الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

ضحايا أبو ناجي، فضيحة أبو غريب البريطاني

الجمعة 19/11/2010
رائحة فضائح أبو غريب البريطاني انتشرت وأخذت تزكم الأنوف ولم تعد، رغم كل الجهود الرسمية، مخفية، بل تصاعدت الأرقام فيها والوقائع والاعترافات. وأصبح الحديث عن المتابعة والملاحقة والمطالبة بالمحاكمة والتحقيق والعدالة أمرا مكشوفا ويوميا ولابد أن يأخذ مجراه القضائي ومحاسبة المسؤولين عنه، وليس عددا من الجنود، التفاحة الفاسدة في السلة فقط، وإنما كل المستويات وصولا إلى الجهات العليا، التي لا يمكن أن تكون مغفلة دون علم بكل ما حصل وحدث وانكشف. بل أن احد أصحاب القرار في بريطانيا اعترف بهذه الجرائم، واعني رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في مذكراته التي نشرت مؤخرا. وطالب نشطاء حقوق الإنسان بتحويل مذكراته في رفوف المكتبات إلى قسم الجرائم. فضلا عما حصل له أثناء الدعاية لها في أكثر من مكان، وانسحابه المخزي في لندن من أي احتفاء بها. وهذه غير كافية قانونيا وأخلاقيا، إذ لابد من الاستمرار في متابعته حتى إقرار العدالة وإنصاف الضحايا.
بين فترة وأخرى تكشف السلطات العسكرية البريطانية خبرا عن تحقيقها في ملفات الاتهامات الموجهة لقواتها في العراق وارتكاب جرائم ضد المدنيين العراقيين خلال فترة مشاركتها في احتلال العراق. وتتسرب معلومات لوسائل الإعلام أيضا عن تلك الجرائم وتقوم بنشرها والاهتمام بها ولكنها تظل دائما بحاجة إلى المتابعة والمقارنة والتركيز عليها، لما لها من أهمية في الحديث عن احترام حقوق الإنسان والاتفاقيات والقوانين الدولية في مثل أوضاع العراق. ففي 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 كشفت عن دعوى عراقية ضد جنود بريطانيين والتحقيق في أكثر من 30 ملفا. وأكد حينها المحامي فيليب شاينر، أحد المحامين الموكلين نيابة عن الضحايا العراقيين برفع قضاياهم إلى المحاكم البريطانية، لقناة تلفزيونية، إن التهم تشمل مجموعة من التجاوزات، بينها دعاوى اغتصاب وتعذيب وحرمان من النوم. وقرن شاينر بين ما ورد في بعض تلك الدعاوى وما حصل في "معتقل أبوغريب"، الذي كان يديره الجيش الأمريكي، قائلاً: "كان هناك الكثير من الاستغلال الجنسي، لقد استخدموا الجنس كوسيلة للإذلال.. هناك الكثير من هذه القضايا. "وبحسب شاينر، فإن بين الملفات المطروحة دعوى لفتى عراقي يبلغ من العمر 14 عاماً، قال إنه أجبر على القيام بحركات جنسية، في حين أدعى رجل عراقي تعرضه للاغتصاب من قبل جنديين بريطانيين. وذكر ناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية، رفض ذكر اسمه، أن بعض هذه الملفات أثير حديثاً، بينما يعود بعضها الآخر إلى فترات ماضية. وأضاف: "بعض هذه الدعاوى قديم، وبعضها الآخر جديد، إذ يعود إلى شباط/ فبراير الماضي، ونحن ننظر في جميع هذه الملفات، ولكن مستوى التحقيق فيها متباين، بحسب قدم الدعوى".
واستمرت الإجراءات خلال عام كامل لتعلن المحكمة العليا في بريطانيا يوم الاثنين 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 الاستماع إلى إفادات عشرات العراقيين، ممن "يدّعون بأنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي جنود بريطانيين"، حيث طلبوا من رئيس المحكمة، التي تنظر دعواهم ضد الحكومة البريطانية، بفتح تحقيق قضائي مستقل في تلك الوقائع. وأفاد نحو 125 عراقياً بأنهم تعرضوا لـ"أعمال تعذيب ومعاملة غير إنسانية"، من جانب القوات البريطانية، بما في ذلك حرمانهم من النوم، وتغطية وجوههم، وإجبارهم على الوقوف أو الجلوس في وضع القرفصاء على ركبتيهم لساعات طويلة، بالإضافة إلى أنه بعضهم تعرض لـ"اعتداءات جنسية." وهذه الممارسات ارتكابات وانتهاكات ضد حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وأشار المحامي شاينر، إلى أن أعمال التعذيب وسوء معاملة هؤلاء العراقيين لم تكن ممارسات فردية من جانب جنود لا يطيعون الأوامر العسكرية، وإنما كانت جزءً من "سياسة تعذيب منظمة، تعمد القوات إلى استخدامها أثناء استجواب المشتبه بهم." وقال المحامي في المذكرة التي قدمها إلى المحكمة، إن "وقائع الإهانة تشير إلى أعمال تعذيب منظمة للمعتقلين تعكس سياسات القوات المسلحة، أو على الأقل ممارسات محتملة يتم استخدامها على نطاق واسع."
وقبيل بدء جلسة الاثنين، قال المحامي لـCNN إنه قدم تسجيلات فيديو إلى المحكمة في جلسة الجمعة، تصوّر عمليات التعذيب في مراكز اعتقال تابعة للقوات البريطانية، وأشار إلى أن سيقدم مزيدا من الأدلة خلال جلستي الاثنين والثلاثاء. وبحسب المحامي شاينر، وما نشرته وسائل الإعلام، فقد وقعت معظم أعمال التعذيب في مركز اعتقال يديره ما يُعرف بـ"فريق التحقيق المتقدم المشترك" JFIT، مشيراً إلى أنه تمكن من الحصول على بعض المعلومات تتعلق بما كان يدور في هذا المعتقل. وأضاف المحامي البريطاني إلى أن اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان دعت الحكومة البريطانية إلى إجراء تحقيق مستقل في وقائع التعذيب المنسوبة إلى جنودها في العراق.
سبق وان ذكرت وسائل الإعلام البريطانية في 18 آذار/ مارس الماضي أن المقدم نيكولاس ميرسر أبلغ التحقيق الرسمي حول مصرع بهاء موسى أنه شاهد بعد مرور عشرة أيام على غزو العراق 20 أو 30 عراقياً يصطفون وعلى رؤوسهم أكياس من الرمل. ووصف معاملة المحتجزين العراقيين من قبل الجنود البريطانيين بأنها مثيرة للاشمئزاز. وقال المقدم ميرسر إنه "صُعق بتلك المشاهد والتي تشبه رؤية صور معتقل غوانتانامو للمرة الأولى، ودخل في جدل واسع مع القادة العسكريين بشأن الالتزامات القانونية للجيش البريطاني بموجب معاهدات جنيف والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان". وأضاف الضابط البريطاني أن احتجاجاته المتكررة حول المعاملة غير المشروعة للعراقيين في مراكز احتجاز القوات البريطانية لم تكن مرغوبة داخل وزارة الدفاع البريطانية إلى درجة أنه تلقى تهديدات من رئيسه المسؤول عن الخدمات القانونية في الوزارة مارتين هيمينغ. وشدد ميرسر على أن انتهاك السجناء العراقيين كان من شأنه أن يتوقف لو جرى تعيين قاض بريطاني للإشراف على معاملة المعتقلين، ولم يعترض النائب العام البريطاني وقتها اللورد غولدسميث على هذه الخطوة. وقال إن محققي الشرطة العسكرية الملكية البريطانية ابلغوه في أيار / مايو 2003 بعد شهرين على غزو العراق أن سجينين عراقيين توفيا في الحجز، ويعتقدون أن هناك خمس أو ست حالات وفاة أخرى تحتاج إلى تحقيق.. حسبما نشر علنا.
هذه الحقائق والوقائع والوثائق تؤكد أن قوات الاحتلال، إضافة إلى جريمة الاحتلال نفسه، ارتكبت جرائم حرب بحق أبناء الشعب العراقي، وهذه النماذج فقط للعلم والإطلاع وما خفي أو ستر أعظم بالتأكيد.