السبت، 6 فبراير 2010

واشنطن – بغداد: البحث عن حل..!

الجمعة 29/1/2010
جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي باراك اوباما مكلف سياسيا من البيت الأبيض بملف العراق. ولهذا يقوم بزيارات دورية إلى العراق ويلتقي مع من يرغب هو والإدارة لإيصال رسالة أمريكية والإشراف على كل ما يجري في العراق ورفع تقرير لما حصل ويحصل من تطورات قد تؤثر على الأوضاع التي تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية بحكم الواقع والقانون الدولي المسؤولية عنها ولحماية وجود قواتها ومرتزقتها داخل العراق وخارجه. هذه مهمة بايدن الواقعية وتعبر عنها بوضوح زيارته الأخيرة إلى بغداد، وهي ضمن سلسلة من الزيارات الميدانية والاتصالات المباشرة بين العاصمتين، واشنطن- بغداد، للبحث عن حل للمآزق المتجددة. ومع كل زيارة سرية أو علنية يلتقي أولا بقيادات قوات الاحتلال الأمريكي وأركان السفارة الأمريكية، التي عرفت بأنها اكبر سفارة أمريكية في العالم، تضم آلاف الموظفين من أجهزة المخابرات الأمريكية والدبلوماسيين وغيرهم، ومن ثم المسؤولين العراقيين، لإكمال المهمة وفقرات التقرير المطلوب، وبعدها قد يعقد مؤتمرا صحفيا للرد على أسئلة متفق عليها لإرسال رسالة عامة لمن يهمه الأمر من هذه الزيارة. واغلب الزيارات العلنية التي يقوم بها ترتبط إعلاميا بإحداث معينة في العراق، ولهذا تصبح هذه الإحداث هي العناوين البارزة للزيارة في وسائل الإعلام العربية والعراقية والعالمية أحيانا، وقد تروج لها الإدارة الأمريكية عبر وسائلها المعروفة ومن ثم ترد علها إثناء المؤتمر الصحفي أو الناطقين الرسميين الأمريكان، من البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية، أو عبر وسائل الإعلام الأمريكية نفسها التي سربت بعض المهام. وكأنها المخارج الفعلية لما يحصل من أزمات أو خلافات بين القادة السياسيين، وتبين من خلال ما سجل إعلاميا لبايدن من ادوار، كما نشرت وسائل الإعلام عنها، في العام الماضي في مثل إخراج قانون المجالس المحلية من مأزق السجالات السياسية بين الكتل البرلمانية، وكذلك حول ما سمي بالتوسط بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، بالإضافة إلى دفع الإطراف والكتل السياسية إلى تمرير قانون الانتخابات الأخير بعد تقديم ضمانات أميركية إلى الأكراد. وهي من جهة أخرى تعطي صورة متناقضة لما هي عليه الامور في بلاد الرافدين حول قدرات القيادات السياسية والكتل والأحزاب من ادعاءات الاستقلالية والوطنية والديمقراطية وغيرها بينما توضح ان ما يقوم به بايدن، أو الإدارة الأمريكية مرسوم له بدقة، ومتدرج في صفحاته وتوجهاته، من التهديد بخطته المشهورة والتي جمدت بعد وصوله إلى المنصب الحالي، والى الضغط والاتفاق على تنفيذ مخططات الإدارة الأمريكية في العراق، ومن بينها ما سمي بالاتفاقيات الإستراتيجية بين العاصمتين، منذ الإدارة الأمريكية السابقة، وتطوراتها على الأرض. وهي في كل الأحوال تكشف ما تحت السطور في كل الخطابات المعلنة والمنشورة أو المبطنة أو المستترة أو المستورة في اللقاءات الثنائية ولغة الوجوه المتعبة في صور وسائل الإعلام التي تنشرها بعد كل ذلك. وواقع الحال ووقائعه بكل ما يقال عنها ليست في مصلحة الشعب العراقي ومستقبل أجياله وتمتعه بثرواته وأمنه واستقراره، وفقدان الأمل في التغيير، لاسيما بعد هذه الأوضاع التي تتطلب زيارة نائب الرئيس الأمريكي لبغداد لتقديم وجهات نظر فيما يعلن من أزمات داخلية، آخرها، مثلا، قرارات هيئة المساءلة والعدالة واللغط الذي صاحبها.
زيارة جو بايدن الأخيرة ولقاءاته مع ما أعلن عنه من مسؤولين وما نشرته وسائل الإعلام تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية ما يحصل داخل العراق من تفجيرات وصراعات سياسية من جهة وما يتطلبه الوضع من مثل هذه التدخلات والجهات التي تحتمي بها أو انتظار رجائها، في وقت ترفع شعارات وطنية معارضة لمثل هذا التدخل الاستعماري المفضوح، الذي لا يمكن بعده الادعاء بكل تلك الشعارات واللافتات والضحك على الذقون من جهة أخرى. وتأتي هذه الزيارة إلى بغداد مع دعوات رسمية من واشنطن لمسؤولين عراقيين للتشاور وتبادل الصور الفوتوغرافية والرهانات والعمل المشترك لتحقيق مصالح الاحتلال وإيجاد الحلول التي تلائمه وتخفف عنه تعرجات الخارطة السياسية الداخلية وتقديم مصالحها قبل كل صور الاستقبال الدبلوماسية والعلاقات العامة، وهذه حالة مكررة تاريخيا ولم تتعلم من دروسها كل القوى التي من المفروض أنها خبرتها وتلوعت بتجربتها الملموسة معها.
إذا افترض ان زيارة بايدن كانت استجابة لدعوات من أطراف عراقية تعرضت لإجراءات سياسية تحرمها من المشاركة في الانتخابات القادمة، والتي اعتبرها بايدن في تصريحات سابقة بأنها مهمة جدا وسترسم خارطة المستقبل العراقي وكرر مثل هذه التصريحات وقدم اقتراحات لتأجيل الإجراءات إلى ما بعد الانتخابات، حلا للازمة التي ادعى احد المتكلمين من بغداد ان بايدن وجه رسالة صارمة حولها لبغداد. وأضاف ان «الإدارة الأميركية تخشى حرمان هؤلاء ...، وهذا يضر في نتائج الانتخابات وصدقيتها قبل إجرائها، ما يفتح العراق على مرحلة اضطرابات سياسية عكس ما تسعى إليه الإدارة الأميركية». فان هذا الاستنتاج هو القضية الأولى في مهمات أو دفتر الزيارة، الذي تعمل الإدارة عليه والذي يتلخص في "تضبيط" الوضع السياسي في ضوء المخطط الاستراتيجي الذي رسمته الإدارة الأمريكية وقيادة الصراعات الداخلية حول كراسي الحكم والبرلمان قبل الادعاء بالانسحاب الأمريكي من العراق وإبقاء القوات المقررة والقواعد العسكرية الإستراتيجية المحددة. ولتضمن القضية الثانية وهي المتعلقة في البترول والشركات التي تتكفل به لعقود قادمة، وهذا ما قاله بصراحة بايدن في لقائه مع وزير النفط العراقي الحالي. والقضية الثالثة في الملف العراقي هي القضية الكردية وأقليم كردستان وتهديدات مسؤولين فيه وردود الأفعال حولها، ومن ثم المواقف منها، وما يتطلب أمريكيا قبل ان يكون عراقيا.
هذه الإشارات والقضايا تصاحب زيارة بايدن إلى العراق، دائما، ومن جديد، تدور في دائرة الرؤية الأميركية لتنفيذ مخططاتها، والتي تعلن بوضوح اهتمامها الكامل بمصالحها أولا وأخيرا.