الجمعة 4/9/2009
توزع الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها العسكرية على أركان المعمورة، وباستمرار تتزايد أعدادها، وأنواعها، والهدف منها لا يحتاج إلى كثير جهد لمعرفته، ملخصه فرض الهيمنة الإمبراطورية وانتهاك سيادة واستقلال الدول والضغط بقوتها العسكرية الإمبراطورية ونفوذها الاستعماري لتحقيق مصالحها الإستراتيجية. ولعل أوضح صورة لها حاليا قائمة في احتلال العراق وأفغانستان ودعمها للقاعدة الإستراتيجية في قلب العالم العربي. ومؤخرا محاولاتها وخططها للعودة إلى ما تسميه وسائل إعلامها بالحديقة الخلفية لسياساتها في أمريكا اللاتينية الجنوبية بعد الانتصارات التاريخية لقوى اليسار والتغيير الديمقراطي في العديد من بلدانها، والتحولات الديمقراطية في اغلبها. إن سياسة قواعد عسكرية وإستراتيجية أمريكية واتفاقات عسكرية سرية وعلنية لم تعد ولا تحصى في إنحاء العالم، إضافة إلى مجمعها العسكري والفضاء الخارجي هي جوهر الإستراتيجية الإمبراطورية الأمريكية لكل الإدارات.
مؤخرا عقدت الولايات المتحدة الأمريكية مع كولومبيا، عضو اتحاد دول أمريكا الجنوبية "اوناسور" اتفاقيات عسكرية لبناء قواعد عسكرية، وحصلت على خططها مع رئيس هذه الدولة، والحجج والأسباب جاهزة لكل الإطراف. مما أثارت توترا في المنطقة واستقرارها وخشية من توسع أهدافها، المعلنة وغيرها. معيدة بهذه الاتفاقيات محاولة العودة من جديد في السيطرة والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للبلدان الأمريكية الجنوبية. وهذه الخطط والاتفاقيات لا تخفي مصالحها في تلك البلدان ودقت نواقيس الخطر لدى قياداتها لما تحمله لهم من خطورة وتنذر من عواقب، لاسيما وقد زودتها التجربة التاريخية دروسا كافية منها. وزادها الانقلاب على الرئيس المنتخب في هندوراس، والدعم العسكري الأمريكي للانقلابيين دليلا إضافيا.
إستباقا لتصاعد هذه التطورات بادرت القيادات الأمريكية اللاتينية إلى عقد اجتماعات ولقاءات على مختلف المستويات، وبادر الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا بالاتصال بالرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل عقد قمة اوناسور الطارئة وإبلاغه القلق من الاتفاقية العسكرية والقواعد والحذر من تداعياتها، وفعلا تحدث الرئيسان عن التطورات الجارية في المنطقة، خاصة القواعد العسكرية في كولومبيا، وسياسة "الأمر الواقع" في هندوراس المستمرة منذ حوالي شهرين.. وأوضح الرئيس البرازيلي للأمريكي عن إجماع الرؤساء الأمريكيين اللاتينيين على أن الوضع "منذر بحرب"، حسب الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، أو أصبح يتطلب "كلام رؤساء"، حسب الرئيسة التشيلية ميشال باشليه. ومؤكدا له، حسب الإخبار، "أن موضوع القواعد لا يخص فقط بلداً (كولومبيا) ويختلف معه بلد آخر (فنزويلا)، الموضوع يقلق الجميع ويعنيهم". وطالب بـ"ضمانات قانونية من الولايات المتحدة الأمريكية للآخرين". وأصرّ لولا على نقل الخلاف الكولومبي- الفنزويلي إلى مصارحة بين الولايات المتحدة ومجموعة بلدان أوناسور، طالباً من أوباما تحديد موعد ومكان يناسبانه للاجتماع مع رؤساء الأوناسور.
في قمة الاوناسور التي عقدت مؤخرا في الأرجنتين أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، أن الاتفاق العسكري الأمريكي الكولومبي المثير للجدل يتضمن "إستراتيجية هيمنة شاملة للولايات المتحدة". وطلب شافيز من كاميرات التلفزيون إن تصور من قرب كتاباً أبيض من قيادة سلاح الجو الأمريكية كانت لديه نسخة منه، ورد فيه أن قاعدة بلانكيرو الكولومبية ستسمح للقوات الأمريكية بحرية التحرك، وشدد على أن "الأمر يتعلق كما يتضح بالتنقل لشن الحرب". وأضاف شافيز أن هذه وثيقة حديثة من القيادة الجنوبية للبنتاغون، قائمة حول توفير تسهيلات لوجستية تغيّر مفهوم المحطات التقليدية. وفي الوثيقة، ذكر لبالانكرو، إحدى القواعد الكولومبية المشمولة بالاتفاق، بـ"الإستراتيجية... وليس فقط لمحاربة المخدرات، بل أيضاً لتأمين الحركية المطلوبة... لأنها وحدها تسمح لنا بتأمين رقابة أكثر من نصف القارة الأميركية الجنوبية دون الحاجة إلى الوقود". ووضع شافيز، الذي استشهد بدور القواعد العسكرية الأميركية في الانقلاب الذي كاد أن يطيح به وأيضاً في الانقلاب الأخير في هندوراس، مسألة القواعد في إطار خطط الإمبريالية الأميركية الشاملة. واقترح أن تدرس الوثيقة الأميركية في إطار مجلس الدفاع في أوناسور وأن يعقد اجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، مثنيا على اقتراح الرئيس البرازيلي..
وعقب الرئيس الفنزويلي: "في هندوراس عندما خطف الرئيس مانويل زيلايا ونقل جوا وسط فوهات البنادق، هبطت تلك الطائرة قبل أن تحط في كوستاريكا في قاعدة عسكرية تملكها الولايات المتحدة قرب تيغوسيغالبا في بلميرولا" .
من جهته، دافع الرئيس الكولومبي الفارو اوريبي عن الاتفاق العسكري مع واشنطن، مؤكدا أن كولومبيا "لا تتخلى عبره عن سيادتها"، مضيفا أن ما أعطي "للولايات المتحدة للمساعدة في مكافحة تهريب المخدرات لا يعني أن تتخلى كولومبيا عن سيادتها على ميليمتر واحد من أراضيها"، وأشار إلى البند الثالث من الاتفاق الذي ينص على عدم إمكان استخدام هذه القواعد للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. وطلب رئيسا فنزويلا والأكوادور من الرئيس الكولومبي عرض نص الاتفاق الأمريكي الكولومبي إمام القمة، معتبرين أن "من المهم" إطلاع كل الدول عليه ومناقشته والعمل على حفظ الاستقرار والأمن الإقليمي والتحذير من التدخل الأجنبي في شؤون البلدان الأمريكية الجنوبية.
اختتمت القمة ببيانات تؤكد على ضرورة حماية البلدان من كل الإخطار الخارجية والمطالبة بوثيقة أخرى تبين سياسات الدول والضمانات لها بعدم العدوان عليها، وان تصبح قرارات أوناسور ملزمة، وأن يعطى مجلس الدفاع صلاحيات للتدقيق بالقواعد وأيضاً بعقود التسلح وبالأحلاف العسكرية. وطالبت بأن تحدد أوناسور مواقف مشتركة من الأمازون ومن الحرب على المخدرات ومن غيرها من التحديات المباشرة.
قمة الدول الأمريكية الجنوبية "الاوناسور" قدمت تنبيها واضحا من خطورة القواعد العسكرية الأمريكية وكشفت إلى حد ما قدرتها على تجاوز الخلافات الحادة بين زعمائها واستمرارها، لا كما أرادت السياسيات الأمريكية، وخططت لها، وبينت خطب الرؤساء أن ما حصل يثبت أن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة لا تختلف عن سابقاتها إلا باللون, وهذه القواعد الجديدة بداية لها.