انتخابات برلمانية في شهر أيار/ مايو 2012 القادم في الجزائر.. حراك سياسي واسع ومنظم. أحزاب سياسية جديدة تعلن انضمامها إلى المشهد السياسي، من بينها أحزاب بعناوين الحرية والعدالة والتنمية والإصلاح، وبخلفيات من تيار الإسلام السياسي، مشابهة لمثيلاتها في المغرب ومصر وسابقاتها في تركيا. تتوزع الأحزاب السياسية بين كتلتي الموالاة للسلطة والمعارضة لها. لعبت أحزاب الموالاة دورا اكبر في تثبيت الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية وغيرها من الشعارات التي تجمع عليها الأحزاب السياسية من الكتلتين. ورغم أنها تتقاسم سوية مساحات الاهتمام بمستجدات الساحة السياسية في الجزائر ومحيطها المغاربي والعربي أيضا تلعب القوى الخارجية أدوارا لمصالحها الإستراتيجية، هي الأخرى، التي قد لا تتوافق مع المصالح الوطنية، في المشهد السياسي، خصوصا الإدارات الحاكمة في فرنسا والولايات المتحدة الامريكية. ولكن الصورة القائمة التي تمكنت السلطة الحاكمة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة (74 عاما) من مسك الزمام فيها طيلة فترات حكمه منذ انتخابه بالتوافق بين القوى الفاعلة في الجزائر، وحتى الان، تعكس إرادات شعبية أوسع من الضغوط الخارجية ومصادرها المتعددة الان بعد التحركات الشعبية في العالم العربي، ودخول المال النفطي الخليجي في خدمة المشاريع الأجنبية ومحاولات سرقة مسارات التحركات الشعبية وأهدافها الوطنية.
وصل الرئيس بوتفليقة إلى الحكم رئيسا، بعد ابتعاد عن العمل السياسي فترة، في انتخابات التاسع من نيسان/ أبريل 1999 التي شارك فيها سبعة مرشحين واعتبرت حدثا استثنائيا، حيث قرر الرئيس الأسبق الأمين زروال اختصار فترة حكمه والإعلان عن انتخابات رئاسية مسبقة بعد إعلان دستور 1996، ونتيجة لتزكية الرئيس من الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية، مؤسسة الجيش خصوصا، انسحب المرشحون الستة الآخرون بإعلان جماعي ردا على تلك التزكية ومتهمين بتزوير الحكومة للانتخابات. وكان من بين المرشحين للرئاسة المرحوم محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع السلم (حمس) ولكنه أقصي من خوض غمار المنافسة الانتخابية. وشارك في الانتخابات آنذاك 60 بالمائة من 16 مليون ناخب.
بعد تلك الانتخابات برزت ظواهر العزوف الشعبي والمقاطعة عن المشاركة في ما جاء من انتخابات تشريعية ورئاسية. واستمر اتهام المعارضة مع الدول الغربية المتربصة بالجزائر بالتزوير الرسمي لنتائج الانتخابات رغم مسيرتها واستمرار الحكومة التي يقودها الرئيس نفسه والأحزاب المشاركة معه.
بلغت نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية لعام 2002، 46.17 وأقل من هذه النسبة حصلت في الانتخابات المحلية لعام 2007، رغم أن المواطن كان أكثر اهتماما بالمشاركة فيها، لما لها من علاقات بواقعه ومشكلاته اليومية، منه في الاستحقاقات الوطنية التشريعية والرئاسية. وهو ما حدث في الانتخابات التشريعية الخامسة سنة 2007 والتي شهدت مشاركة 24 حزبا و100 قائمة مستقلة وبلغت نسبة المشاركة الانتخابية فيها 35.5 بالمائة، أي أن 6.6 مليون ناخب فقط أدلوا بأصواتهم من بين 20 مليون ناخب، وهي أدنى نسبة مشاركة للناخبين في الجزائر منذ نيل الاستقلال حيث أنها تمثل ثلث نسبة الناخبين. وتكاد تكون حالة عربية رسمية أيضا، كما انها مشابهة لمثيلاتها في غيرها من البلدان.
تواجه الحكومة والحركة السياسية في الجزائر تحديات مختلفة على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا. وتسهم السياسات المنظمة في استباق التحركات والتغيرات التي تدور داخل البلد وخارجه في تامين الأوضاع القائمة حاليا. ورغم ذلك تبرز دعوات إلى التغيير والعمل على وضع الحلول الناجزة للمعضلات والمشكلات العامة. ولا تختلف الجزائر هنا عن غيرها في استشراء الفساد وتغول الأجهزة الأمنية والعسكرية في القرارات السياسية ومن هنا تصبح مسؤولية التغيير مهمة عاجلة ومسؤولية جماعية وردا على الضغوط والتدخل الأجنبي المنظم هو الأخر في البلاد. ومعروف ان نسبة الشباب في البلاد عالية جدا، كما هو الحال في العالم العربي، حيث تبلغ النسبة أكثر من 60 في المائة وتتجاوز معدلات البطالة أكثر من 25 في المائة، إضافة إلى ان التمايز الطبقي والاجتماعي وعدم المساواة في المشاركة السياسية بين الأجيال والفئات العمرية والمرأة والرجل كبير ومتواصل. وهنا تكمن ضرورة التفكير برؤية أوسع من نتائج الانتخابات أو الانتخابات نفسها، لان المسؤولية فيها تهم البلد والشعب، أو بمعنى ضرورة طرح برامج متكاملة تحمل كل تلك القضايا والمسائل المهمة في إدارة الدولة والحكم والتنافس السياسي.
رغم شكاوى عامة من مختلف الأحزاب من تجربتها السابقة في الانتخابات التشريعية والرئاسية واتهامها الحكم بمحاولات التزوير والهيمنة على النتائج، إلا أنها تقر بان الرئيس بوتفليقة وحكمه قاما بانجازات وإصلاحات محدودة، سمحت للمعارضة من الوجود العلني والمشاركة السياسية في البرلمان ومؤسسات الإعلام والحراك السياسي. ولاسيما القوى والأحزاب الإسلامية التوجه أو الاسلاموية التي أعلنت أسماءها وحضورها للمشاركة في الانتخابات القادمة. ومعروف ان الرئيس وفقا للدستور تمكن من خلال التعديلات التي صودق عليها سابقا التحكم الواسع في السلطة، وتشكيل الحكومة ورئاستها. ويزمع قادة أحزاب الإسلام السياسي الاستفادة من التغيرات في العالم العربي، ولاسيما في المحيط المغاربي وشيوع التوجهات المحافظة لدى السكان البالغ عددهم 35 مليون نسمة، واستذكار نتائج انتخابات 1991 وفوزهم بأغلبية برلمانية، ومنعهم وبداية سنوات الدم والدموع كما يسمونها في التاريخ الجزائري.
إلا ان ما يميز المشهد السياسي هو نفوذ واضح لقادة المؤسسة العسكرية والتوافق مع الحركة الوطنية في إدارة العملية السياسية. الأمر الذي يحميها من تكرار ما حصل وتنظيم الحراك من جهة، ويجعل الرئيس قاسما مشتركا لاستمرار المكاسب السياسية وخاصة مبادرة المصالحة الوطنية وإعلان عفو شامل، وكذلك إمكانيات الحوار وتقبل التعامل مع صعود التيارات الإسلامية لوضع قواعد جديدة للنظام والدولة من جهة اخرى. وهو ما يتوقع له في نتائج الانتخابات القادمة والحراك السياسي الموجه لها من الان وحتى موعدها، وما بعده.