الثلاثاء، 8 مارس 2011

الثورات العربية ومبيعات الأسلحة الغربية

الجمعة 4/3/2011
اندلعت الثورات العربية في أكثر من بلد عربي وكشفت الكثير من الأمور التي كانت محظورة أو الممنوع ذكرها، ولكن طبيعة الثورات فضح أصحاب القرار السياسي السابقين عليها وتسليط الأضواء على سياسات حكمهم طيلة تلك السنوات. من بينها الخداع في الأهداف التي أدعتها وهشاشة قوة السلطات المتحكمة بها وبطلان شرعيتها التي كانت تتحجج بها وتستند إليها في إنهاك الإرادات الوطنية.
الثورات تعبير عن قدرات الشعوب على التغيير والتصدي للقمع والعنف الحكومي والرد بالإصرار والصمود والاحتجاج السلمي أو العنفي واختيار ساحات تحولت إلى مثابات ثورية وعناوين لها. وكل ثورة شعبية عربية اتسمت بسمات وأعطت نموذجا متجددا ومنحت مثالا لاستمرارها وإنجاز مهماتها الوطنية والقومية. وكأنها عواصف ثورية هبت داخل الوطن العربي وخارجه. وتحقق لها سقوط دكتاتورين في تونس ومصر ووضعت مصير آخرين تحت عامل الزمن فقط، وأصبح التغيير منهجا متواصلا ومتصاعدا لصنع حقبة جديدة في تاريخ العالم العربي، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. كما أصبح الشعار الرئيسي الذي رفعته الثورات: الشعب يريد .. إسقاط النظام!، شعارا مركزيا ومتنقلا حتى لأوضاع غير سياسية أو تحررية.
لا ينفع الصمت على ما حصل ولا تعوّض المكرمات "الرشاوى" المحدودة والمفروضة عن الاقتناع بعملية التغيير وتجاوز ما سبق اندلاع الثورات العربية والتوجه إلى ما بعد، والاستماع بجدية إلى أجراس الإنذار الأولى في كل المعمورة العربية، والعمل بالتعاون والتنسيق الداخلي قبل الرضوخ والإذعان إلى إشارات الريموت كونترول الخارجي. كذلك فضحت الثورات العربية قضايا كثيرة من أبرزها الفساد المالي الرسمي في الإنفاق العسكري الكبير الذي وفر اختلاس الثروات وتبذير الأموال العامة والنهب والتكريش لأوساط رسمية على حساب قوت الشعب وتنميته وتوفير الفرص الطبيعية لحياة كريمة لأجيال من الشباب الذي يتخرج من الجامعات والمعاهد ولا يجد فرصة عمل له بسبب سوء التخطيط المركزي ونهب الثروات وتكريس التفاوت الطبقي والاجتماعي. وأريد التركيز على الهدر الواسع في الثروات في قضية التسلح العسكري وادعاءات أسبابه، حيث تبين من خلال تلك الثورات ان السلطات التي كدست تلك الأسلحة وهدرت أثمانها الباهظة وتسابقت في عمليات شرائها، لم تحسب جيدا مصالح شعوبها وتورطت في خدمة مخططات أجنبية، وحولتها إلى دافع من دوافع غضب الشعوب لأنها ابتعدت عن أغراضها وتمت على حساب تجويع الشعوب وهدر كرامتها أمام المصالح الغربية التي لا يهمها غير تلك الصفقات والمليارات التي تسيّر اقتصادياتها وترفه مجتمعاتها وتمرر نظرياتها في الجشع والاستغلال والحرمان وانتهاك الحقوق وتزييف الرغبات.
بالملموس نشرت وسائل الإعلام الغربية الكثير من تلك الصفقات والعمولات التي دفعت فيها وأسماء الكثير من المتنفذين في إجراءاتها ومازالت بعضها في المحاكم الغربية لمتابعة مطابقتها للقوانين الغربية المعمول بها داخليا، بينما لم يجر ما يقابلها في البلدان العربية. وكذلك تنشر المواقع الإلكترونية للشركات المزودة للسلاح ووزارات الحرب الغربية كل الصفقات العسكرية والأثمان التي تكسبها منها ولا نجد ما يوازيها عربيا لأنها تعرف أنها تمارس فيها مخططات لا تليق بشعوبها ولا خدمة مصالح تلك الشعوب وعلاقاتها الوطنية والقومية وأمنها القومي واستراتيجياتها المستقبلية. ما نشر مؤخرا لبعض من تلك الصفقات وتلك القضايا يتطلب وضعها أمام المحاسبة والسؤال في رفع الشعارات المطلوبة بشأنها أيضا. حيث كشفت وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، عن مزيد من صفقات بيع الأسلحة إلى عدد من دول الخليج العربية والعراق واليمن ومصر. وأفاد بيان صادر عن وزارة الدفاع بأن الصفقات تتضمن بيع صواريخ ومعدات عسكرية بمئات الملايين من الدولارات إلى كل من الكويت، دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية. (ذكرت صحيفة فاينّانشل تايمز البريطانية أن دول الخليج العربية تشتري أسلحة أميركية تقدر قيمتها بـ123 مليار دولار، وستكون حصة السعودية منها 67 مليارا). وأعلنت مصادر عراقية أن عقود تسليح الجيش العراقي التي وقعت بالفعل، قد تصل الى أكثر من 10 مليارات دولار. كما كشفت النائبة الفرنسية ايفا جولي عن "ان فرنسا باعت ليبيا أسلحة بقيمة إجمالية قدرها 210 ملايين يورو، والاتحاد الأوروبي باع ليبيا أسلحة بقيمة 343 مليون يورو في العام 2009 وحده".. كذلك نشر عن مهمة زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الأخيرة لبعض العواصم العربية لترويج مبيعات الأسلحة وشركات تصنيعها وكانت قد شاركت أكثر من خمسين شركة بريطانية فقط في معرض للأسلحة في ليبيا في العام الماضي ومثلها في دول الخليج. وكل معرض للأسلحة يحتاج إلى الشفافية والتوثيق لصفقات الرشاوى والفساد المالي والإداري فيه. وكانت الشركات البريطانية قد وافقت العام الماضي على تصدير أسلحة لما تسميه مكافحة الشغب ومقاومة المحتجين وكأنها استبقت ما سيحصل بها. ( هل ناقشت ما يسمى ببرلمانات أو مجالس شعبية أو وطنية مثل هذه الصفقات؟ وما هو رأيها فيها؟)
أعلن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، المختص بمتابعة التسلح في العالم قائمة أكبر مائة شركة مصنعة للسلاح في العالم، محددا 45 شركة تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، و33 شركة في أوروبا الغربية، وباعت هذه الشركات ما يزيد على 90% من إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم. وقد لفتت صحيفة "فويينو بروميشليني كوريير" الروسية، الأنظار إلى الجوانب الاقتصادية لصفقات الأسلحة الأميركية، معتبرة أن أكثر ما يحث الولايات المتحدة على بيع السلع العسكرية إلى الدول الأخرى، وبالأخص الدول العربية الغنية بالنفط، هو أن الولايات المتحدة تستورد من هذه الدول أكثر مما تصدره إليها، لذا تسعى إلى سد الفجوة من خلال بيع المزيد من السلع العسكرية. (أي تبذير ثروات هذه الشعوب!)
هذه الأسلحة التي بيعت في العالم العربي لم تستخدم لوظائفها الأساسية ولم تعرف إلا فيما حصل مؤخرا في مواجهة الثورات الشعبية. حيث استخدمتها بعض البلدان ضد انتفاضات شعبها وحاولت بها ان تسكت إرادة شعبها وهبوب العاصفة. ورغم ذلك واجهتها الشعوب بصدور عارية وتحدت الموت الذي حملته لها تلك الأسلحة وأصحاب القرارات السياسية. فهل هي لهذه الأغراض ولماذا لا يفصح عنها؟. وأين الشعارات البراقة في حماية الشعوب وحفظ كرامتها والرد على العدوان القائم منذ أكثر من ستة عقود ولماذا تصدأ في مخازنها ولم يتساءل أحد عنها؟.
ان الثورات الشعبية العارمة في العالم العربي وضعت هذه الأسلحة في قائمة السؤال عن مصادر الشرعية والإرادة الوطنية ولابد من المكاشفة والمحاسبة.