الجمعة، 5 أكتوبر 2007

ابتسامات كوندي

السبت 29/9/2007
في سادس جولة علنية خلال العام الحالي، وعبر ست وثلاثين ساعة، في المنطقة العربية، وزعت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، أو كوندي، كما يدللها اركان البيت الابيض، ابتسامات عريضة، لو عدت فقط تمهيدا او تعبيرا عن رضاها عما قامت به لكانت بحسابات الربح والخسارة لصالحها، اخذا بنظر الاعتبار مستوى فهمها للقضايا التي تكلفت بها، ولاعتبرت دلالة لحلها حسب تفسيرها له، الذي بينته في لقاءاتها مع الاطراف الصهيونية في فلسطين المحتلة، ونقلته في جلساتها مع الاطراف الفلسطينية او العربية. ابتسامات بيضاء ولا نقل غير ذلك، لتوصيفها كما هي واقعيا وليس من زاوية اخرى، كيلا لا تؤّل بغير معانيها، منطلقين من مواقف لها في تلك الجولة، وتعليقات محللين ومراقبين سياسيين لها، ومن خلال اللقاءات والمؤتمرات التي قدمت بها هذه الابتسامات، ولو نقلنا عددا منها للاطلاع والتنبه لادركنا كم هي بيضاء حقيقة ومجازا، بمعناها السياسي هذه المرة طبعا؟!.
غلبت الابتسامات تصريحاتها وهي في طريقها الى المنطقة، التي اعلن عنها اعلاميا تهيئتها الى "المؤتمر الدولي للسلام" المزمع عقده خريف هذا العام في البيت الابيض برعاية الولايات المتحدة، وتحديدها له بانه "مصيري وجاد" وسيتناول جميع القضايا الاساسية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ولكنها لم تحدد جدولا له ولا برنامجا لاعماله ولا الاطراف التي ستتم دعوتها له. (لم تحدد بعد صيغته، هل هو مؤتمر او لقاء او اجتماع وباية صفة يتم حضوره). ويفهم من التجربة انها قادمة لاملاء ما كلفت به وللضغط على الطرف الفلسطيني والعربي في احسن الاحوال تمهيدا لهذه الدعوة/ الوليمة، وللحث على التوصل الى اتفاق حول " اسس المفاوضات لاقامة دولة فلسطينية باسرع ما يمكن" حسب تعبيرها. وهذا بلا شك طعم امريكي لفظي لا مدلول له على الارض وتفضحه الابتسامة الاخرى التي سنذكرها. كما اضافت "لا احد يريد ان يحضر مؤتمرا لسماع الخطب بل نريد ان نحقق السلام بين الطرفين"، (اي معنى للسلام تحققه؟!) حسب وسائل الاعلام، وكررتها مشفوعة بابتسامة عريضة ايضا، ملأت شاشات التلفزة التي نقلتها، اذ وضعت فيها وحسب سياستها اولى الخطوات لترك الموضوع الى تكهنات الاعلام الصهيو امريكي واضاليله الجهنمية. وقد تكون هذه الابتسامات مطلوبة للتغطية العلنية على ما تنويه ادارتها من حلول سرية للصراع عبر تاريخه الطويل، وقد خبرت لحد الان بانها ضد مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
فضيحة الطعم الذي ذكر، كشفه تأييدها السريع وغير المفاجئ طبعاً لقرار الحكومة الصهيونية باعتبار قطاع غزة "كياناً معادياً". وتأكيدها في المؤتمر الصحافي المشترك: بان "حماس كيان معاد بالفعل وهي كيان معاد للولايات المتحدة أيضاً"، موضحة ان الولايات المتحدة "لن تتخلى عن الفلسطينيين الأبرياء في غزة". وهي جمل تقال بالمناسبات العلنية، ليس من المسئولين الامريكان وحسب بل وحتى من اشقاء الفلسطينيين الابرياء في معظم المؤتمرات والبيانات الرسمية. فعن اي مؤتمر سلام او ابرياء تتحدث كوندي؟.
لم تتوقف ابتساماتها طبعا عند حدود هذه المهمة، فقد وصلت الى مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، حيث اوردت وسائل الاعلام هجومها عليه، ونقدها له على خلفية تصريحاته بخصوص برنامج ايران النووي، والتلويحات بشن حرب عليه، ودعته لعدم التدخل في السياسة، وقولها أنه لا يحق لاحد التقليل مما اسمتها الواجبات المفروضة على الايرانيين. وذلك في الوقت الذي تعد فيه واشنطن مشروعا جديدا بفرض مجموعة ثالثة من العقوبات على الجمهورية الاسلامية في إيران.
هي لا تريد سماع خطب، لا في المؤتمرات او الاجتماعات التي تدعو لها ادارتها ولا من اي مسئول دولي خارج ادارتها، فلا يحق، حسب فهمها، لاي مسئول دولي مثل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية التصريح بما يخالف نوايا الادارة الامريكية ولا استراتيجياتها حتى ولو كان من واجباته المنصوص عليها في كتاب انتخابه وتعيينه مديرا عاما وليس مراسلا نوويا للبيت الابيض ووزارة كوندي. وكذلك الامر مع الامين العام للامم المتحدة، أو أي مؤسسة او منظمة دولية، حيث ينبغي قبل النطق ارسال نسخة من مشروع الخطاب الى ادارتها للتصديق عليه او تنقيته من اية احتمالات تفند مخططات المحافظين الجدد ومشاريعهم الامبراطورية، وقد يكون ممثل الادارة في المنظمة الدولية غير كاف لوحده، ولا اللوبيات الصهيونية ولا غيرها ممن يعبرون عن تلك السياسات.
ضمنا وفي الاطار نفسه، اوصلت ابتسامتها الاخرى وهي في جولتها، الى نظيرها المصري. نشرت (الاخبار) ما يلي: ان دبلوماسياً عربياً كشف لها أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، أجرت (يوم الأربعاء 19/9/2007)، اتصالا هاتفياً بنظيرها المصري أحمد أبو الغيط وسألته عن "الحديث عن تطور العلاقات المصرية- الإيرانية". وأبلغته أن "القاهرة تضع نفسها في محور الشر إذا طوّرت علاقاتها مع طهران، وأصبحتا صديقتين حميمتين". وأوضح الدبلوماسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن رايس أبلغت أبو الغيط أيضاً غضب تل أبيب من عودة العلاقات بين طهران والقاهرة، مشيرةً إلى أن "هذا يعني أن محور الاعتدال العربي سينقص بلداً مهماً يؤدي دوراً استراتيجياً في المنطقة العربية". وأعربت رايس، بحسب المصدر نفسه، عن أملها ألا ينجح تطور العلاقات بين إيران ومصر، "وأن تبقى القطيعة بينهما، حتى تتمكن قوى العالم من حث إيران على وقف برنامجها النووي الذي تستمر فيه رغم الانتقادات الدولية والعربية لها". وأن "النووي الإيراني هو تقوية للإسلام الشيعي الذي بدأ يغزو المنطقة العربية بأكملها، وأن علاقة طيبة مع إيران تعني التساهل مع برنامجها النووي، وفقدان القدرة على ردعها". وقال المسئول العربي إن أبو الغيط شدد لرايس على أن مصر "لن تتساهل في منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، وأنها ستفعل كل ما في وسعها لحث إيران على وقف برنامجها النووي الذي يهدد المنطقة بأكملها".
هذه لقطات من ابتسامات كوندي البيضاء الاخيرة، التي لم تلاحظ بها ما يريد اصحاب القضايا التي تدعي بحثها، ولم تسمع لشكواهم التاريخية، اذ كما يبدو انها لا تهتم باكثر مما يتوجب عليها القيام به، حسب تصورات ادارتها ومن يقرر فيها، وترك الامور تجري باطارات ما يوضع لها، لا ما يحقق المصالح والحقوق المشروعة ولا الاهداف والمطالب العادلة. فالإدارة الأمريكية تتجاهل كل ذلك ولا يعنيها غير ما يتفق ومصالحها الامبراطورية، التي تنتهك الحقوق والقوانين والاتفاقيات وحتى الدستور الامريكي. ولهذا تبتسم كوندي ومنذ اليوم لابد أن تقرأ ابتساماتها بدقة.