الجمعة، 18 أبريل 2008

عام خامس للاحتلال.. . وماذا بعد.. ؟ا

السبت 8/3/2008
..تمر السنوات بإيقاع ملفت للانتباه، لكلٍ من موقعه ومكانه، في التعامل مع آلة الزمن والاحتلال. زمان متناقض في حدته وثقله وتداعياته..
حيث تقترب ذكري خامسة لغزو العراق، ثقيلة ومُرَّة علي ملايين من المواطنين، وعلي العموم كانت اكثر ألما وقسوة، والمعاناة فيها اشد وأمض، لمن عاش داخل العراق أو محيطه، والعذاب فيها أكثر من كارثة وأسوا من حرب فيتنام، لأطراف عدة بمن فيها أهل الضحايا الأمريكان، كما اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، المعروفة باتجاهاتها وخدماتها للإدارة التي عينتها ورفعتها إلي هذا المنصب.
هذا الاعتراف وبهذه الكلمات، قبل ايام من ذكري الغزو يجدد ما سبقه من أقوال مشابهة ومعان متقاربة، من أمثالها ممن خرجوا من الإدارة وأدركوا خطلها، أو مؤسسات بحث ودراسات استراتيجية أمريكية أو أوروبية، وصولا إلي منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية.
خمس سنوات تنقضي لأول غزو وحشي للقوات الأمريكية ومن تعاون معها، والذي دمر الدولة العراقية وسلمها إلي إدارة استعمارية مباشرة بإشراف حاكم أمريكي اسمه بول بريمر، لم يستطع أن يمكث اكثر من عام واحد وولي هاربا تاركا العراق محتلا ومختلا، بلا دولة منظمة ولا جيش موحد ولا قدرة كافية ولا استقرار وطني.. ولا.. ولا.. ..
بعد فشل الهجمة الأولي التي استندت إلي ذرائع ثبت بطلانها ودجلها علي يد من أصدرها في تحقيق ما أرادت وخططت له الإدارة الأمريكية ومن تبعها، رفعت شعارات أخري، لهجمة ثانية بإعلانات لا تختلف في جوهرها عن سابقاتها، تروم تحويل العراق إلي نموذج للديمقراطية بعد أن أسدل الستار علي الديكتاتورية والاستبداد، كما ادعت أو أرادت القول بذلك. فماذا تحقق من هذه الشعارات المخادعة التي استمرت الإدارة الأمريكية في ترويجها وتجييش كل جهودها في التضليل والتشويه عبر الإعلام والعلاقات العامة، وغيرها؟!!.
لا حاجة ولا ردود شافية عن أوضاع متواصلة عن الغزو والاحتلال، عن تجربة سنوات الاحتلال، عن كارثة بشرية بكل المعاني، فالاستعمار هو الاستعمار والاحتلال هو الاحتلال، لا جديد فيه غير المسميات والأسماء، الجوهر واحد منذ بدأت أقدام الجنود الأجانب بتدنيس الأوطان وإبتلت الشعوب بها، ولعل في بعض ما يعلن إشارات توضيحية. التقديرات الأولية للضحايا البشرية في العراق مثلا تصاعدت طيلة السنوات الخمس إلي اكثر من مليون ضحية مباشرة، واكثر من خمسة ملايين لاجئ ونازح، وعشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الأمريكية وحلفائها، وضياع الملايين من الدولارات في عمليات فساد وإفساد مباشرين، وتهريب ملايين من البراميل النفطية والغاز وتخريب آلاف المزارع والبساتين ومئات المواقع الأثرية والثقافية وقتل مئات الكوادر الأكاديمية والإعلامية بشكل خاص والقوائم متواصلة ومتصاعدة الأرقام والأعداد.
وكنا قد كتبنا في هذه الصفحات قبل خمس سنوات أيضا ما نصه بأن استعدادات الحرب قائمة وأوشكت فماذا علينا القيام به؟، وكنا قد نبهنا من العواقب وطالبنا بعدم التوقف عند بيانات الاستنكار والشجب لأن الأخطار تحيق بالجميع ولا ينفع الانتظار أو الصمت المريب، وقلنا حينها إن العالم كله متضامن مع شعوبنا ضد الإدارات الحربية في واشنطن ولندن وسدني ومدريد وروما، وقد انطلقت في اكثر من 400 مدينة وعاصمة من كل المعمورة تظاهرات شعبية عارمة نددت بالحرب وأدانت التحضير للغزو وأشارت إلي الأضرار من الحرب والاحتلال، وخيبت الأمل سلطات المدن والبلدان التي تحسب نفسها وتتحدث بلسان أهل العراق أو تدعي انتسابهم لها في اغلب الأحوال.
عالم متناقض وغريب يرفع حكامه شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ويمارسون ضدها أو ما ينتهكها ويخالف ابسطها، ويتنكر للرأي العام ويكذب علي البرلمانات ووسائل الإعلام. وفي الوقت نفسه يشدد علي الحكومات الأخري للإرتهان والسير في مشاريع ومخططات العدوان، التي تتكشف كل يوم أوراقها وتفضح مراميها.
رغم كل ذلك تحضُّرُ تلك المنظمات في هذا العام، من أبرزها، تحالفات (أوقفوا الحرب) و(ليس باسمنا) وغيرها لتظاهرات كبيرة تنطلق إعتباراً من يوم الخامس عشر من شهر مارس الحالي، وهي تقوم بذلك باستمرار وفي كل عام في مثل هذه الأيام، كأضعف الإيمان لكفاحها ضد الإدارات الحربية والتي تسيرها اللوبيات العسكرية والمالية والنفطية والصهيونية لشحن العالم في أتون حروب ومنازعات وتفتيت وتقسيم وتدمير. هذه المنظمات ترفع شعارات موحدة، في كل تظاهراتها في كل القارات معبرة عن تضامن عالمي ونضال مشترك، وهي كالعادة تطالب بسحب القوات من العراق وأفغانستان، وتعلن لا للهجوم علي إيران وتدعو إلي إنهاء حصار غزة.
لعل هذا الترابط في الشعارات التي ترفعها هذه المنظمات يجمع الإرادات الخيرة في العالم ويجدد المواجهة والممانعة إزاء الهجوم الحربي المستمر. ولعل ما صرحت به أولبرايت كما ذكرنا تأكيد آخر. حيث اعتبرت في مقابلة صحفية مؤخرا أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة في العراق منذ العام 2003 هي أكبر كارثة في السياسة الخارجية التي انتهجتها واشنطن، و أسوأ من فيتنام . وقالت.. في السابق عندما كان الناس يسمعون كلمة أمريكا كانوا يفكرون بتحرير أوروبا التي احتلها النازيون، وبخطة مارشال، اليوم يفكرون بغوانتانامو وأبوغريب .
وأضافت أن سياسة بوش ألحقت الكثير من الأضرار بسمعة أمريكا وبالديمقراطية. وأكدت أولبرايت: علينا أن نفهم، نحن الأمريكيين أن حريتنا وحياتنا وأمن دولتنا رهن بنظرتنا إلي العالم، ونظرة العالم إلينا . هذا جزء من حصيلة الحرب والاحتلال بعد خمس سنوات علي لسان أمريكي، فما هي الحصيلة الحقيقية.. وماذا بعد؟.