمويه علي هذا الموقف الأخير. لاسيما وان المحكمة الجنائية الدولية قد كسبت دعما واسع النطاق في أفريقيا، فهناك 27 دولة منها موقعة علي معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية. وأن هناك أربع دول أفريقية، دعت المحكمة بالفعل للتحقيق في الفظائع المرتكبة داخل حدودها وهي: أوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطي، وساحل العاج. وكل دولة تتطلع إلي مساعدة المحكمة في المجالات التي لم يستطع نظامها القضائي أداء المهمة الملقاة علي عاتقه. فإذا كانت الولايات المتحدة وغيرها قد رضخ أمام استمرار المحكمة في عملها في أول قضية عربية فلابد للعرب من استثمار هذه الفرصة والمطالبة بعرض قضاياهم الرئيسية أمام المحكمة ونيل حقوقهم المشروعة ومحاكمة المجرمين الذين يمارسون يوميا في العالم العربي جرائم اختصاص المحكمة الدولية، الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب اليومية في فلسطين والعراق والسودان ولبنان وكل منطقة عربية عاشت أو تعيش اليوم تحت سيف الإمبراطورية الجديد