الخميس، 1 مارس 2012

الصومال: السياسة والقرصنة والعقول الصغيرة

يعود الصومال اسما وعلما إلى مؤتمر في لندن (23/2/2012) بحضور دولي مكثف يمثل أكثر من خمسين دولة ومؤسسة دولية. وتظل فئاته ومكوناته وأقسامه غائبة أو مبعدة عن الحضور الفعلي، كما هي العادة في مثل هذه الحالات، وخصوصا بما يتعلق بالعالم الثالث الغني بالثروات المادية والبشرية. فلم يكن مؤتمر لندن الذي عقدته الحكومة البريطانية وشاركت فيه الولايات المتحدة الامريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى، التي تسيّر بالريموت كونترول، محاولة لإعادة بناء دولة الصومال وانجاز حقوق شعبه بالوحدة الوطنية والتنمية والتقدم على مختلف الصعد أسوة بغيره من الشعوب والبلدان في هذا العالم الواسع. رغم أن المؤتمر وضع شعاره علم البلاد الأزرق  الذي تتوسطه النجمة البيضاء الخماسية التي تمثل الأقسام المشتتة من الشعب الصومالي، والموزعة في أراض متعددة متجاورة ولكنها منسية من الحضور في المؤتمر أو في عقول المشاركين.
كلمات الوفود الحماسية تذكر بما سبق من مؤتمرات في هذا الشأن وغيره وانتهت حتى قبل ان يجف حبرها إلا بما يهم المصالح الإستراتيجية لها، والدليل عليها غياب حرص سياسي دولي حقيقي مقابل ما ترسمه الإدارات الغربية من مخططات جديدة للسيطرة والهيمنة والتدخل في المنطقة من البوابة الصومالية وتحت عنوان مكافحة القرصنة. متناسية ما تركته إدارتا الاستعمار البريطاني والوصاية الايطالية من ندوب كبيرة في تقسيم ارض الصومال وشعبه، وفي تواصل مراحل الحروب الأهلية والاقتتال القبائلي والفصائل والتدخلات الأخرى من دول الجوار الإفريقي والعربي في الشؤون الداخلية وفي مستقبل البلاد وطبيعة حكوماتها وحكامها. وبسبب كل ذلك عاشت الصومال أكثر من عقدين من الزمان كل أشكال الفلتان الأمني وغياب الدولة الموحدة وتدمير الاقتصاد والبنى المادية وانتهاك الحقوق الإنسانية.
شدد المؤتمر كما نشرت وكالات الإنباء على تعهد زعماء العالم باتخاذ إجراءات لمكافحة القرصنة والإرهاب في الصومال، وخطة من سبع نقاط تتضمن تقديم "المزيد من المساعدات الإنسانية"! ودعم قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي والسعي لمزيد من التنسيق الدولي. وهذا مجرد كلام أو كلمات على ورق دون تجسيد فعلي، والتجارب كثيرة عليه. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد قاد الجهود الدبلوماسية لعقد المؤتمر، الذي شكل رقم 17 من عدد المؤتمرات حول الأزمة الصومالية خلال العقدين الماضيين، معتبرا أن الصومال الذي يوصف بأنه "الدولة الأكثر فشلا في العالم" يحتاج إلى "فرصة ثانية". وأشارت وسائل الإعلام إلى تركيز رئيس الحكومة البريطانية والمؤتمر على عدم استبعاد الحكومة البريطانية من إرسال المزيد من "المستشارين العسكريين"! لتعزيز الفريق الذي أرسلته لمعاونة قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال. وهذا هو المطلوب ضمنا من المؤتمر وغيره الاعتراف به أو المصادقة عليه وتمريره بقفازات بريطانية ناعمة. وهو ما شرحه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون أمام مجلس العموم قبل يوم من عقد المؤتمر، حيث قال إن المجتمع الدولي بحاجة لمزيد من تنسيق الجهود لمعالجة التحديات التي تواجه هذا البلد. وشرح أن ذلك يعني العمل على مواجهة القرصنة وعمليات خطف الرهائن، ودعم قوات الاتحاد الأفريقي، والعمل مع كل الأطراف الصومالية "لمنح البلاد فرصة ثانية". وليس غريبا هنا طبعا مشاركة جامعة بعض الحكومات العربية في اجتماع لها سبق مؤتمر لندن في دعم طلب زيادة قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال من مجلس الحرب. وصوّت المجلس بزيادة عدد هذه القوات من اثني عشر ألف جندي إلى 17700 جندي. (لخدمة أهداف المؤتمر) تحت ذريعة إلحاق الهزيمة بحركة الشباب الصومالية المتشددة. وأعلنت الأمم المتحدة مؤخرا انتهاء أزمة الغذاء في الصومال بعد مرور أسوأ موجة جفاف ومجاعة شهدتها البلاد منذ 60 عاما. ورغم الإعلان مازال 2.34 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات غذائية. وأدت الأزمة، إلى وفاة عشرات الآلاف، خلال ستة اشهر، دون ان يرف جفن فرسان وفود هذا المؤتمر لمساعدة الشعب الصومالي في هذه الكارثة الإنسانية.
مع كل ذلك وضح رئيس الحكومة البريطانية بدون لبس الأهداف بقوله أمام المؤتمر ان هناك "فرصة غير مسبوقة لتغيير" الوضع في الصومال. ولكنه برر لنفسه ولحكومته القيام بما خطط للصومال تحت تلك المسميات، بان "القراصنة يعرقلون الطرق التجارية الحيوية ويخطفون السائحين". وسماهم بـ "عقول صغيرة تسمم بالتطرف وتربي الإرهاب الذي لا يهدد الصومال فحسب، بل العالم كله". وتمثل هذه الأعمال تهديدا لمصالح بريطانيا في منطقة القرن الأفريقي وامن واستقرار هذه المنطقة والعالم. ولهذا عقد المؤتمر وحضره من حضر لتأكيد ذلك. وهو ما أفصحت عنه  صحيفة الاندبندنت (24 /2/2012) التي عنونت افتتاحيتها "الصومال يحتاج إلى أكثر من لقاءات قمة". فكتبت إن من السهل أن يكون المرء متشائما بشأن الصومال كونها "نموذجا للدولة الفاشلة". وأضافت أن الصومال ظلت تعيش في حالة من الفوضى منذ أن تمكنت قبائل المعارضة من الإطاحة بالحكومة الصومالية عام 1991 وفشلت في الاتفاق على البديل. وكررت الافتتاحية بوضوح دوافع عقد مؤتمر لندن، ملخصة في المخاوف بشأن التهديدات التي تتعرض لها المصالح البريطانية والأمن العالمي في المنطقة. وذكرت الاندبندنت أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون محق في مخاوفه، مشيرة إلى أن عدد حملة جوازات السفر البريطانية الذين انخرطوا في التدريب على عمليات إرهابية في الصومال أكثر من أمثالهم في أية دولة أخرى.
ما عاشته الصومال من فوضى بعد الإطاحة بنظام محمد سياد بري عام 1991 والى الان، وضع أمام الحكومات الانتقالية، المدعومة من الغرب تحديات جمة، أبرزها إحكام سيطرتها على العاصمة مقديشو وباقي مناطق الصومال. ولما تزل الأوضاع في الصومال، رغم المؤتمرات والمحاولات، تعاني من تشتت الدولة والشعب والتدخلات الخارجية وفقدان النوايا الصادقة في مساعدتها أو دعم تطويرها وإعادة بنائها.