الاثنين، 7 يونيو 2010

إذا لم تكن هذه مجزرة .. فماذا تكون؟

الجمعة 4/6/2010
لم تعد المشاهد المصورة والمبثوثة في الفضاءات الإعلامية كافية لكثير من آل النظام العربي الرسمي لاتخاذ الموقف الواضح فيها، فكما يبدو من التصريحات والاجتماعات ونتائجها الكلامية بأنها لم تتوصل بعد إلى ذلك الوصف المطلوب والموقف المنشود، وإنها بحاجة أخرى إلى مجزرة إضافية، أو مجازر اكبر، تتراكم لديها صورها ووقائعها لتقرر بان ما جرى أشبه أو يرقى إلى ما يسمى باللغة العربية بمجزرة.. إذ ان بعض الكتبة ووسائل الإعلام العربية خصوصا سبقت ما حصل بمواقف وكتابات صريحة بان قافلة كسر الحصار عن غزة عمل طائش ومغامر وتحد مباشر إلى امن كيان العدو، اجل يضعون هذه الكلمة (العدو) لتمرير ما تحويه معاني كلماتهم ويشتمون مئات المتضامنين مع جوع المليون ونصف المليون عربي فلسطيني في غزة بتهم جاهزة، يشترك فيها بعض من أهلهم بأساليب أخرى، (ليس الوقت لها الآن)، ولكنها لحسن الحظ لم تنطل بعد على كثير من الناس. فعن أي عدو يتحدثون؟ وأي عدو يقصدون، ومن هو العدو، المتضامن أم المحاصَر؟!.
بعد ساعات من حصول المجزرة أعلنت قيادة جمهورية نيكاراغوا (أين تقع هذه الدولة ولماذا هذا الإعلان منها؟!) وفي بيان رئاسي تلاه رئيسها دانيال أورتيغا عبر الإذاعة أن “نيكاراغوا تقطع فورا علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة “إسرائيل”. وأعربت ماناغوا (عاصمة نيكاراغوا) عن تضامنها وتعازيها الحارة لعائلات الضحايا والحكومات التي يتحدرون منها، ووجهت “نداء لإطلاق سراح أعضاء قافلة الحرية”. وأعادت تأكيد دعمهما “غير المشروط للكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني” وطالبت برفع الحصار عن قطاع غزة.
وحسب ما نشرته وكالات الأنباء وسجله التاريخ فان أصحاب المواقف الحقيقية هم من تواصل مع القضية بوضوح واتخذ الموقف الواضح أيضا، لا لبس ولا تدليس، لا خداع ولا تضليل، ولا بهلوانات إعلانية لم تعد مقنعة للأطفال الصغار الذين يجرؤ بعض معدي البرامج التلفزيونية اللقاء معهم ونقل آرائهم بما يحصل في هذا العالم القريب الغريب. في كانون الثاني 2009، قطعت فنزويلا وبوليفيا علاقاتهما الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي بعد عدوانه على قطاع غزة. وكانت كوبا قد قطعت علاقاتها معه عام 1973. وخلال احتفال عام قال الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز: «ملعونة أنت يا دولة إسرائيل، ملعونة أنت، إرهابية وقاتلة، يعيش الشعب الفلسطيني». وانتقد الرد الضعيف من جانب الإدارة الأميركية التي أعربت عن «قلقها»، وقال «بما ان الأمر يتعلق بإسرائيل، فإن كل شيء مسموح به». وأضاف ان «حكومة اوباما تدين الإرهاب باستمرار باستثناء عندما يكون متعلقا بها أو بأحد حلفائها، إسرائيل. يتهموننا بأننا نرعى الإرهاب في حين أنهم هم الذين يرعونه». هذه دول وهؤلاء رؤساء بعيدون عن فلسطين جغرافيا ولكنهم قريبون منها مواقف وإنسانية وأخلاقا وقد يصح القول أنهم أكثر عروبة من بعض أهلها أو ذوي القربى، واضعين بجرأتهم ومشاعرهم قيما ومبادئ ينحني المرء لهم احتراما وتقديرا ولا يخجل منها عكس ما يراه ويسمعه من الناطقين بلغته والمحسوبين على شعبه وبلاده الكبيرة.
وبالطبع لا يمكن إغفال الموقف الرسمي والشعبي التركي فيما حصل وجرى، من مواقف رئيس الوزراء رجب الطيب أردوغان ووزير الخارجية احمد داود أوغلو، إلى البرلمان والشارع التركي الذي لم يهدأ ولم يتوقف عن الإعلان عن نفسه، عن عودته إلى محيطه وموقفه الرائد، بحيث أصبح ما يصدر من تركيا مثالا يطالب العرب الاحتذاء به واتخاذه دليلا ومنهجا، لا العكس، في قضية اعتبرها آل النظام العربي الرسمي قضيتهم المركزية وخاصة ما يسمى بجامعة الحكومات العربية. التي تمخضت اجتماعاتها "الفورية" لامتصاص النقمة والغضب العارم الذي اجتاح الشوارع والبيوت، ببيانات تحرج الناطقين بها أكثر من نصوصها وتعبيراتها. وأية مقارنة بين تلك البيانات وخطاب رئيس الوزراء التركي أمام أعضاء البرلمان التركي مثلا لا يستطيع المراقب ان يجد فيها ما يحسب لصالح أصحاب البيانات الكلامية تاريخيا، دع عنك أنهم يحسبون أنفسهم أهل القضية!.
هل هذه مجزرة أم لا؟ جريمة قتل عمد لأبرياء وفي مياه دولية"! سؤال مهم وكبير، برسم من يدعون أنهم أصحاب الرد عليه واجبا وإدارة ومسؤولية. وكيلا ترسل الصور التي نشرت إلى المتحف أو تنسى الأحداث كما حصل بسابقاتها وبأمثالها. حسب سؤال صحيفة الغارديان
(2/6/2010) هل سيتغير شيء على ارض الواقع أم ان النسيان سيطوى ذكرى القتلى الذين سقطوا وهم يسعون إلى فك الحصار عن غزة كما طوى النسيان مقتل راتشيل كوري وتوم هاريندال وجيمس ميلر؟. وتجيب: الدلائل الأولية مثيرة لليأس ولا تبشر كثيرا فالمبادرة المصرية لفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية مبادرة ذات أهداف سياسية لان ما تحتاجه غزة ليست المساعدات الإنسانية فقط بل ما حملته السفن من مواد مثل الحديد والاسمنت ليتمكن سكان غزة من إعادة أعمار المنازل التي دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة على القطاع. وأشارت الصحيفة إلى موقف إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما من مشروع البيان الذي تقدمت به تركيا إلى مجلس الأمن الداعي إلى إدانة الجريمة التي تعتبر انتهاكا للقانون الدولي وطالب بإجراء تحقيق مستقل تقوم به الأمم المتحدة وتقديم المسؤولين عن الهجوم إلى العدالة. فماذا فعلت إدارة اوباما الذي وعد بفتح صفحة جديدة؟ لقد عادت إلى أسلوبها القديم عبر الالتفاف على المطالب التركية العادلة وتغيير نص المشروع بحيث تم استبدال عملية إطلاق النار بكلمة "أعمال" وتوزيع المسؤولية عما جرى بين النشطاء و"إسرائيل". فيما أكد الأمين العام لجامعة الحكومات العربية عمرو موسى في تصريحات مواكبة له: أن عنوان هذه المرحلة يجب أن يكون رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع عزة أو كسره. ( أين ذهبت الملايين التي جمعت لإعادة بناء غزة؟!). وشهد اجتماع وزراء الخارجية مطالبات من دول عربية بوضع آليات محددة لكسر الحصار، كما جدد وفد سوريا الطلب بوقف كافة أشكال التطبيع مع “إسرائيل”، لكن مصدرا دبلوماسيا عربيا شارك في الاجتماع استبعد الموافقة العربية على هذا المقترح. فإذا كان اضعف الإيمان بما يتوجب ان تقوم به جامعة الحكومات لم تستطع عليه، فكيف يمكن ان ترتدع قوات الاحتلال الصهيوني مستقبلا وهي تدري بما في نفوس كثير من آل النظام الرسمي العربي؟. إنها مجزرة، وانتهاك للقوانين والشرائع الدولية والإنسانية، ولابد من المحاكمة والقصاص لمن اقترفها وبرر لها ما حصل، وان دماء الشهداء يجب ألا تذهب هدرا. وكان يجب ان يكون الموقف العربي الرسمي أقوى من موقف نيكاراغوا، على الأقل خجلا منها!.