الاثنين، 8 يونيو 2009

هل انتهت الحرب الباردة؟

الاثنين 1/6/2009
لماذا تجري الإشارة الآن إلى الحرب الباردة بعد أن مرت مياه كثيرة في نهر العلاقات الدولية؟، وهل تساؤل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في عنوان مقاله "كيف نضع حداً نهائياً للحرب الباردة؟" إشارة معبرة عن القلق من عودتها ولو بأشكال أخرى، وما هو الدور الأوروبي في ذلك؟.
مقال لافروف الذي نشره الموقع الإلكتروني لوزارته، كتب فيه: "نحن راضون عن تطور علاقاتنا مع الإدارة الأمريكية الجديدة. نحن متفائلون بحذر ويبدو أن شركاءنا الأمريكيين يشاطروننا موقفنا". وأضاف إن "الثقة المتبادلة تزعزعت منذ وقت طويل وسيلزم وقت طويل لإعادة بنائها. المهم هو أنه لا يمكننا أن نسمح بانطلاقة خاطئة مجدداً". هذه الأسطر المتداخلة بين الرضا والقلق هل هي نتيجة للحال القائم أم توقعات سياسية؟. وماذا استهدف الوزير من مقاله لاسيما نشره قبيل انعقاد القمة الأوروبية الروسية، والتي رغب فيها الطرفان بناء علاقات استراتيجية جديدة بينهما؟. ومعلوم أن العلاقات بين واشنطن وموسكو قد تدهورت كثيرا لأسباب متعددة، خصوصا في عهد الرئيس الأمريكي السابق بوش الثاني وبعد مشروع الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ التي أرادت واشنطن نشر أجزاء منه في أوروبا الشرقية، تحديدا في بولونيا وتشيكيا، (وتترأس تشيكيا الاتحاد الأوروبي حاليا)، وكذلك بسبب الدعم العسكري والسياسي لجورجيا في نزاعها مع روسيا في آب/ أغسطس 2008، وغيرها من الملفات المتشابكة والساخنة بين روسيا من جهة والغرب عموما من جهة أخرى، وليس على الساحة الأوروبية وحسب.
القمة الروسية الأوروبية الأخيرة في مدينة خاباروفسك بأقصى الشرق الروسي (21-22/5/2009) أعطت مؤشرات إضافية لمقال لافروف وكشفت تصريحات المشتركين فيها إلى حاجة مشتركة خفية للتوافق والتفاهم بين الطرفين ولمصالحهما في القضايا المتصارع عليها دوليا، والابتعاد عن إعادة إنتاج حرب باردة رغم الضغوط والممارسات المثيرة لها. وشملت القمة بحث الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وامن أوروبا في مجال الطاقة وقضايا الأمن الأوروبي - الأطلسي. وهي ذات القضايا المحورية بين موسكو وواشنطن أيضا.
إلا أن وزير الخارجية الروسي في مقاله وقوله بان بلاده والولايات المتحدة لا يمكنهما السماح بانطلاقة خاطئة في علاقاتهما بعد عشرين عاماً على انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي، يضع الأمر أمام التساؤل المطلوب حاليا بعد تغير الإدارة الأمريكية أيضا ويسعى إلى وضع معادلات أخرى لعلاقات جديدة تبدأ من الجيران والحلفاء وترسم سياسات استراتيجية للسلم والأمن في العالم. ولعل إشاراته هذه تأتي أهميتها من توقيتها وحسابها للقمة الروسية الأوروبية وللقمم الأخرى القادمة ولمناقشة مقترحات وحلول وبرامج عمل استراتيجية تبعد العلاقات الدولية من مخاوف الصراعات الحادة وتوفق بينها. وكان وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس قد قال مثل هذا القول قبل اكثر من عام بعد نقاشه العلني ورده على اتهامات الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين في لقاء ميونخ للأمن الأوروبي على استفراد القطب الدولي الواحد وابتعاده عن الشعارات الديمقراطية التي كانت دولته تتغنى بها وتحارب العالم باسمها. ولكن هل التزمت الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية بأية قواعد مطمئنة لحفظ السلم والأمن وعدم التدخل العسكري وإشعال الحرائق خارج حدودها؟. الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف من التدخل المباشر في أغلب بؤر التوتر العالمية وهي مستمرة في توجيه إشارات سلبية لاستمرار الحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين، خاصة بعد تعافي الوضع الروسي، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وعودة روسيا قوة أساسية دوليا. وتحاول واشنطن ضمن استراتيجيتها إضعاف دور روسيا وحلفائها وإبعادها عن القرار الدولي ومحاصرتها بمختلف السبل والأساليب.
جدول أعمال القمة الأخيرة أشار إلى الأهمية والرغبة المتبادلة في بحث المهمات الدولية والثنائية المشتركة وتفهم سياسات الإمبراطورية الأمريكية التي قد تشمل كلا الطرفين المجتمعين في القمة رغم تباين مواقف وأدوار كلا منهما في التعاون والتنسيق الدولي مع الولايات المتحدة. ولكن تناولها وبما قد يجري التعرض له في لقاء "الثمانية الكبار" المرتقب في تموز/ يوليو والقمة الجديدة لـ"مجموعة الـ20" المقررة في أيلول/ سبتمبر، أضاف لها وللطرفين قدرات معالجة شؤونهما الحاضرة والمستقبلية باهتمام مباشر وصريح. وبلا شك بحث كل طرف ما ينفع مصالحه، وما يخدم أهدافه، رغم أن هناك رؤية روسية تقول، كما علق المحلل السياسي تيموفي بارداشيف بأن "روسيا قوة سياسية واقتصادية صاعدة, والقوى الصاعدة لا تريد الاتفاقات لأنها تقيد يديها، والاتحاد الأوروبي في طريق الهبوط, ولذلك يبحث عن مثل هذه الاتفاقات مع روسيا". فهل هذه الإضاءة محكا لمثل هذه القمة؟. وهل تساعد في الجواب على سؤال الوزير الروسي؟.
مهما تكن نتائج القمة مشتركة للطرفين إلا أن ما يجري على الساحات المحيطة بهما من صراعات أخرى تؤثر وتتأثر باتجاهات التغيرات والتحولات المتنامية في القارة الأوروبية والغرب عموما، لاسيما توجهات القيادات الأمريكية في سياسات الهيمنة الإمبراطورية. بالرغم من السياسات الناعمة التي يحاول الرئيس الأمريكي اوباما القيام بها حاليا إلا أن مؤشرات سياساته في اكثر من مكان في المعمورة لا تطمئن الوضع الدولي وقد تعيد الكرة مرة أخرى لحقبة من الحرب الباردة وتصارع الأقطاب الدوليين. فالتدريبات العسكرية الأطلسية على أراضي جورجيا، وتوسع حلف الأطلسي، وتهديدات الحرب في أفغانستان وباكستان على الحدود الروسية الجنوبية، وقضايا الصناعات النووية الكورية والإيرانية والحرائق التي تشتعل هنا وهناك لا تريح واضعي السياسات الروسية والدول الأخرى في المناطق المعرضة للنزاعات المخططة والمنتظمة في البنتاغون والاستراتيجيات الأمريكية الصهيونية المشتركة. وهذه السياسات تشير إلى أن تساؤل وزير الخارجية الروسي ليس عنوانا لمقال فقط !.