الأحد، 27 ديسمبر 2009

غزة تحت الفسفور الأبيض وقبل جدار الموت

الجمعة 25/12/2009
هكذا تجري الأيام سريعا، عام ينصرم على بدايات مشاهدة العالم لأسلحة التدمير الصهيونية، بأشكالها المرعبة، لاسيما الفسفور الأبيض، في سماء غزة، ومحنة أهاليها العزل، إلا من عزيمتهم على التصدي للعدوان والحرب على غزة. وخلال العام مرت أشياء كثيرة، من أبرزها تقرير لجنة القاضي العالمي غولدستون الذي وضّح بان ما حصل في غزة يرقى إلى جرائم حرب وضد الإنسانية، وكذلك تقارير العديد من المنظمات الإنسانية التي أبرزت ضرورة الإسراع في تقديم الدعم والعون للأهالي الضحايا الذين صبت آلة الدمار الصهيونية عليهم من البر والجو والبحر حممها ودمرت مساكنهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومساجدهم وألقتهم في العراء، بين السماء البعيدة والأرض المحروثة بشظايا الأسلحة والصراعات الداخلية.
تقرير غولدستون تعرض هو الآخر إلى حملات صهيونية أوصلته إلى الصمت أو الانتظار رغم كل الحقائق والوقائع التي حملها واستند إليها وتعزز بها، ليعكس بحالته طبيعة احترام العالم، الشرعية الدولية، مجلس الأمن، الهيئات المدافعة عن القانون الدولي وحقوق الإنسان لواجباتها ومهماتها ويضعها أمام نفسها، والمرآة الدولية، ضمير الإنسانية من جديد. وكذلك ما صدر من بيانات واجتماعات عربية ودولية وقرارات وتصريحات، كشفت كم هي واهية ومهلهلة هذه المنظمات والاجتماعات العربية والدولية ومن مثلها أو اشترك فيها وخدع نفسه أو من أرسله إليها، لتصبح الحقيقة انصع منها، وتتحدث القضية بلسانها الحاد، بعد عام من الكارثة، من المأساة، من المحرقة!.
أكثر من مليون ونصف مليون مواطن محاصر في قطاع غزة. والعالم أغلبه صامت يتفرج ويتحدث بلسان العدو الصهيوني فقط متناسيا قوانينه وحقوق الإنسان واتفاقياته الدولية وشرائعه السماوية والأرضية، وأخيرا ضميره. الذي حرك الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ليزور القطاع ويكتب عنه ويطالب بإعادة بنائه والإسراع في إنقاذ سكانه. ويصرخ في مقاله الأخير عن غزة مواسيا: فصرخات المشردين والمرتجفين من البرد تتطلب المساعدة الفورية. ويختم مقاله بالقول إن هذا هو وقت الفعل الجريء، وموسم العفو والمصالحة والسلام.. وحتى هذا الإنسان لم يسمع له أو لم يرغب المتنفذون في القرار الدولي لصوته ان يصل ويأخذ برأيه، ولا رأي وصرخة الأب الجنوب إفريقي ديزموند توتو الذي سمع ورأى وتحدث، خلاف غيره من المتفرجين الصم البكم، عربيا وإسلاميا ودوليا.
16 منظمة دولية غير حكومية انتقدت بشدة المجتمع الدولي لفشله في إنهاء حصار قطاع غزة، في تقرير أصدرته في الذكرى السنوية الأولى للحرب الإجرامية او المحرقة. ولم يقتصر انتقاد التقرير على الكيان الإسرائيلي، بل طال المجتمع الدولي. الذي قال عنه مدير منظمة اوكسفام البريطانية جيرمي هوبز إنه خذل مواطني غزة. وأضاف: "لقد فركوا أيديهم وأصدروا البيانات، لكنهم لم يتخذوا إجراء ذا مغزى لتغيير السياسات المدمرة التي تحول دون إعادة البناء وتعافي الإفراد وتنشيط الاقتصاد". وخلص إلى ان "القوى الدولية خذلت بل وخانت مواطني غزة العاديين". ومنذ العدوان الصهيوني على غزة قبل عام لم يسمح سوى لنحو 41 شاحنة مواد بناء بدخول القطاع، وهو بحاجة إلى آلاف الشاحنات. وطالب التقرير الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات عاجلة لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وزيارته للإطلاع مباشرة. وأسفت المنظمات لأن الحصار “أدى أيضاً إلى إنقطاعات متكررة للتيار الكهربائي والغاز والمياه مع انعكاسات كارثية على الحياة اليومية والصحة العامة” . ولفتت إلى أن الحصار المطبق الذي بدأ في يونيو/ حزيران 2007 أدى إلى “تفاقم الفقر إلى حد كبير وأسهم في جعل 80% من السكان يعتمدون على المساعدة” الدولية .. هل يكفي هذا التقرير تقريعا ونقدا؟ وهل قرأه ذوو القربى؟ وماذا بعد؟.
أشارت تقارير إعلامية وأعقبتها تصريحات سياسية مرتبكة إلى أن حكومة مصر بدأت هذا الشهر بناء جدار من الفولاذ داخل التربة في المنطقة المحاذية للحدود مع غزة بهدف إيقاف عمليات التهريب. وقالت التقارير (بعد منتصف كانون الأول/ ديسمبر) إن الجهات المصرية أنجزت حوالي نصف المسافة من السور البالغ طوله حوالي 13 كيلومتراً والذي يهدف إلى إغلاق الأنفاق المستخدمة في عمليات التهريب. وأوضح مصدر فلسطيني من غزة تفاصيل الجدار الذي يجري تشييده مبيّناً "أنه مشروع مزدوج، الخطوة الأولى منه قطع فولاذية تدق في الأرض يتداخل بعضها في بعض ويزيد سمك الواحدة منها عن 15 سم ويصعب اختراقها، والخطوة الأخرى إيصال أنبوب ضخم من طرف البحر على جانب الحدود تتفرع عنه أنابيب عمودية داخل الأرض بعمق 30 متراً ثم تضخ المياه من البحر عبر هذه الشبكة وستتحلل الأرض وبالتالي تمنع الأنفاق بشكل كامل. وقال إن ذلك سيؤدي إلى انهيارات ترابية ستكون على الأرض الفلسطينية وهو الأمر الذي يدحض أن إقامة الجدار هي شأن مصري داخلي". هل هذا صحيح في ذكرى عام على العدوان والحرب؟ وهل صحا أصحاب قراره الآن؟ ماذا يعبر هذا الجدار؟!. وفي الوقت الذي تجري فيه المطالبات بكسر الحصار عن شعب غزة وإعادة أعمارها وتعويض المتضررين من سكانها ومناشدة العفو منهم والاعتذار العربي والإسلامي خصوصا منهم.. ينشر هذا الخبر الذي أطلق عليه جدار الموت الفولاذي.
الخداع الدولي بات مكشوفا ولكن للأسف يبرر أو يجد له ممراته والصمت المطبق على مجريات الواقع في غزة وصمة عار كبيرة. هل يجوز ان يتحرك نشطاء متضامنون من أنحاء العالم متجهين إلى غزة ويحملون لسكانها معونات إغاثة إنسانية ويمنعون أو يحاسبون عند الحدود العربية لغزة؟ هل يصدق ما يحصل، ومتى؟!.
الحكومات الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تنافق وتدجل منذ تشكيلها للرباعية ومنذ اختيارها لتوني بلير ممثلا لها فيها وقد سبقه أمثاله في تضيع الوقت وتشديد الحصار وابتداع المبررات في تمديد الحصار الإنساني والغذائي قبل غيره وتحت نفس الحجج والذرائع المعروفة والتي لا تحتاج إلى خبراء دوليين لصياغتها.
غزة بعد عام من الفسفور الأبيض أمام جدار الموت!!. يا للعار!!.