الأربعاء، 11 مايو 2011

تحولات أوروبا والمهاجرون الجدد

تتصاعد قضايا الهجرة والمهاجرين في أوروبا، وتتعاظم الإشكاليات التي تحيط بها، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والصراعات الدولية والإقليمية، وما بين ضفتي الأطلسي أيضا. وفي الوقت نفسه تتحول أوروبا إلى اليمين سياسيا واجتماعيا، وتتربع في اغلب البلدان الأوروبية قوى من أحزاب اليمين والوسط والمتطرف منهما، في السلطات المختلفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية. وتطبق برامجها السياسية التي تستفيد منها دعائيا في أيام الانتخابات في المواقف المعادية للمهاجرين، والأجانب من العرب والمسلمين خصوصا. وتزداد هذه التحولات يمينية في التعامل مع قوانين الهجرة رغم حاجة أوروبا إلى المهاجرين كقوى عاملة وخبراء في الاختصاصات التي تنقصها، في علوم التقنية الحديثة والطب وغيرها من الأعمال التي تحتاج فيها إلى أيد عاملة باستمرار.
تجتهد أوروبا في تحجيم الأزمات الاقتصادية وتعمل على معالجتها بما يمكنها من تجاوزها بأيسر السبل والحلول المشتركة والتعاون فيها، وتستثمر القوى السياسية اليمينية أيضا فيها مع ان أوضاع بلدانها لا يمكنها ان تستغفل أهمية دور المهاجرين وفي تحريك دورتها الاقتصادية وتنويع حياتها الاجتماعية والثقافية وحتى تطوير منظوماتها السياسية والاقتصادية. وبين الحاجة إلى المهاجرين والهجوم عليهم بما يدغدغ مشاعر العداء لدى جمهور الأحزاب اليمينية وضحايا الأزمات الاقتصادية الواسعة في اغلب تلك البلدان، لم تتوقف قوافل المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي، أو من خارجه. وتتعاظم النقاشات حولها لاسيما الهجرة السرية وكلفتها البشرية والاقتصادية في اغلب الأحيان. حيث تشير الدراسات فيها إلى الخسائر الكبيرة في أعداد المهاجرين على تخوم الحدود الأوروبية، لاسيما من البحر الأبيض المتوسط. إذ تفقد أعداد كبيرة من البشر حياتها سنويا قبل الوصول إلى أحلامها في البلدان الأوروبية. كما تشير دراسات إلى سرعة شيخوخة الاتحاد الأوروبي ديمغرافيا، وقد يتراجع سكانه 48 مليون نسمة بحلول عام 2060 في حالة جمود الوضع فيه وعدم التغيير في قوانينه واستقباله لمهاجرين جدد. كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ( سنة التقاعد العام) ستنتقل من 17 بالمائة إلى 30 بالمائة. وهذا يتطلب تغييرا في السياسات الإستراتيجية، ومنها ما يتعلق بالهجرة. ولكن اغلب البلدان الأوروبية تواصل سياساتها المعادية للمهاجرين الجدد، خصوصا من العالمين العربي والإسلامي، ولاسيما بعد الموجات الجديدة التي تغامر بحياتها من اجل الوصول إلى أوروبا لمختلف الأسباب والظروف، والمتغيرات السريعة فيها.
بعد توسع الاتحاد الأوروبي اختلفت سياسات الهجرة ومصادرها. وأصبحت الهجرة من دول شرق أوروبا إلى غربها تحتل المقام الأول فيها، لاسيما من البلدان التي دخلت في عضوية الاتحاد في أيار/ مايو عام 2004. وكان لهذا التمدد الأوروبي نتائجه الملموسة على الهجرة بشكل سريع. فبعد أشهر معدودة شهدت الحدود البريطانية تدفق أعداد كبيرة من الأوروبيين الشرقيين الباحثين عن فرص حياة أفضل. وجاء معظم هؤلاء، نحو 56 بالمائة من أكبر الدول الأوروبية العشر التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي مؤخرا، بولندا بسبب ارتفاع نسبة البطالة فيها، حيث وصلت إلى 16 بالمائة، وكذلك من البلدان الأخرى .
رغم ذلك تشير استطلاعات رأي بوضوح إلى أن هناك مناخا عاما معاديا للهجرة والمهاجرين في أنحاء الاتحاد الأوروبي. فحسب استطلاع أجرته جريدة الفايننشيال تايمز البريطانية في أواخر آب/ أغسطس 2010، عبرت نسبة كبيرة من المشاركين عن رؤية سلبية لتداعيات وجود المهاجرين في بلادهم. فقد عبر 48% من المشاركين من فرنسا عن اعتقادهم بأن وجود المهاجرين له تداعيات سلبية على الاقتصاد. وفى إسبانيا، حيث تبلغ نسبة البطالة 20%، عبر 67% عن اعتقادهم بأن عمليات الهجرة إلى بلادهم تصعب من إمكانية حصولهم على عمل، كما اعتقد 32% منهم أن وجود العمالة المهاجرة قد أدى إلى خفض الرواتب التي يحصلون عليها. وقد عبر 6 من كل عشرة مشاركين من بريطانيا عن اعتقادهم بأن وجود المهاجرين قد أثر سلبا في نوعية الحياة في البلاد. وقرر 63% أن مستويات الهجرة تؤثر سلبا في مستوى الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة، وعبر 66% عن رأيهم بأن ذلك يؤثر سلبا في الخدمات التعليمية التي تقدمها الحكومة. وقد أضافت سياسات التقشف الأوروبية الأخيرة سخطا متزايدا وتحولات تخدم اتجاهات اليمين الأوروبي.
ومع التزام الاتحاد الأوروبي باحترام حقوق المهاجر الصحية والثقافية والاجتماعية، إلا أن هناك تفاوتا بين الخطاب والممارسة، ويتدهور بشكل مستمر. وحسب مراقبين، فالعديد من البلدان الأوروبية، لا تحترم مبادئ حقوق المهاجر، والدليل على ذلك، أن أغلب "البلدان المتقدمة" لم تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة حول ضمان حقوق كل المهاجرين وعائلاتهم، وخاصة أنها تتضمن مواد تلح على عدم التمييز بين المهاجر الشرعي وغير الشرعي، مثل المادة الأولى من الاتفاقية. الأمر الذي ينذر بسياسات مغايرة لتلك الالتزامات ومهددة لها ومشجعة للتحولات اليمينية، وتعقيد حياة المهاجرين الجدد. لاسيما في أساليب التعامل وتوفير فرص البحث للمهاجرين عن وطن بديل وحياة كريمة بعد ان اضطر اغلبهم إلى الهرب من الفقر والجوع والحروب والاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان في بلدانهم الأصلية.