السبت، 30 يونيو 2007

ديمقراطية الأرانب

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت7/1/2006

لم تعد مصطلحات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان كافية وجامعة مانعة في التعريف بمفرداتها بل لابد من إلحاق صفة توضيحية لها لتعريفها والدلالة عليها، وإذا بدأنا هنا بالحديث عن الديمقراطية ، فليس من المؤكد جدا أن تكون واضحة حتي لدهاقنة السياسة دون توصيفها بالأمريكية المطلوب تطبيقها بالعراق نموذجا للشرق الأوسط الكبير، المشروع الإمبراطوري الأول لعهد بوش الابن. وبالعراق وغيره هناك مثل يعبر بقوة عنها وهو القائل، تريد غزال خذ أرنب، تريد أرنب تفضل هذا الأرنب . هذا المثل الصارخ هو المعني المعبر والمقصود بالديمقراطية الأمريكية المنشودة للعراق والعالم العربي والإسلامي، موضوع الاستهداف والخاسر الأكبر فيما يجري من تدمير وخراب وفوضي تأتي بالأخضر واليابس فيه. لاسيما وان من تقوم بالتنفيذ الفعلي مجموعات ارتضت ذلك، علي مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية. فضحت صحيفة لوس أنجلوس تايمز بعض هذه الصور عن ديمقراطية الأرانب بشراء وسائل إعلام وصحفيين عراقيين ونشر مقالات تمدح السياسة والإرهاب العسكري الأمريكي وحلفاءه بالعراق وتستعد لانتحال مقالات وتصوير أكاذيب بأسماء عراقية كتبها ضباط دعاية وإشاعات أمريكان يعملون بمؤسسات علاقات عامة أمريكية، يديرها ضباط مخابرات سابقون، مثل مؤسسة لنكولن وغيرها ولديها مكاتب في عواصم عربية وأجنبية مجاورة للعراق، وتذهب هذه المؤسسات إلي تجهيز أعداد غفيرة من وسائل الاعلام، مرئية ومسموعة ومقروءة، وشخصيات عامة وأكاديمية ومنظمات ممولة من الإدارة الأمريكية وسفارتها الأكبر بالعالم ومؤسساتها المتعددة، بما تريده المخططات الأمريكية.تضمنت مراحل الاستعمار الغربي الجديد للعراق، إعداد برامج محلية وضغوطا متنوعة علي فصائله السياسية لاختبار استعدادات تعاونها والاعتماد علي قواها الشعبية المؤيدة لتاريخها السياسي والاجتماعي وانتماءاتها المذهبية والغزل عليها لدفعها اكثر من غيرها في خدمة مراحل الاحتلال وتنفيذ مخططاته. وفي المرحلة الأولي من الاحتلال العسكري المباشر خطوات تمهيدية للمرحلة الثانية، التي بدأت الآن بعد إنجاز تلك الخطوات التي تمت عبر مجالس حكومات مؤقتة، وصيغ برلمانية وقوانين سميت ضمنيا دستورية، لا يحق للاحتلال تشريعها ولكنه وضعها بالتوافق والقبول رسميا، تعبيرا عن شد وجذب تموجات مرحلة الاحتلال والضغوط الشعبية والأمريكية معا. ولتمرير تلك المراحل والخطط شنت الإدارة الأمريكية وسفارتها وجنودها الإعلاميون حملات واسعة للدعاية لها ولبرمجة قبولها شعبيا، وبالطبع لم تمانع من استخدام رموز دينية ووطنية اسما بتلك البرامج بهدف تسويغها وتشويه تلك الأسماء أو دمغها بالمراوغة والتصامت المشترك بينها، والاندفاع الكامل بمختلف الأشكال لتنفيذ المرحلة الأولي، والتي لها علاقة مباشرة باحتياجات البيت الأبيض والرئيس الأمريكي بوش الابن لها اكثر من حاجة الوضع العراقي وما حل به بعد تدمير مؤسساته السيادية وصنع بدائل لا ترقي لها فعليا ولا تنال هيبتها إلا من الاحتلال وقوته العسكرية، ولم تستطع أن تبرهن علي بدائلها المرتجاة. لأجل ذلك شرعت ديمقراطية الأرانب واستخدمت لها ما استطاعت من إمكانات وطاقات، ومنها مؤسسة لنكولن، التي حصلت وحدها علي حصة كبيرة بملايين الدولارات للدعاية الأمريكية للانتخابات الأخيرة مثلا، فقد صرفت ستة عشر مليون دولار منها علي شراء ذمم وإعلانات شوارع وبرامج لإذاعات ومواقع علي شبكة الإنترنت ومحطات تلفزيونية معينة بأسمائها وارتباطاتها السياسية، واكثر من عشرين مليون دولار لتشويه اسم المقاومة الوطنية وتكريس مصطلح الإرهاب عليها ودمغ العمليات الإرهابية التي تشرف عليها مؤسسات الاحتلال باسمها وبقواها وحتي بمناطق تواجدها الجغرافية لأهداف ابعد من تلك المهمة والمرحلة الأولي من الاحتلال. ويفيد الصحافي البريطاني المعروف ديفيد ادواردز في مقالة له عن فضيحة اشتهرت، وتكررت علي السنة سياسيين عراقيين وبرامج إعلامية لفترة غير قليلة: في يوليو عرضت مجموعة لنكولن إحدي تلك القصص الصحافية بقلم ضابط عسكري أمريكي بعنوان ''أطفال قتلوا علي أيدي الإرهابيين'' باعتبارها عموداً من أعمدة الرأي الصحافي كتبه مواطن عراقي، ونشر المقال في 19 سبتمبر في جريدة ''الصباح'' ببغداد، وجاء في المقال ما يلي: ''هل أذعنا واستسلمنا؟ وأي رجل أكون إن تسامحت إزاء مجزرة أطفالنا؟ وأي كائن بشري أكون إن أنا تغاضيت عن ذبح الأبرياء؟ وأي صنف من المسلمين أنا إن وقفت صامتاً فيما يقتل من لا أخلاق لهم أطفالنا باسم الله وباسم النبي محمد صلي الله عليه وسلم؟.''وتظهر الوثائق أن هذه الجريدة استلمت اكثر من 1500 دولار لنشر المقال. وذكر الكاتب صحفا أخري، تقبلت المهمة المخجلة لاسم الاعلام الحر المستقل. ويضيف الكاتب في مقالته: لا تشكل محاولات استخدام المعضلات المالية الأمريكية لبث الدعايات في صفوف الشعب العراقي سوي جهد لا يذكر في خضم المساعي الأمريكية الأوسع والأشمل لاصطناع ''ديمقراطية'' طيعة صديقة للولايات المتحدة بالعراق. وكان قد كشف النقاب سابقا عن أن منظمات تمولها واشنطن ولها سجل طويل حافل في استغلال بلدان أجنبية وتسخيرها لخدمة مآرب ومصالح الولايات المتحدة كانت ضالعة في النشاطات التي تتعلق بكل جوانب انتخابات يناير 2005 في العراق. وكانت اثنتان من هذه المنظمات، هما المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية والمعهد الجمهوري الدولي، منغمستين بشكل مكثف في حملة وفرت 80 مليون دولار وضعت تحت تصرف النشاطات الانتخابية والسياسية، وحسب وليم روبنسون من جامعة كاليفورنيا فقد كانت الغاية هي ''اختيار قادة أفراد ومنظمات تكون مذعنة سلسة الانقياد إلي أبعد الحدود وتنصاع لمتطلبات المشروع الأمريكي متعدد الجنسيات المعد للعراق. فضيحة أخري نشرت لاحقا عن شراء ذمم ''رجال دين'' وكتابة مقالات بأسمائهم، وجلهم لا يعرف تفسير سورة الفاتحة، ولكنهم يظهرون بالزي الديني للتمويه وكسب طاعة وولاء المواطنين البسطاء في مناطق معينة تحترم قناعاتها الدينية والمذهبية وتجل رجال الدين منهم، أي أن السفارة الأمريكية لم تعدم استغلال هذه القيم والأعراف الاجتماعية وتصريف أشخاص مستعدين لأداء هذه المهمات! تحت غطاء ديني ووطني، وحفلت شاشات التلفزة المحلية والعربية بنماذج من هذه الوجوه والأسماء المخادعة والمبرمجة حسب الشبكات الأمريكية. وأشار الكاتب ادواردز في مقالته إلي مفارقة تعري أدعياء الديمقراطية الغربية وتقربهم من عنوان المقال، وتفضح دفاعهم الكاذب عن الديمقراطية والحرية، لاسيما ما ورد في افتتاحيات وتقارير وسائل إعلام غربية عن العراق، تكاد تكون استنساخا من العناوين الرئيسية التي تصدرت الاعلام العراقي قبل الانتخابات، وهو الاعلام الذي أغدق البنتاغون عليه ملايين الدولارات بما يلي: ''العراقيون يصرون علي الحياة علي الرغم من الإرهاب''. و''لقد فاقت أعداد المقترعين كل التوقعات وكان الإقبال علي صناديق الانتخاب يفوق نظيره في الديمقراطيات الغربية''. أليس هذا ما تقوله وسائل إعلام البنتاغون يوميا، ديمقراطية الأرانب حقا، حيث الواقع والوقائع في واد آخر؟