الجمعة، 15 أغسطس 2025

رأي في كتاب مقالات الأخبار آراء فيما حصل وما يحدث

 رأي في كتاب:

مقالات الأخبار … آراء فيما حصل وما يحدث

للكاتب كاظم الموسوي


ضياء مجيد*

 

بالرغم من تقلبات السياسة والأحداث السياسية من حولها فان مقدرة الكاتب على التكهن الواقعي والإصابة الدقيقة في التحليل والاستنتاج تواجه تحديا قاسيا ولكن عنصرا اساسياً في تقديم عرض جوهري واضح للأحداث الجارية واستقراء ما ستؤول إليه لاحقا على المدى القريب والبعيد. ضمن هذا السياق نرى كاظم الموسوي قد اظهر قدرة كبيرة على النفوذ العميق في ماهية الصراعات والأحداث التي شهدتها الأعوام التي تلت سقوط النظام العراقي السابق، حيث استهلّ الكاتب مقالاته من هناك، بدءا بموضوع الانتخابات العراقية ومرورا بالمعارضات السياسية العربية بما فيها العراقية ثمّ الحالة الخاصة بالإخوان المسلمين، ومجمل التدخلات الخارجية الغربية وتحديدا الامركية التآمرية الغادرة فيها. ويسلط الضوء على كنه ومحتوى القوى المعارضة الفاعلة على الساحة، سواء في البلد الام او بلاد المهجر وما أكثرها، ويبين مدى ارتباطاتها بالقوى الاجنبية المؤثرة. والأمثلة التي أوردها لما حصل في الماضي تبدو ساطعة التأثير والفعل في ظرفنا الحاضر، وهو دليل على قدرته في النفوذ إلى اعماق الظاهرة.

وينظر الكاتب الى الاحداث الجارية نظرةً انتقادية ثاقبة نراها تتعدى ظرفها القائم لتعبر الى فضاءات المستقبل حيث تتشابك الظروف في تعقيد شائك متعدد الأبعاد. كما يقوم بتشخيص الجوانب السلبية في الحركة القائمة قائلا:(( واقع حال الامة ليس بخير ولا يشي به، لان الغفلة والمحاباة والتزلف والانكفاء وغيرها هي التي توفر الاسباب لذلك.)).ولا يكتفي بهذا فحسب بل ينتقل إلى الحلول العملية، فيؤكد على أن:(( طاقات الامة وخيراتها كبيرة وقادرة على التغيير والتجديد والتطوير…)). ثم يلفت انتباه الحركات الجماهيرية الى ضرورة النظر (( بعيون فاحصة واسعة لاعادة البناء بكل حرص وعزم في أعمدة النهضة، واخلاص ووفاء في خطوات التقدم)). وما طرحه الكاتب في تلك المرحلة ما زال ينبض بالحياة الآنية والضرورة الملحة في الظرف الراهن.

وضمن سلاسة الطرح والأسلوب الشيق، نرى الكاتب يجذب القارئ إلى الاندماج في ماهية التفكير والتحليل للنص ضمن تساؤلاته حول الثقافة والمثقفين. وما اذا هناك من خلل أو مأزق في الثقافة أم المثقف نفسه، أو التساؤل عن أسباب نهج اليسارويين الذين أجّجوا نيران الطائفية في كتاباتهم أو طروحاتهم المتسرعة وغير المسؤولة، او ما يتعلق بالغموض الذي لفّ الاوضاع عند احتلال داعش للرمادي والموصل…وغيرها من التساؤلات التي لم يترك بابها مفتوحا دون اجابة جادة وواضحة، بل أغناها بالتفصيل المسهب والحجج الدامغة (( داعيا إلى خطاب جديد ونضال كفاحي متواصل…))، والى وضوح في الاهداف المرسومة. والتركيز على انجاز مهمات التحرر الوطني والتهيؤ لاعادة البناء والإعمار ودفع عجلة التطور الى الامام بقدرات محلية وطنية واخرى بمساعدة الدول الحليفة والصديقة للتخلص من تبعات التدخلات الغربية في شؤون البلدان العربية والتركة الاستعمارية الثقيلة التي خلفها على ظهور شعوبنا. ويؤكد الكاتب ان:(( استمرار الاحتجاجات في الشوارع والساحات)) يمثل ضرورة وطنية وواجب اخلاقي وقانوني. (( وهذه الصورة للمشهد القائم تعكس تطور الوعي الشعبي وقوة الإرادة الوطنية لرسم مستقبل الوطن وبناء الدولة المعنية))، وهي مستلزمات آنية وعاجلة. وكشف ان هذه التظاهرات الاحتجاجية قد افشلت النوايا الخبيثة والمساعي المعادية للقوى الخارجية والداخلية العميلة، وكذلك محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة جميعها والتي تشير اليه الأرقام المليارية التي تهدر سنويا بعيدا عن عملية البناء لاقتصاد متين وتنمية مستدامة وفق برامج وطنية، وتكامل في الادارة والاقتصاد وإشراك المجتمع بكل فئاته وأجناسه. ليس بعيدا عن تحليلات الكاتب الشاملة واستنتاجاته الدقيقة من صراع على الساحة الداخلية العراقية، وعلى وجه الخصوص في شمال الوطن عند اقليم كردستان العراق، مؤكدا أن أزمات العراق لم تقتصر على جزئه العربي، بل تعدتها إلى الكردي، سواء (( الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية وكوارث الفساد والصراعات الداخلية حول المكاسب والمناصب)). وان ما يعمل عليه الحزبان الحاكمان في الساحة الكردستانية هو في مصلحتهما الذاتية ليس إلا، حزبيا واقتصاديا وسياسيا البعيدة عن احتياجات الجماهير الكردية الحياتية. ويدعو (( قيادات الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم إلى التوصل إلى حلول متوافق عليها)) وتحكيم العقل والمصالح الوطنية. ويؤكد الكاتب هنا ان (( في اوضاعنا العربية اليوم اكثر من حالة تقتضي المواجهة ودعم الممانعة فيها والمقاومة معها، ومنها بيان تضامن معنوي بتواقيع شخصية وهو أضعف الإيمان.)). وفي هذا الصدد تناول الكاتب الحراكات الشعبية وما قدمته من دروس كثيرة واعطائها نبضاً لتحرك الجماهير العربية (( ورفع الصوت والغضب والتحدي لارهاب السلطات، وضد الاستبداد والفساد والتواطؤ مع المشاريع العدوانية. )).

إن حصيلة القراءات الموسعة والتحليلات المعمقة اضافة إلى التوصيات والمقترحات التي أوردها الكاتب في طيات هذا الكتاب، الذي قاربت صفحاته الثلاثمائة، تمثل اجندة عمل متكاملة للقوى الشيوعية واليسارية والوطنية والقومية ذات التوجهات الرافضة للتدخلات الاجنبية الخارجية في شؤون البلاد العربية والعراق على وجه الخصوص.

من يقرأ الكتاب او بالاحرى المواضيع المطروحة، يرى أن كل موضوع منها يمثل لبنة أساسية لبناء واسع القاعدة متشعب الجوانب متنوع الأبعاد، ويدعو إلى المزيد من البحث في جوهره ومحتواه عمقاً وشمولاً. وهذا ما جرى التعبير عنه بكلمات الكاتب من انه (( امر لا تغطيه، بالتأكيد، مقالات ولا دراسات وحسب، وانما يحتاج إلى ورش وهيئات ولجان عمل..))، وهو ما يمثل دقة أجادها في الصياغة والتشخيص. فكل مقال فيه يمثّل دعوة فكرية لدراسة موسعة وتعمق شامل لواقع معقد بحاجة إلى التغلغل المفصل في جوانبه المختلفة الايجابية منها والسلبية بروح نقدية معمقة وبناءة..

* كاتب ومترجم- لندن