الأحد، 12 فبراير 2023

زلزال الضمير الإنساني

 زلزلت الأرض زلزالها في جنوب تركيا وشمال سورية، في المدن الحدودية بين البلدين، وكان زلزالا كبيرا أحدث كارثة إنسانية لم تشهد مثلها المنطقة منذ سنين. الخسائر البشرية كبيرة فضلا عن الخسائر المادية، مدن انهدت مبانيها على سكانها، في ظروف مناخية قاسية أيضا. السلطات لم تكن متهيئة للإغاثة المطلوبة في البلدين.

في سورية تعكس الصعوبات وجها للعقوبات المفروضة واستمرارها.. الأرقام عن الضحايا تزداد كل ساعة، لا يعرف مداها اليوم. ولكن الصور المباشرة التي تقدمها الفضائيات تشرح الكارثة وتكشف زلزالا مصاحبا في الضمير الإنساني، عراه أمام الجميع وفضحه ما مورس فعليا أمام المأساة، الكارثة البشرية خصوصا.

خارطة الطائرات التي نشرت أخبارها لأرسال مساعدات للمنكوبين في تركيا ولم يرَ مثلها في سوريا، وجميل ِمن مَن رسم قلوب حب مرسلة الى الشعب السوري على الخارطة، مقابل طائرات الغرب وبعض العرب المتسابقة في تعرية نفسها واعلان ذاتها.

بكل الأحوال كشف زلزال الطبيعة زلزالا في الضمير الإنساني، لمن زعم بملكيته في الإعلام والتكاذب اليومي وغسيل الأدمغة المتسابقة مع آلام الكارثة وادعاءات البكاء على الضحايا أو صور مأساتهم الموزعة في وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما الناطقة باللغة العربية وأسماء أصحابها مرسومة على طائرات المساعدات التي وصلت تركيا وحدها دون أي خجل أو ادعاء ضمير مضمر فيها، والتركيز عليها فقط دون إشارة لأي مساعدات أخرى من بلدان أخرى..

حجج بعض من تلكأ أو ناور أو عبّر عن ازدواجيته المعروفة به، قرارات العقوبات الغربية الاحادية على سورية، والتي للأسف لو توفرت محاكم دولية عادلة ومستقلة لحكمت على هذه القرارات وأصحابها بجرائم الحرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهي تنتهك القانون الدولي وحقوق الانسان ومواثيق المنظمات الدولية. فلا حجة أمام الكارثة، ولا سبب أمام طفلة تحمي رأس أختها تحت ركام بيتها، ولا مبرر أمام طفلة لم تجد أهلها معها في مستشفى مكشوف، وتتوالى الأيام ولم يتحرك لهؤلاء الذين تفرجوا على الكارثة موضع.. ستبقى وصمة عار كبيرة على وجوههم ومن يصمت عليهم.

لا وقت للتفرج أمام الكارثة الإنسانية.. لقد زلزل الزلزال الطبيعي الضمير الإنساني وأصبح الأمر محكا له ولمن يزعم به.

كل الفخر بكل من هزه ضميره وتحرك بأي شكل لمساعدة منكوبي سورية الآن بعد ما حصل وجرى أمام الجميع.. وكل التقدير لمن هزته الكارثة ووقف مع المنكوبين حتى ولو بالكلمة..

وأمام كل ما نرى، لما حصل من زلزال طبيعي في تركيا وسورية، وما تعقبته من هزات حصدت أعداد ا غير قليلة من البشر والحجر.. ومن ازدواجية معايير وأخلاق وممارسات، من أصحاب القرار السياسي والحكم في كل البلدان، تصبح المطالبة بزلزال شعبي يحدث مقابلا في رفض قرارات الحصار والعقوبات ومحاكمة المصرين عليها أو المروجين لها وفتح كل الفرص والحدود والمجالات أمام المساعدات والدعم والتضامن وانقاذ الضمير الإنساني..

إنها ساعة الاختبار.. زلزال شعبي يهز الضمير الإنساني ومحاكمته في الواقع والتأريخ.