لم ينته الاحتلال الأمريكي للعراق بعد. انسحبت قواته العسكرية من الأراضي العراقية فقط، لتتجمع في جواره، حيث تنتشر قواعدها، في الجنوب والشمال، وتوزع مقراتها في قواعد اخرى مزروعة في إنحاء المنطقة. ومع الانسحاب العسكري كثر الحديث عن كلفته المادية والبشرية من طرف قوات الغزو والاحتلال، واعتبر في بعض وسائل الإعلام المغردة له ثمنا باهظا، بينما لم يجر الحديث عن الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب العراقي، بشريا وماديا أيضا. وهنا لابد من السؤال أو الأسئلة عن المسؤولية المباشرة عنه، وما هو المطلوب قانونيا وأخلاقيا التعامل به في مثل هذه الممارسات؟!. وهذا أمر يتطلب العمل عليه وتشكيل مؤسسات ترعاه وتسهر عليه وصولا إلى الحقيقة والعدالة والوفاء للدماء التي سفكت ودرسا للإدارات الغازية والقوى السياسية المعجبة بها والمحجبة عن آثار الدمار والخراب من نتائج أفعالها الإجرامية.
لقد فتحت أبواب الحدود العراقية لخروج القوات المحتلة بهدوء تام وأدخلت منها أو خلفتها وراءها ما خططت له تلك القوات وإداراتها للعراق، ليدخل بعدها في أنفاق معتمة تزيد أو تضيف قوائم اخرى لأعداد الخسائر البشرية والمادية العراقية. وهو ما حصل فعلا في التفجيرات المستمرة وضحاياها الأبرياء. هل شلالات الدم العراقي مكتوب ان تستمر بوجود قوات الاحتلال أو بخروجها؟ والى متى تستمر آلة حفرها وأدوات تنفيذها في المشهد العراقي؟!.
تقول وسائل إعلام أمريكية ان سوء إدارة الحرب والاحتلال سببت تلك الخسائر وغيرت نظرة العراقيين والرأي العام عموما لما حدث في العراق بعد 2003، وبدلا من استثماره تحول إلى غضب عام ضده. وبعد ان تكشفت طبيعته عبر كل تلك الانتهاكات الصارخة لأبسط الحقوق والقتل العام والعشوائي وحملات الإبادة والتدمير والفضائح والفظائع الكثيرة التي لم تتمكن الادارة الامريكية وكل قدراتها الأخرى تغطيتها أو التستر عليها أصبح تحملها صعبا ولا يمكن ان يقبل الشعب العراقي استمرارها، رغم كل ما لدى الاحتلال من وسائل يتلاعب فيها وينظم مصالحه عبرها. ورغم ذلك فان ما بعد الانسحاب استمرار لتلك الصور الفاجعة من الاختلال والاحتلال وهو المسؤول الرئيس عنها، ولو أنجزت بأدوات اخرى.
ما نشرته وكالات الأبناء بعد الانسحاب الأمريكي العسكري عن الكلف والأثمان الباهظة يعطي صورة ما عن الوقائع المخفية. ورغم ان اغلبها غير دقيق وتقريبي بنفس القدر الذي تحاول أجهزة البروباغندا الامريكية إخراجه إلى العلن. ومع ذلك فان نظرة عليه تفضح حجم الخسائر البشرية وما ابتلى به الشعب العراقي من خلال الغزو والاحتلال. فمثلا وزعت وكالة رويترز تقريرها ونشرته اغلب وسائل الإعلام كما وردها، لاسيما العربية، دون تمحيص فعلي وتساؤل موضوعي عنها. ورد فيه ان تقدير خسائر الجيش العراقي خلال الغزو كانت عشرة آلاف ومائة وخمس وعشرين ضحية. بينما سقط من المدنيين ضحايا حسب ما نقلته عن موقع الكتروني يتابع الضحايا من خلال تقارير إعلامية، ويحمل اسم: www.Iraqbodycount.org ما بين 103536 و113125، وعدد قتلى الحرب وفقا لأرقام الحكومة العراقية خلال (2004 - 2011 حتى نهاية تشرين الأول /أكتوبر):61921. وإجمالي عدد المصابين (2004 - 2010): 159710 . ولاحظت الوكالة ان الأرقام من الموقع الالكتروني المذكور، الذي يديره أكاديميون ونشطاء سلام ويعتمد على تقارير من مصدرين إعلاميين على الأقل، ان تقديرات الأرقام أقل من العدد الحقيقي للخسائر البشرية. وقد يضيف التحليل الكامل لسجلات حرب العراق التي نشرها موقع ويكيليكس 15 ألف قتيل مدني. وكذلك بدأت الحكومة العراقية جمع الإحصاءات المتصلة بالحرب عام 2004. والأرقام التي جمعتها وزارات الصحة والداخلية والدفاع تشمل المدنيين وقوات الأمن. والأرقام تفضح مصداقية وشفافية من ينشرها ويعدها، وهي وحدها تنطق بتناقضاتها.
وكالة الأنباء الفرنسية في تقريرها رأت أن كلفة الحرب في العراق باهظة. وأشارت إلى انه منذ الاجتياح الأميركي للعراق في آذار/ مارس 2003، سقط ما لا يقل عن 126 ألف مدني عراقي قتلى لأسباب مباشرة مرتبطة "بالنزاع" (!)، بحسب نيتا كراوفورد البروفسور في جامعة بوسطن. يضاف إلى ذلك 20 ألف جندي وشرطي عراقي وأكثر من 19 ألفا من "المتمردين"، (هكذا). ونقلت أيضا من الموقع المذكور للمنظمة البريطانية أرقام الخسائر البشرية منذ 2003. وأشارت إلى لجوء نحو 1,75 مليون عراقي إلى البلدان المجاورة أو نزحوا في داخل البلاد بحسب الأمم المتحدة. وفصلت في الكلفة المالية ومخصصات البنتاغون، للمصابين من الجنود الأمريكان أثناء الغزو والاحتلال، والتي قدرت بثلاثة ترليونات دولار، وقائمة الحسابات مفتوحة لحجم الخسائر في هذا المجال وأعداد الذين خدموا في حروب الغزو والاحتلال.
مهما حاولت هذه المؤسسات وغيرها من تقديم أرقام فأنها لا تعطي الحقيقة ولا تعوض خسارتها. ولعل ما ذكرته صحيفة (الغارديان 19/12/2011) فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية يكشف العقل السياسي الأمريكي وفهمه لضحايا حروب قياداته، حيث سجلت ان أهم عنصر لتشكيل الرأي الأميركي بشأن أي حرب هو ما إذا كانت أميركا تعتقد أنها ستنتصر. هناك من يدرك ان الحرب في فيتنام كانت عملا خاطئا ليس لان دولة مستقلة تعرضت للغزو والتدمير وقتل الملايين من أبنائها وتعذيب الآلاف. بل كانت كذلك لان الولايات المتحدة خسرت تلك الحرب. وانطبق هذا على الطيف السياسي كله. ذلك انه حتى عندما يتعرض منتقدو الحرب إلى الدماء والأموال التي هدرت، فأنهم يشيرون في العادة إلى حياة الأميركيين وأموالهم لا غير. وهو ما تعلنه استطلاعات الرأي وأسئلتها. في استطلاع أجرته محطة "سي بي إس" اخيرا تساءلت "هل تظن ان نتيجة الحرب في العراق كانت تستحق خسارة أرواح الأميركيين والتكاليف الأخرى لمهاجمة العراق، أم لا؟" (67 في المائة لا، 24 في المائة نعم). غير ان التكلفة التي تحملها العراقيون لا مكان لها، لا في الأسئلة ولا في ماكينة الإعلام ولا في السياسات العلنية والسرية. فهل يحمل العام الجديد السؤال العراقي عن كلفة الاحتلال الباهظة الحقيقية؟.
لقد فتحت أبواب الحدود العراقية لخروج القوات المحتلة بهدوء تام وأدخلت منها أو خلفتها وراءها ما خططت له تلك القوات وإداراتها للعراق، ليدخل بعدها في أنفاق معتمة تزيد أو تضيف قوائم اخرى لأعداد الخسائر البشرية والمادية العراقية. وهو ما حصل فعلا في التفجيرات المستمرة وضحاياها الأبرياء. هل شلالات الدم العراقي مكتوب ان تستمر بوجود قوات الاحتلال أو بخروجها؟ والى متى تستمر آلة حفرها وأدوات تنفيذها في المشهد العراقي؟!.
تقول وسائل إعلام أمريكية ان سوء إدارة الحرب والاحتلال سببت تلك الخسائر وغيرت نظرة العراقيين والرأي العام عموما لما حدث في العراق بعد 2003، وبدلا من استثماره تحول إلى غضب عام ضده. وبعد ان تكشفت طبيعته عبر كل تلك الانتهاكات الصارخة لأبسط الحقوق والقتل العام والعشوائي وحملات الإبادة والتدمير والفضائح والفظائع الكثيرة التي لم تتمكن الادارة الامريكية وكل قدراتها الأخرى تغطيتها أو التستر عليها أصبح تحملها صعبا ولا يمكن ان يقبل الشعب العراقي استمرارها، رغم كل ما لدى الاحتلال من وسائل يتلاعب فيها وينظم مصالحه عبرها. ورغم ذلك فان ما بعد الانسحاب استمرار لتلك الصور الفاجعة من الاختلال والاحتلال وهو المسؤول الرئيس عنها، ولو أنجزت بأدوات اخرى.
ما نشرته وكالات الأبناء بعد الانسحاب الأمريكي العسكري عن الكلف والأثمان الباهظة يعطي صورة ما عن الوقائع المخفية. ورغم ان اغلبها غير دقيق وتقريبي بنفس القدر الذي تحاول أجهزة البروباغندا الامريكية إخراجه إلى العلن. ومع ذلك فان نظرة عليه تفضح حجم الخسائر البشرية وما ابتلى به الشعب العراقي من خلال الغزو والاحتلال. فمثلا وزعت وكالة رويترز تقريرها ونشرته اغلب وسائل الإعلام كما وردها، لاسيما العربية، دون تمحيص فعلي وتساؤل موضوعي عنها. ورد فيه ان تقدير خسائر الجيش العراقي خلال الغزو كانت عشرة آلاف ومائة وخمس وعشرين ضحية. بينما سقط من المدنيين ضحايا حسب ما نقلته عن موقع الكتروني يتابع الضحايا من خلال تقارير إعلامية، ويحمل اسم: www.Iraqbodycount.org ما بين 103536 و113125، وعدد قتلى الحرب وفقا لأرقام الحكومة العراقية خلال (2004 - 2011 حتى نهاية تشرين الأول /أكتوبر):61921. وإجمالي عدد المصابين (2004 - 2010): 159710 . ولاحظت الوكالة ان الأرقام من الموقع الالكتروني المذكور، الذي يديره أكاديميون ونشطاء سلام ويعتمد على تقارير من مصدرين إعلاميين على الأقل، ان تقديرات الأرقام أقل من العدد الحقيقي للخسائر البشرية. وقد يضيف التحليل الكامل لسجلات حرب العراق التي نشرها موقع ويكيليكس 15 ألف قتيل مدني. وكذلك بدأت الحكومة العراقية جمع الإحصاءات المتصلة بالحرب عام 2004. والأرقام التي جمعتها وزارات الصحة والداخلية والدفاع تشمل المدنيين وقوات الأمن. والأرقام تفضح مصداقية وشفافية من ينشرها ويعدها، وهي وحدها تنطق بتناقضاتها.
وكالة الأنباء الفرنسية في تقريرها رأت أن كلفة الحرب في العراق باهظة. وأشارت إلى انه منذ الاجتياح الأميركي للعراق في آذار/ مارس 2003، سقط ما لا يقل عن 126 ألف مدني عراقي قتلى لأسباب مباشرة مرتبطة "بالنزاع" (!)، بحسب نيتا كراوفورد البروفسور في جامعة بوسطن. يضاف إلى ذلك 20 ألف جندي وشرطي عراقي وأكثر من 19 ألفا من "المتمردين"، (هكذا). ونقلت أيضا من الموقع المذكور للمنظمة البريطانية أرقام الخسائر البشرية منذ 2003. وأشارت إلى لجوء نحو 1,75 مليون عراقي إلى البلدان المجاورة أو نزحوا في داخل البلاد بحسب الأمم المتحدة. وفصلت في الكلفة المالية ومخصصات البنتاغون، للمصابين من الجنود الأمريكان أثناء الغزو والاحتلال، والتي قدرت بثلاثة ترليونات دولار، وقائمة الحسابات مفتوحة لحجم الخسائر في هذا المجال وأعداد الذين خدموا في حروب الغزو والاحتلال.
مهما حاولت هذه المؤسسات وغيرها من تقديم أرقام فأنها لا تعطي الحقيقة ولا تعوض خسارتها. ولعل ما ذكرته صحيفة (الغارديان 19/12/2011) فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية يكشف العقل السياسي الأمريكي وفهمه لضحايا حروب قياداته، حيث سجلت ان أهم عنصر لتشكيل الرأي الأميركي بشأن أي حرب هو ما إذا كانت أميركا تعتقد أنها ستنتصر. هناك من يدرك ان الحرب في فيتنام كانت عملا خاطئا ليس لان دولة مستقلة تعرضت للغزو والتدمير وقتل الملايين من أبنائها وتعذيب الآلاف. بل كانت كذلك لان الولايات المتحدة خسرت تلك الحرب. وانطبق هذا على الطيف السياسي كله. ذلك انه حتى عندما يتعرض منتقدو الحرب إلى الدماء والأموال التي هدرت، فأنهم يشيرون في العادة إلى حياة الأميركيين وأموالهم لا غير. وهو ما تعلنه استطلاعات الرأي وأسئلتها. في استطلاع أجرته محطة "سي بي إس" اخيرا تساءلت "هل تظن ان نتيجة الحرب في العراق كانت تستحق خسارة أرواح الأميركيين والتكاليف الأخرى لمهاجمة العراق، أم لا؟" (67 في المائة لا، 24 في المائة نعم). غير ان التكلفة التي تحملها العراقيون لا مكان لها، لا في الأسئلة ولا في ماكينة الإعلام ولا في السياسات العلنية والسرية. فهل يحمل العام الجديد السؤال العراقي عن كلفة الاحتلال الباهظة الحقيقية؟.