الجمعة، 19 نوفمبر 2010

هل انتهت الأزمة السياسية في العراق؟

الجمعة 12/11/2010
بعد طاولة اربيل (يوم 8/10/10)، التي قادها التحالف الكردستاني وبمبادرة رئيسه مسعود البرزاني، تحقق ما تنافس عليه السياسيون العراقيون المنضوون في العملية السياسية خلال ثماني اشهر من التفاوض والحوارات والصراعات وغيرها من الأمور التي إذا راجعها السياسيون أنفسهم سيجدون أنهم ابعد ما يكونون حرصا على مسؤولياتهم السياسية. وعادت الأسماء والمناصب والكتل متوافقة على ما اختلفت عليه طيلة تلك الفترة الممهورة بالدم والعنف والخراب والفساد الذي يشكل علامة سلبية لكل المشتركين في العملية السياسية. وانفكت العقد والعقبات، أو اغلبها، التي كان كل طرف يتحجج بها ومارس ما يثير الريبة من أوراق التغيير والإصلاح والتسميات الأخرى التي رفعها سابقا ولم تتحقق منها ما يزكي أصحابها. المهم تم التوافق على إعادة التشكيلة السابقة بوجهين مكررين (جلال الطالباني ونوري المالكي) ووجه أضيف لهم (أسامة النجيفي) ليشكل الترويكا التي وضع أسسها بول بريمر، (راجع مذكراته، عامي في العراق) والتي وضعت الأساس لإعادة لبننة العراق، رغم كل الاختلافات والادعاءات حولها.
قبل الإعلان الرسمي واجتماع مجلس النواب العراقي يوم الخميس 11/11/10 أشادت إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، حسب الوكالات، (بالساسة العراقيين لإنهائهم فيما يبدو مأزقا سياسيا مضى عليه ثمانية أشهر عندما وافق ائتلاف القائمة العراقية الذي يدعمه السنة على الانضمام إلي حكومة جديدة يرأسها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي). وقال انتوني بلينكن مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان "الاتفاق على تشكيل حكومة ممثلة لمختلف المكونات هو خطوة كبيرة للإمام بالنسبة للعراق." وأضاف قائلا "قادة العراق تفاوضوا واتفقوا فيما يبدو على عملية إعادة توزيع مهمة للسلطات توجد ضوابط وتوازنات حقيقية لمنع أي جماعة من إساءة استخدام السلطة". وكما يبدو أن هذا البيان هو الإعلان الرسمي الذي تلاه غيره من العراقيين بأصواتهم. ومعلوم الدور الكبير الذي لعبه بايدن ومستشاره بلينكن، والسفير الأمريكي الجديد في بغداد جيمس جيفري، وغيره من المسؤولين الأمريكان، عبر مختلف وسائلهم وطرق اتصالهم بالسياسيين العراقيين أو مصادرهم الخارجية. وهو ما يلاحظ في اغلب التقارير الإخبارية وتأكيدها على الهويات الطائفية والاثنية كمعطى للتوافق السياسي في تشكيل الترويكا السياسية العراقية، كمناصب سيادية، وكحقوق قومية، كما أعلن ذلك قادة سياسيون من مختلف الكتل السياسية.
هذا التقسيم الذي صنع المأزق السياسي في العراق وتحجج به السياسيون الذين دخلوا انتخابات 7 آذار/ مارس رافعين شعارات وطنية عراقية لتجاوزه لفظيا، عادوا إليه من جديد، وعملوا على تكريسه، ماسحين كل ما أعلنوه وادعوه وتلبسوا به، وكالعادة وبشكل صارخ، رحّل كل طرف منهم الأسباب إلى عوامل ضغط خارجية، للتستر من جهة على ادعاءات كثيرة ولتغطية الازدواجية في هذا الشأن من جهة أخرى، فضلا عن إخفاء الارتهانات المخفية أو المعلنة. وهو ما ركزت عليه جهود مكثفة من دول عربية وإسلامية، كل حسب دوافعه وتبريراته، إلى تصنيع الحل السحري، وإطلاق الدخان الأبيض يوم الخميس 11/11/10 وصولا إلى اعتبار هذا اليوم، حسب خطاب المالكي تأسيس دولة جديدة في العراق. لكن المأزق السياسي لا ينتهي عند تشكيل الترويكا وما يضاف لها من تسميات أخرى، لتوسيع مجال المطبخ السياسي المطلوب خارجيا أكثر منه داخليا، ولظروف حرجة للإدارة الأمريكية في المنطقة ولحلفائها وخططها المعلومة، بل ولا يتوقف عند هذه الحدود، كما يتبين من المناكفات والتصريحات والخطابات داخل الكتل وبينها وبعد كل هذه العملية تأتي انعكاساتها خارج حلبة الصراعات السياسية المركزة في محيط إقامة الرموز السياسية العراقية.
إعادة شريط أخبار الأيام الماضية منذ انتهاء الانتخابات وما توصل إليه السياسيون العراقيون يكشف التأثير الأمريكي الكبير عليه، فلم يغب دوره الواضح مع غيره بدرجات متفاوتة، ولعل في تصريحات المسؤولين الأمريكان طيلة تلك الفترة ما يفضح ذلك ويضع الحديث عن السيادة والاستقلال حديث خرافة. فالإشارات صدرت من الرئيس الأمريكي اوباما وهو في زيارته الأخيرة لجنوب شرق آسيا وكذلك وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون، ولاسيما من ملبورن، الاسترالية، وقولها في تصريح صحافي إن "إشارات عدة صدرت خلال الشهور الأخيرة تفيد بحدوث تقارب في وجهات النظر بين القادة العراقيين وهم على وشك تشكيل حكومة. وقد تم الاتفاق بينهم على توزيع المناصب فيها لكن هذا لم يحدث فعلياً حتى الآن". وأضافت "شجعنا العراقيين بشكل مستمر على تشكيل حكومة ذات قاعدة سياسية عريضة تضم كل الأطراف وتعكس مصالح الشعب العراقي". كما وضح ذلك السفير الأمريكي السابق في العراق زلماي خليل زادة في مقال له في صحيفة وول ستريت (10/11/10) مبينا خريطة الطريق الأمريكية للوضع السياسي في العراق، وتوزيع الكتل السياسية والمسميات المطلوبة لإدارة العراق في ظل الاحتلال الأمريكي الذي يضع أمامه خطط انسحاب عسكري منظم لأهداف إستراتيجية وإعادة انتشار قوات عسكرية في المنطقة، التي تحاول الولايات المتحدة بسط نفوذها الشامل عليها. كتب خليل زادة كاشفا ما عمل هو عليه من تصنيع للفتنة ومعاداة دول الجوار: " استقر المطاف بالإدارة (الأمريكية) على خطة من أربعة أهداف هي : (1) واشنطن ستنصح المالكي أن يبقى رئيساً للوزراء (2) وعلاوي أن يرأس مجلسا سياسيا، يعنى بالأمن القومي. بالإضافة إلى ذلك، سوف تشجع التنازل عن بعض صلاحيات رئيس الوزراء إلى أجهزة أخرى،(3) لتحول دون لعب الصدريين المتطرفين دوراً كبيراً في الحكومة القادمة،(4) وتفادي عودة العرب السنة إلى التمرد. ورأى أن تلك الأهداف كانت سليمة، لكن الولايات المتحدة لم تحقق تقدما كبيرا في إنجازها. وواضح قصده بذلك. وهنا تأتي نتائج ما توصل إليه السياسيون العراقيون إشارة تأكيد لأقواله وإلى انجاز للإدارة قبل غيرها، لاسيما إشارته إلى دور رئيس القائمة العراقية في الصفقات المنجزة.
فهل انتهت الأزمة السياسية في العراق؟ وما هو دور قوى سياسية لها شعبية كبيرة في سير العملية السياسية وإدارتها عراقيا؟.