الراية- د. كاظم الموسوي
السبت17/12/2005
لم تجد وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أمام الغضب العالمي إلا الاعتراف، والإيضاح الشفوي والرد الدبلوماسي الناعم لإقناع من حمل لها صورة ذلك الاحتجاج، خاصة الأوروبيين، وهي في زيارة تحسين صورة إدارتها وتطوير علاقات الطرفين علي ضفتي الأطلسي بعد حملات الضغوط وتهديدات رامسفيلد وديك تشيني. وتبين أنها أقنعت نظراءها الأوروبيين الذين التقتهم في زيارتها الأخيرة لهم، واجتماعها بهم ببروكسل كما نقلت وسائل الاعلام العالمية، التي فضحت في تقاريرها وافتتاحياتها تلك الأخبار المقلقة لها وللرأي العام العالمي وللصور التي نقلت تلفزيونيا عن الأماكن وعدد الرحلات التي قامت بها الطائرات المؤجرة من قبل الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والضحايا التي تم نقلها وتعذيبها. فلم يكن اعتراف الوزيرة بتلك الممارسات التي يمنعها القانون الأمريكي اعتذارا عن جريمة الانتهاك القانوني والأخلاقي والإنساني، بل محاولة التفاف وهروب من مواجهة مباشرة تتوسع دوائرها في العالم، وحتي في أروقة البيت الأمريكي مثلما يفعل الآن الاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية. ولكن هل يكفي كل ذلك وكيف تقنع الشعوب بالشعارات التي تدعيها الإدارة حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي مرت ذكري الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( صدر يوم 10/12/1948) في الفترة ذاتها التي تقوم رايس بتلطيف روائح تلك الفضيحة . لاسيما أن الوزيرة لم تنكر الجريمة ولم تؤكد ضمانات التحقق بها وتجاوزها أو تصحيحها، بل تذرعت مثل رئيسها بما تسميه الحملة الأمريكية علي الإرهاب وخوفها من ضرب مصالح بلادها في عقر دارها، وتبرير ما تقوم به أجهزة مخابراتها وخاصة السي آي أي لإبعاد الأخطار عن أراضي بلادها، بغض النظر عن الوسائل والسبل غير القانونية، التي باعتقادها وتخطيطهم أنها تخدم المهمة الأمريكية والاهداف الإمبراطورية.تؤكد تحقيقات أوروبية رسمية وإعلامية عالمية علي وجود تلك البقع السوداء في فضائح السياسة الأمريكية الجديدة التي تقوم بها إدارة بوش وأجهزتها، منذ أواسط التسعينات، وأنها تصاعدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأنها تخل بالقانون الدولي والإنساني والمشاعر الإنسانية والبشرية وتحيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تاريخا ماضيا تخرقه ممارساتها اليومية، ومهما حاولت من تغيير أسماء تلك الأفعال لن تغير من جوهرها المتعارف عليه والمعتبر بكل الأعراف والمعايير انتهاكا وخرقا واضحا ومعلوما ويحاسب عليه، حتي بالمنطق والقانون الأمريكي. فاستخدام التعذيب محرم دوليا وأمريكيا وتغيير اسمه إلي مسمي آخر كإجراءات تحقيق عبر سفرات سياحية في عواصم عالمية مختلفة واستبدال السجون الرسمية بأماكن بعيدة عن أنظار الناس ووسائل الاعلام ، بعيدة عن المدن، وكأنها منتجعات صيفية أو هي كذلك، كما نشر في صور لها، لا يبدل في طبيعتها اللاإنسانية ووحشية الممارسات التي تقوم بها الأجهزة الأمريكية وأصدقاؤها ضد المتهمين والمشتبه بهم بما تدعيه بالإرهاب. وقد نشرت وسائل الاعلام الأوروبية، خاصة البريطانية لمحة عن أساليب التعذيب، والتي لا تختلف كثيرا وقد تكون مترادفة في وقائعها التي أخذت تنشرها وسائل الاعلام من ممارسات أخري لحلفائها في بلدان محتلة، كأفغانستان والعراق، وبلدان صديقة لأمريكا. كما كشف المحقق الأوروبي الذي كلف من قبل المجلس الأوروبي، وذكر إضافة إلي وجود المعتقلات قضية خطف أشخاص ونقلهم عبر مطارات أوروبية إلي بلدان خارج أوروبا. وهو يحقق في تورط قيادات ومسئولين أوروبيين مع تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان، وطبيعة العلاقات الأمريكية الأوروبية، وإخلالها بمواثيق حقوق الإنسان، وارتباطاتها بتزايد روح الكراهية والعنصرية ومعاداة الآخر وعلاقاتها بسياسات الهجرة والتعاملات التجارية والثقافية الاخري خارج القارة الأوروبية.كل هذا لم يمنع من كشف تلك الوسائل الوحشية والتي تعد ملفاتها جريمة أخري لما تقوم به الإدارة الأمريكية، وقد نشرت وسائل الاعلام تقارير عنها، من بينها تقرير صحيفة الاندبندنت ليوم 4/12/2005 عن ''تكتيكات التحقيق المعززة'' التي اتبعها ضباط المخابرات المركزية الأمريكية في السجون السرية. ويعتقد لحد الآن رسميا ورغم إنكار مسئولين فيها أن المخابرات الأمريكية تدير معتقلين في رومانيا وبولندا، في القارة الأوروبية. و ''تكتيكات التحقيق المعززة'' هي ستة تكتيكات تتم بموافقة مسئولين كبار، كما أنها تطبق علي مراحل هي:1- ''جذب المعتقل من ملابسه للفت انتباهه'' حيث يجذب المحقق المعتقل من ملابسه من الرقبة ويهزه بقوة. 2- صفعة جذب الانتباه: وتنص الأوامر علي جواز أن يوجه المحقق ''صفعة بكف مفتوح'' تستهدف ''إثارة الألم والخوف'' لدي المعتقل.3- صفعة علي البطن: وهي صفعة قوية بكف مفتوح علي المعدة. والهدف منها هو التسبب في ألم دون حدوث إصابات داخلية. وتقول الصحيفة إن الأطباء نصحوا بعدم توجيه لكمات حيث يمكن أن تتسبب في إصابات داخلية مزمنة. 4- الوقوف لساعات: يجبر المعتقلون علي الوقوف مكبلي الأيدي، وأقدامهم مربوطة بأوتاد حديدية في الأرض لأكثر من أربعين ساعة، بهدف دفع التعب والحرمان من النوم إلي إجبار المعتقلين علي الاعتراف. 5- المعاملة الباردة: وفيه يترك المعتقل عاريا في زنزانة لا تزيد درجة حرارتها عن عشر درجات مئوية، ويصب الماء البارد عليه باستمرار. وقد أدي استخدام هذا التكتيك إلي وفاة معتقل في كابول. 6- الإغراق: حيث يربط المعتقل علي لوح من خشب ويوضع غطاء من البلاستيك علي وجهه ويصب عليه ماء أو يتم إغراق رأسه في حوض مليء بالماء، مما لا يعطيه في هذه الحالة قدرة احتمال اكثر من بضع ثوان. هذه التكتيكات، اذا تذكرنا ما جري بأبو غريب، تكون تكتيكات أمريكية رقيقة جدا، واذا قورنت ايضا بما يحصل في سجون الدول التابعة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تتعامل معها الآن في تصدير المعتقلين إليها وإجراء ''التحقيقات'' في معتقلاتها!. ومن بين ذلك ما نشرته صحيفة الاوبزرفر يوم 11/12/2005 عن طالب أثيوبي عاش بلندن سبعة أعوام واعتقل بباكستان وتعرض لتعذيب شديد من ضباط حة6 وةء علي مدي ثلاث سنوات. وأرسل إلي عدة سجون لتعذيبه، في عدد من البلدان، من مثل تعليقه من رسغيه لساعات طويلة وفتح جراح بسكين الجراحة في صدره وعضوه التناسلي، واستجواب مستمر من ضباط السي آي أي، وعرب أيضا. ونشرت وسائل أعلام أخري قصصا كثيرة عن صور التعذيب وما حصل لعدد غير قليل من الذين اعتقلوا وعذبوا وأطلق سراحهم بعد ذلك براءة، بدون أي ذنب حقيقي. واستمرارا للمنتجعات والسفرات السياحية الأمريكية المجانية نشرت صحيفة سفينسكا داغبلادت السويدية (يوم 8/12/2005) تقريراً عن لائحة أميركية لحظر السفر شملت أسماء ثمانين ألف شخص يشتبه بضلوعهم بما يسمي بالإرهاب، وزعت علي شركات الطيران العالمية. فهل هناك إعلان سياحي مجاني آخر .