تصعب الكلمات وتضيق العبارات في الرثاء، في الرحيل، في الحزن و الوداع.. ما أقسى هذه اللحظات، ما ابعد الألفاظ، ما أشد وطأة الحدث، وما اعسر الصبر وأيسر الدمع.. كلها أمام سيد وقف العالم كله له يوم واجهه في خطبه ويوم ردد قسمه ويوم أعاد كلمات جده الحسين، هيهات منّا الذلة..
كُتب ويَكتب عنه الكثير، منذ اول احتفال بتسلمه موقع القيادة وحتى يوم يبعث الكتاب والكتابات والشهادات والأقوال والذكريات من جديد في عالم آخر او في زمان لم يعهده صاحبه وهو يذكر اسمه ويتحدث عن مآثره ويشيد بدوره ويثبت صدقه ولا ينسى وفائه.. اي رجل هذا؟ واي سيد رفع سبابته وقال قولته واي رفيق نبيل اجمع الناس عليه؟!
خاطبه صديق شيوعي من العراق، ب"الشيوعي المعمم"، ورفيق آخر، فنان شيوعي من لبنان، كتب له "رسالة إلى الرفيق حسن" وثالث يساري من المغرب العربي، اقسم بانه بطل لم يعهده الرفاق ولم يتوقفوا عنده ولم يستطع احد منهم نكران موقفه الرفاقي في هذا الشأن..
فما معروف عن مفردة، "رفيق"، انها خطاب العمال الكادحين، المستضعفين في الارض، الفقراء المحرومين، المستغَلين المغلوبين، المعذبين الأبطال في النضال الطبقي والسجون والتظاهرات والاعتصامات، وحراس الحدود الوطنية الأخلاقية والكرامة والضمير الانساني، وهو ما عرف عنه، ووصف فيه، فقد كان صوتا لقواهم وناطقا باسمهم ورافعا رايتهم وساعيا لإنجاز هدفهم في العيش بحرية وأمن وسلام وكرامة واحترام وطمأنة يومهم ومستقبلهم.. لم يهدأ يوما حماسة ولم يسكن ساعة تعاطفا ولم يقصّر عن الجميع شجاعة.
عمامته السوداء تدل عليه وحراكه اليومي يدعم ظله ووقوفه مع المظلومين، أينما وجدوا او أينما تعرضوا للظلم والحقد والقتل والابادة والتطهير شهادة له واستعلام مبكر عنهم ولهم وبهم.
ابتسامته تعبير، وطلته تغيير، وصوته تجسير، ولم يتردد يوما عن كلمة الحق ضد الباطل، الشرف ضد الخزي، العدل ضد الاضطهاد، الصدق ضد الدجل، النزاهة ضد الغدر، الامانة ضد الخداع… وهذا ما وضعه قائداً انسانيا ورسمته سعة افقه انساناً أممياً، وسماحته ثابتا في المواقف والتحولات والانعطافات، المحلية والعالمية، فرض احترامه على العدو قبل الصديق، وانتزع خياره الأخلاقي من بين اركان العدوان والمجازر والاحتلال والدمار، واعاد بإشارات إصبعه ونبرات صوته مجد المقاومة وبسالة الممانعة وعزم الصمود وارادة الانتصار.
اجل.. افتقدناه في الليلة الظلماء، وخسرناه في عهد الضعفاء، وودعنا جسده في زمن الدهماء..
ولكن..
يا سماحة السيد حسن نصر الله، أيها الرفيق النبيل… إنّا، ابناء وبنات شعبك على امتداد الوطن الكبير، العربي والاسلامي، واحرار العالم، على العهد الذي رسمته وعلى الكلمة التي اردتها مشعلا لمن بعدك، وعلى الوعد الذي قطعته يتبارك فيه من عاهدك وسار على دربك.. ويشهد لك انك الرمز الإنسانيّ الاممي، اليساري، الإسلامي، العروبي، السيد، المقاوم، الشهيد، المناضل، المثقف، الاستراتيجي، المشتبك، المؤمن، الصابر، المجاهد، الشجاع، الجريء، المخلص، المتواضع، الكريم، الفقير، الأصيل، الصامد، الوفي، الودود، الصادق، الأمين..
ليس وداعا وليس رثاء فأسمك باق كما كنت وكما اردت ان تكون. تظل علما يرفرف في سماوات الكفاح الوطني التحرري وبطلا في سجل المجد التاريخيّ وصفحات الخالدين.
2025-02-23