السبت، 22 نوفمبر 2008

توسيع العدوان وتخبطه دليل فشل مشروعه

الجمعة 14/11/2008
حين أدركت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية فشل استراتيجية حربها على فيتنام بسبب قوة المقاومة الشعبية وعزيمة الشعب الفيتنامي، وسّعت من حربها على جيران فيتنام واستخدمت وسائل القصف والتدمير وحرق الأحياء الآهلة بالسكان المدنيين الأبرياء انتقاما وإبادة قبل هروبها. وهذا ما يتكرر اليوم في جريمة احتلال العراق وفشل المشروع. فبعد كل المناورات لفرض الاحتلال بالقوة العسكرية وتمرير اتفاقية استراتيجية لاستمرار الاحتلال بطرق أخرى، تقوم بما يؤكدها، باتفاق مشترك بين دولة الاحتلال وحكومة تحت الاحتلال، تستهدف بالأساس تحويل العراق إلى قاعدة أخرى إضافية لدعم وظائف القاعدة الاستراتيجية الأولى في العالم العربي في العدوان والهيمنة ليس على العراق وحده وإنما على جيرانه وابعد منهم.
يوضح ذلك تصعيد تهديدات المسؤولين الأمريكيين وتحذيراتهم عن حماية الحكومة والأمن في العراق إذا لم يتم توقيع الاتفاقية، وفتح المجال أمام فرق التفجير والموت واسعا، مما ذهب بأرواح العشرات من المدنيين في مدن مختلفة من العراق وخارجه. وقد يكون ما نشر في وسائل الإعلام المختلفة من نشاطات سرية وعلنية، عسكرية واستخبارية، بقرارات وأوامر مباشرة من وزارة الحرب أو البيت الأبيض، تحت تسمية مكافحة "القاعدة" والإرهاب تشابه متواصل وأدراك مسبق للنتائج. وهكذا يأتي في السياق توسيع العدوان والهجوم على الجيران. والمثال جريمة قصف قرية السكرية في البوكمال السورية، ومقتل مدنيين سوريين فيها، بطائرات أمريكية ومن قواعد عسكرية من الأراضي العراقية المحتلة. ومنها ما يشن يوميا من حملات إعلامية واستخبارية على إيران، رغم كل ما تسربه أحيانا عن مفاوضاتها لغايات في نفسها وإثارة استجابات لها. ولعل ما نشره الصحافي المعروف سيمور هيرش في تحقيقين له عن الموضوع كافية لتفسير بعض المخططات التي ترسم لسيناريوهات البدائل للانسحاب الأمريكي من العراق وإعادة إنتاج جرائم حرب فيتنام.
تضيف لها اعترافات عصابات البنتاغون من المحافظين الجدد وتفضح استمرار خطرها. فقد نقلت صحيفة دي تسايت الألمانية عن مسؤولين سابقين في البنتاغون بأن الحرب على العراق كانت ضد عدو خطأ، وأن إيران كانت هي العدو الحقيقي ومطالبتهما الآن بعد خراب العراق بشن الحرب عليها. فنسبت الصحيفة لدوغلاس فيث، وكيل وزارة الحرب حتى أوائل عام 2005، ومن ابرز مفكري المحافظين الجدد، إقراره بأن ارتباط إيران القديم بمنظمات معادية للولايات المتحدة، وسعيها لتطوير برنامجها النووي، كان كافيا لاعتبارها العدو الحقيقي وليست العراق. ونقلت دي تسايت عن بول وولفويتز، نائب وزير الحرب السابق والمخطط الرئيسي لغزو العراق، قوله "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول استسهلنا الحرب على العراق، وضرب إيران لم يكن ممكنا لنا بسبب عدم وجود أي تأييد دبلوماسي أو سياسي دولي حينذاك على العكس من بغداد التي صدر ضدها 16 قرارا من الأمم المتحدة". وأضاف "مثّل العراق هدفا سهلا في حين كانت إيران عدوا غير مرغوب مواجهته بسبب مساحتها الشاسعة التي تساوي أربعة أمثال مساحة العراق وتعدادها السكاني الكبير". وتبرأ وولفويتز وفيث وثالثهما ريتشارد بيرل، المستشار ورئيس مكتب سابق بالبنتاغون، من المسؤولية عن قرار غزو العراق مؤكدين أن الوزير السابق دونالد رامسفيلد هو المسؤول وحده عن قرار احتلال هذا البلد. وقال وولفويتز "لم أكن أنا المسؤول عن قرار الغزو مثلما نشر عني في كل مكان"، وأشار فيث إلى أنه لم يكن له أية صلاحية لإصدار الأوامر، وذكر بيرل "لم يكن لثلاثتنا سوى دور ثانوي في الحرب على العراق لأن جميع القرارات أصدرها رامسفيلد ولم يكن لنا تأثير حقيقي رغم أننا تمنينا امتلاك هذا التأثير". (أخبار يوم 30/10/2008).
تفند الاعترافات المتأخرة نشاطاتهم الإعلامية حينها وما نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن أوامر سرية لتنفيذ ضربات عسكرية على تنظيم "القاعدة" في سوريا وباكستان وأماكن أخرى في العالم. ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية واستخبارية سابقة وحالية قولها إن الضربات العسكرية التي شنتها قوات عمليات خاصة، نُفذت بناءً على قرار موقع من رامسفيلد عام 2004 ومن الرئيس بوش. ويُعطي الأمر القوات العسكرية السلطة في مهاجمة شبكة "القاعدة" في أي مكان في العالم خارج منطقة الحرب. واغلب هذه العمليات تتم بأوامر من القيادات الأعلى، وحسب مسؤول إن القادة السياسيين شاهدوا بعضها من مقر وكالة الاستخبارات المركزية في فيرجينيا عبر الصور التي التقطتها الطائرات الاستطلاعية. (أخبار يوم 11/11/2008).
ارتكاب هذه الجرائم والعدوان على السيادة والاستقلال الوطني وتشويه المصطلحات والشعارات وتنفيذ سياسات عدوانية ضد الشعوب والأوطان بهذه الوسائل والأساليب الإجرامية التي لا يمكن الصمت عليها تقول صراحة بتوسع العدوان وتخبطه وتدل على فشل تلك السياسات. وللأسف وقفت الأمم المتحدة شاهدا اخرسا وحكومات ذوي القربى حيالها، وكأنها تشاركها أو تتواطأ معها، وهي في الواقع تقوم بذلك ولابد من اليقظة مما ياتي بوعود التحولات الجديدة.
دول عدم الانحياز استنكرت العدوان على سوريا مثلا وأدانته باعتباره خرقا فاضحا للقانون الدولي ولسيادة سوريا وانتهاكاً لأهداف ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أية دولة، وعبّرت عن قلقها البالغ من "العواقب السلبية المترتبة على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة جراء هذا الفعل". ولكنها لم تطلب اتخاذ إجراءات محددة في رسالتها، ودعت إلى تحميل المعتدي عواقب قتل المدنيين السوريين الأبرياء. وهذا اضعف الأيمان.... ويبقى افضل من الفضائح الرسمية الأخرى.