الجمعة 20/6/2008
لم يعترف رئيس أمريكي بما ارتكبه شخصيا أو إدارته سابقا، إلا إذا صدمته الكارثة التي تسببت بها سياساته، ولم يعد عنده ما يمكنه من الإنكار، ويغلبه إحساس بذنب كبير قد يعذبه طويلا سواء دستوريا أو أخلاقيا أو ذاتيا.
وهذا ما حصل مع الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش في أوروبا. حيث وجد أن ما سببته سياساته من الأضرار المأساوية لم يحدث مثله سابقا، تجاوزا لهزيمة فيتنام وما لحقها. حتي ان صحيفة الاندبندنت البريطانية في افتتاحية لها سمت إرثه بالكارثة، (وهل هناك وصف آخر؟).
وهذا يعني أن هذا الرئيس فاق أسلافه بارتكاباته، ومن هذا المنطلق يستحق الوصف، والسؤال عن المسؤولية فيها، أمام شعبه والعالم، لأنها تترك آثارا وتداعيات متوالية وتسبب جراحا عميقة لا تنسي، وكلها من درجة عالية يعرّفها القانون بالجرائم الكبري. قرارات الغزو والحرب والاحتلال، من جهة، ومن ثم الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان فيها من جهة أخري، والخسائر البشرية والمادية الضخمة الأرقام من جهة ثالثة.
وهي أمور لا يمكن اعتبارها أخطاء أو تصرفات فردية وإنما هي مخططات مدروسة ويتحمل أصحابها المسؤولية عنها، ولا تتجزأ أو يجري التفاضل بينها، من أية جهة صدرت أو في أي مكان حدثت، كما لا يمكن التغاضي أو السكوت عنها، وهذا ما يتركه بوش لمن يخلفه. وقد يكون ما بحث ونشر من أرقام فلكية اقل مما هو في الحقيقة الفعلية وكذلك تداعياتها الأخري، مثل التوقعات التي وضعت عنها.
زار بوش دولا عديدة وصرح فيها بما أراد وتنكر أو تهرب أو مرر كثيرا من القضايا مثار الجدل فيها وعنها جراء سياساته وأصحاب القرار السياسي في بلاده من المحافظين الجدد الذين تساقطوا سريعا كالفئران من السفينة الغارقة، وتركوه وحيدا، وأمام نظرائه أو من هم بمسؤولياتهم في الضفة الأخري من الأطلسي، أقر بأخطائه التي اعتبرها هو وتمني لو عاد الزمن لتوقف عنها ولم يكررها، ولكنه، أيضا، لم يفصح عن الحقيقة وراءها، ولماذا اندفع لها وحصل ما حصل بعدها. فرغم صحوته المفاجئة ما زال مصرا علي احتلال أفغانستان والعراق والضغط لزيادة القوات فيهما والتعاقد لمعاهدات طويلة الأمد، وبناء قواعد عسكرية استراتيجية، وتكريس ثقافة الخداع والتضليل والاحتلال.
أظهر استطلاع رأي أجراه موقع صحيفة الديلي تلغراف البريطانية في أواخر شهر مايو الماضي أن عدد الأشخاص في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا الذين ينظرون إلي أمريكا علي أنها قوة شر وليست قوة خير يزداد باضطراد..
فقط في إيطاليا جاءت نسبة الذين ينظرون إلي الولايات المتحدة نظرة إيجابية أعلي من نسبة من ينظرون إليها نظرة سلبية. فإذا كانت هذه المواقف الشعبية في بلدان أوروبية، فماذا يبقي للولايات المتحدة الأمريكية في بلدان اعتدت عليها ودخلت معها في حروب وغزو وانتهاكات متواصلة؟.
الشعوب الأوروبية بنسب عالية ومتنامية تقف ضد هذه السياسات العدوانية والحروب، وعبرت عنها بالتظاهرات الكبيرة في كل المناسبات، ومنها ضد استخدام مطاراتها وسفنها سجونا واعتقال سجناء رأي فيها، وضد إجراء محاكمات صورية لآخرين فيها لم تثبت إدانتهم قانونيا وممارسة التعذيب الوحشي معهم، الذي أدانته منظمات إنسانية عامة ومنها أمريكية معروفة.
أثناء زيارته انشغل الرئيس الأمريكي ونظراؤه الأوربيون فيما يشغلهم وهو في توديعه الرسمي الأخير، لاسيما فيما يسمونه الإرهاب الدولي ومشاكل الطاقة والقضايا المشتركة بين ضفتي الأطلسي، وقد فرض أو تشارك في الكثير منها. إلا أن ما لفت الانتباه في كل البلدان هو التظاهرات الواسعة، والشعارات الرئيسة فيها التي أكدت علي عدم الترحيب به واعتباره مجرم حرب والمطالبة بمحاكمته ومحاسبته علي ما اعترف به في عواصمها إعلاميا.
ومهما حاولت وسائل الإعلام والمصادر الرسمية تقليل أهمية وعدد المحتجين علي زيارته ووداعه فانها لا تخفي الحقيقة القائلة ان سياسات بوش الخارجية أساءت لسمعة الضمير الإنساني الغربي عموما، وزادتها الإجراءات الداخلية التي تصاعدت في تقييد حقوق الإنسان وحرياته الشخصية والحياة الخاصة، وميزت بين موقفين، رسمي وشعبي، وأزمات بينهما. وتتفاقم بين المخططات العدوانية التي يراد تنفيذها وخيارات الشعوب.
أضاف إلي كل تلك الوقائع ما فضحه المتحدث السابق باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان في كتابه، وإدانات أخري متتالية لما نشره غيره أيضا ممن ساهموا بدور ما في تلك السياسات.
فقد أبرزت وسائل الإعلام أخبار المتحدث السابق الذي شغل منصبه منذ 2003 حتي استقالته العام الماضي، وموضوع كتابه الذي صدر إلي الأسواق حديثا. وما أورده فيه من تورط الرئيس بوش شخصيا في تقديم معلومات مضللة للرأي العام الأمريكي بشأن المبررات الكاذبة لشن الحرب علي العراق، ومشاركة نائبه ديك تشيني في فضيحة كشف اسم عميلة للاستخبارات الأمريكية ردا علي تفنيد زوجها السفير جوزيف ويلسون واحد من أهم الدلائل (يورانيوم النيجر) التي ساقتها الإدارة الأمريكية لإقناع الكونغرس والرأي العام بوجود أسلحة دمار شامل في العراق.
وذكر مكليلان إنه كان لا يدري بأنه يعلن من قاعة الصحافة في البيت الأبيض معلومات مضللة للشعب الأمريكي وأن الرئيس نفسه كان متورطا في هذا الموضوع إضافة إلي مستشاره السياسي السابق كارل روف ونائب الرئيس ديك تشيني ومدير مكتبه لويس سكوتر(ليبي).
وطبعا ليس كل ما ورد في الكتاب مجهولا أو سريا، وصاحبه لا يتحمل دوره فيه، ولكنه بالتأكيد كشف إثبات من الداخل والرسمي يضاف إلي سجل الاتهام العام، الذي ينبغي الاستعداد له.
لم يعترف رئيس أمريكي بما ارتكبه شخصيا أو إدارته سابقا، إلا إذا صدمته الكارثة التي تسببت بها سياساته، ولم يعد عنده ما يمكنه من الإنكار، ويغلبه إحساس بذنب كبير قد يعذبه طويلا سواء دستوريا أو أخلاقيا أو ذاتيا.
وهذا ما حصل مع الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش في أوروبا. حيث وجد أن ما سببته سياساته من الأضرار المأساوية لم يحدث مثله سابقا، تجاوزا لهزيمة فيتنام وما لحقها. حتي ان صحيفة الاندبندنت البريطانية في افتتاحية لها سمت إرثه بالكارثة، (وهل هناك وصف آخر؟).
وهذا يعني أن هذا الرئيس فاق أسلافه بارتكاباته، ومن هذا المنطلق يستحق الوصف، والسؤال عن المسؤولية فيها، أمام شعبه والعالم، لأنها تترك آثارا وتداعيات متوالية وتسبب جراحا عميقة لا تنسي، وكلها من درجة عالية يعرّفها القانون بالجرائم الكبري. قرارات الغزو والحرب والاحتلال، من جهة، ومن ثم الانتهاكات المتواصلة لحقوق الإنسان فيها من جهة أخري، والخسائر البشرية والمادية الضخمة الأرقام من جهة ثالثة.
وهي أمور لا يمكن اعتبارها أخطاء أو تصرفات فردية وإنما هي مخططات مدروسة ويتحمل أصحابها المسؤولية عنها، ولا تتجزأ أو يجري التفاضل بينها، من أية جهة صدرت أو في أي مكان حدثت، كما لا يمكن التغاضي أو السكوت عنها، وهذا ما يتركه بوش لمن يخلفه. وقد يكون ما بحث ونشر من أرقام فلكية اقل مما هو في الحقيقة الفعلية وكذلك تداعياتها الأخري، مثل التوقعات التي وضعت عنها.
زار بوش دولا عديدة وصرح فيها بما أراد وتنكر أو تهرب أو مرر كثيرا من القضايا مثار الجدل فيها وعنها جراء سياساته وأصحاب القرار السياسي في بلاده من المحافظين الجدد الذين تساقطوا سريعا كالفئران من السفينة الغارقة، وتركوه وحيدا، وأمام نظرائه أو من هم بمسؤولياتهم في الضفة الأخري من الأطلسي، أقر بأخطائه التي اعتبرها هو وتمني لو عاد الزمن لتوقف عنها ولم يكررها، ولكنه، أيضا، لم يفصح عن الحقيقة وراءها، ولماذا اندفع لها وحصل ما حصل بعدها. فرغم صحوته المفاجئة ما زال مصرا علي احتلال أفغانستان والعراق والضغط لزيادة القوات فيهما والتعاقد لمعاهدات طويلة الأمد، وبناء قواعد عسكرية استراتيجية، وتكريس ثقافة الخداع والتضليل والاحتلال.
أظهر استطلاع رأي أجراه موقع صحيفة الديلي تلغراف البريطانية في أواخر شهر مايو الماضي أن عدد الأشخاص في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا الذين ينظرون إلي أمريكا علي أنها قوة شر وليست قوة خير يزداد باضطراد..
فقط في إيطاليا جاءت نسبة الذين ينظرون إلي الولايات المتحدة نظرة إيجابية أعلي من نسبة من ينظرون إليها نظرة سلبية. فإذا كانت هذه المواقف الشعبية في بلدان أوروبية، فماذا يبقي للولايات المتحدة الأمريكية في بلدان اعتدت عليها ودخلت معها في حروب وغزو وانتهاكات متواصلة؟.
الشعوب الأوروبية بنسب عالية ومتنامية تقف ضد هذه السياسات العدوانية والحروب، وعبرت عنها بالتظاهرات الكبيرة في كل المناسبات، ومنها ضد استخدام مطاراتها وسفنها سجونا واعتقال سجناء رأي فيها، وضد إجراء محاكمات صورية لآخرين فيها لم تثبت إدانتهم قانونيا وممارسة التعذيب الوحشي معهم، الذي أدانته منظمات إنسانية عامة ومنها أمريكية معروفة.
أثناء زيارته انشغل الرئيس الأمريكي ونظراؤه الأوربيون فيما يشغلهم وهو في توديعه الرسمي الأخير، لاسيما فيما يسمونه الإرهاب الدولي ومشاكل الطاقة والقضايا المشتركة بين ضفتي الأطلسي، وقد فرض أو تشارك في الكثير منها. إلا أن ما لفت الانتباه في كل البلدان هو التظاهرات الواسعة، والشعارات الرئيسة فيها التي أكدت علي عدم الترحيب به واعتباره مجرم حرب والمطالبة بمحاكمته ومحاسبته علي ما اعترف به في عواصمها إعلاميا.
ومهما حاولت وسائل الإعلام والمصادر الرسمية تقليل أهمية وعدد المحتجين علي زيارته ووداعه فانها لا تخفي الحقيقة القائلة ان سياسات بوش الخارجية أساءت لسمعة الضمير الإنساني الغربي عموما، وزادتها الإجراءات الداخلية التي تصاعدت في تقييد حقوق الإنسان وحرياته الشخصية والحياة الخاصة، وميزت بين موقفين، رسمي وشعبي، وأزمات بينهما. وتتفاقم بين المخططات العدوانية التي يراد تنفيذها وخيارات الشعوب.
أضاف إلي كل تلك الوقائع ما فضحه المتحدث السابق باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان في كتابه، وإدانات أخري متتالية لما نشره غيره أيضا ممن ساهموا بدور ما في تلك السياسات.
فقد أبرزت وسائل الإعلام أخبار المتحدث السابق الذي شغل منصبه منذ 2003 حتي استقالته العام الماضي، وموضوع كتابه الذي صدر إلي الأسواق حديثا. وما أورده فيه من تورط الرئيس بوش شخصيا في تقديم معلومات مضللة للرأي العام الأمريكي بشأن المبررات الكاذبة لشن الحرب علي العراق، ومشاركة نائبه ديك تشيني في فضيحة كشف اسم عميلة للاستخبارات الأمريكية ردا علي تفنيد زوجها السفير جوزيف ويلسون واحد من أهم الدلائل (يورانيوم النيجر) التي ساقتها الإدارة الأمريكية لإقناع الكونغرس والرأي العام بوجود أسلحة دمار شامل في العراق.
وذكر مكليلان إنه كان لا يدري بأنه يعلن من قاعة الصحافة في البيت الأبيض معلومات مضللة للشعب الأمريكي وأن الرئيس نفسه كان متورطا في هذا الموضوع إضافة إلي مستشاره السياسي السابق كارل روف ونائب الرئيس ديك تشيني ومدير مكتبه لويس سكوتر(ليبي).
وطبعا ليس كل ما ورد في الكتاب مجهولا أو سريا، وصاحبه لا يتحمل دوره فيه، ولكنه بالتأكيد كشف إثبات من الداخل والرسمي يضاف إلي سجل الاتهام العام، الذي ينبغي الاستعداد له.