الاثنين، 28 فبراير 2011

حوار مع الكاتب والسياسي العراقي الدكتور كاظم الموسوي

16 /02 /2011
اكد الكاتب والسياسي العراقي الدكتور كاظم الموسوي ان الاحتلال يعد جريمة قانونية وتاريخية وممارسة تكشف مدى جبروت الدول الرأسمالية الكبرى وجشعها وتجاوزها لكل الشعارات التي تدّعيها। واوضح الموسوي في الحوار الصحفي الذي اجراه معه الكاتب الصحافي جاسم الشمري ( مراسل الهيئة نت - عمان) ان سنوات الاحتلال البغيض التي مرت على العراق كشفت الكثير من الكوارث والمآسي التي ما زال يعيشها ابناء هذا البلد الجريح ..مشيرا الى ان الوثائق السرية لموقع ويكي ليكس وما نشر من مذكرات للسياسيين والعسكريين الأمريكيين والبريطانيين، فضحت الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال السافر وعملاؤه خلال السنوات العجاف التي مرت على العراق.. (...)
وفيما يأتي نص الحوار كاملا:
1- بعد هذه السنوات العجاف التي مرت على العراق وأهله منذ عام 2003 وحتى اليوم كيف تقرا المشهد العراقي حالياً؟
* المشهد السياسي العراقي بعد هذه السنوات العجاف مشهد مثقل بالأزمات وملتبس أيضا، رغم وضوح صراع الإرادات فيه بين احتلال أمريكي ومن يتبعه ويتحالف معه وبين شعب وقع تحت الاحتلال. والاحتلال اختلال لكل القيم والمعايير والمقاييس. وهو لم يتغير في طبيعته، الاحتلال .. احتلال أجنبي وبغيض ولا يوجد في التاريخ ما يغيّر من صورته الفعلية. الاحتلال جريمة قانونية وتاريخية وممارسة تكشف مدى جبروت الدول الرأسمالية الكبرى وجشعها وتجاوزها لكل الشعارات التي تدعيها. ومن خلال المتابعة اليومية لتلك السنوات تكشف الكثير من كوارثه وماسيه، وهي الصورة الحقيقية له. وللأسف مازال الاحتلال قائما في العراق، رغم ما يدعى من اتفاقيات وسحب جنود وانهزام حلفاء الإدارة الأمريكية عسكريا من ارض الرافدين. مذكرات السياسيين والعسكريين الأمريكيين والبريطانيين ووثائق الويكي ليكس فضحت بصراحة وعلى المكشوف ما حصل في السنوات العجاف في العراق، وما عاناه الشعب العراقي منه. ولا أريد إعادة الوقائع المعروفة عن طبيعة الاحتلال وتداعياتها. وللأسف كل سنة تمر والأوضاع، إذا لم تذهب نحو الأسوأ فتتكرر، حتى على صعيد الأفراد والعملية السياسية وتداولاتها واستمرارها على أسسها الطائفية والاثنية التي أراد المحتل تكريسها، وظل المشهد السياسي في العراق يراوح مكانه منذ الغزو وما حصل فيه لم ينقله نحو حالات أفضل.
2- حتى اليوم يطبل ساسة الاحتلال الأمريكي ومعهم اغلب رجال العملية السياسية بأنهم جاؤوا من اجل نشر الديمقراطية في العراق فما هو تعليقكم على ذلك؟
* شر البلية ما يضحك، هذا ما ينطبق على مثل هذه الادعاءات الخادعة. عن أية ديمقراطية يتحدث هؤلاء الذين لو راجعت تصريحاتهم المباشرة وما يقولونه في لقاءاتهم الخاصة والعامة، لاسيما في فترات معينة، كما يسمونها بالانتخابات أو الاستفتاءات، وقبل وبعد صدور نتائجها، تكشف الخداع والدجل الذي يمارسون. كما أن الوقائع التي تجري اليوم في العراق تفضح مثل هذه الادعاءات. الديمقراطية ليست انتخابات فقط، وليست شعارات براقة. الديمقراطية مؤسسات وآليات، ممارسة وثقافة وتحولات ملموسة، وليست تقاسم وظائف على أسس الطوائف والاثنيات وتكريسها ونكران حقوق المواطنة والإنسان والحريات العامة ، وباسمها يحصل النهب والفساد والاختلاس والاعتقالات والسجون والكذب والخداع. أما الإدارة الأمريكية فهي لا تحتاج إلى توصيف في خداعها وتشويهها لهذا الشعار في العراق والعالم العربي خصوصا. ويكفي تصريحاتها المخجلة عن شخصيات تعاونت معها في أوقات سابقة وعادت تدفع لهم الأموال وتعلن عنهم في برامج إعلامية مدفوعة الثمن مسبقا، بما يخدم مشروعها متناسية بياناتها عنهم. وهذا مؤشر صارخ على دجلها في مشروع نشر الديمقراطية في العراق أو محيطه.
3- هل تعتقد أن قوات الاحتلال سترحل في نهاية هذا العام بحسب ما تم الاتفاق عليه مع حكومة المنطقة الخضراء؟
* نعم.. حسب دراسات وتوصيات أمريكية، وظروف داخلية، تشير إلى رحيل قوات الاحتلال الأمريكي مثلما رحلت القوات الغازية الأخرى التي شاركتها الجريمة. والسؤال هنا: هل سينتهي الاحتلال؟ أتصور أن أشكال الاحتلال ليست فقط بالوجود العسكري المباشر. رغم أن الإدارة الأمريكية العسكرية رسمت لها وأعلنت مبكرا عن مخططات وخرائط لما يمكن اعتباره قواعد عسكرية إستراتيجية، في مناطق معينة، لها تأثيرات إستراتيجية في الأمن القومي للمنطقة كلها، للعراق وجيرانه. وغيرت التسميات والمهمات. والسؤال الآخر لماذا سترحل القوات؟ وهل ترحل كلها أم تبقي عددا منها وتحت مسميات أخرى؟ لا أظن أنها ترحل لأنها وقعت اتفاقية، فحتى هذه الاتفاقية تتضمن بنودا حمالة أوجه، تعني ضمنيا إمكانية البقاء أو العودة حسب طلب الطرف الآخر، وهذا ما سبقه "مسؤولون" عراقيون في التصريح بضرورة التمديد إلى عام 2020 مثلا، لكن الانسحاب سيتم لأسباب كثيرة، منها طبعا حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها قوات الاحتلال، وهذا ما صرح به علنا نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا في لقائه مع قيادات من حزبه الديمقراطي، وكذلك الاستقبال الصاخب الذي تعرض له تشيني ورامسفيلد في اجتماع رسمي لحزبهم الجمهوري. وكل هذا لا يهم كثيرا، فالنفوذ الأمريكي سيتواصل في العراق والمنطقة، وهو الأمر الأخطر، الذي ينبغي الانتباه له وإدراكه، والتصدي لتحديات وجوده بكل أشكالها، ومنها مخططاته في تربيع الدوائر الداخلية والعمل على حرف البوصلة الوطنية ضده إلى غيرها من الأهداف، ومساعيه للتغلغل السياسي والاقتصادي في فئات الشعب المختلفة وتصنيع قاعدته وتركيبه الاجتماعي.
4- هل تعتقد أن الاحتلال وأعوانه نجحوا في خلق فتنة طائفية بين "العشائر" العراقية ؟!
* كما تعرف، أن كل احتلال واستعمار يعتمد على قواعده الأساسية في التحكم في البلدان المحتلة، وأبرزها قاعدتان، الأولى: فرق تسد، وهي الحالة التي رأيناها بوضوح في الاحتلالين للعراق، البريطاني سابقا، والأمريكي حاليا. وللأسف نجح الاحتلال في الحالين في هذه القضية، واستثمرها في ظروف صعبة ومعقدة وتمكن من زرعها، بل زاد فيها التفرقة، إضافة إلى الفتنة.. والثانية: ما يطلق عليه "بالرتل الخامس"، أو أذناب الاستعمار، وأعوانه ومريديه ومروجي سياساته، وهؤلاء أصناف حرباويون، موجودون في كل زمان ومكان، وأحيانا يلبسون ثيابا أخرى ويدسون السم في العسل، كما يقال.. ولكن وعي الشعب العراقي وطبيعته المخالفة للفتنة والتفرقة فرض التغلب عليها واستعادة روحه الوطنية في تقليص أثارها وتداعياتها ومحاولات التخلص منها. لا يمكن إنكار سنوات سوداء من الحرب الداخلية تحت غطاءات طائفية أو مسمياتها، مرت على العراق وما زالت آثارها قائمة، في سياسة المحاصصات والتقسيمات الطائفية في العملية السياسية الأمريكية. والفتنة طاعون خطير، يترك سمومه زمنا ويتطلب دائما التنبه والتحذير منه والعمل بوعي وطني وإدراك موضوعي للتخلص منه. وكيف إذا صحبته خطط للتفرقة أيضا، والعدو لا يتفرج في كل الأحوال؟!، كما لا يمكن أن نغفل العوامل الذاتية، وتحمل المسؤولية بأي مقدار عنها، حيث لا ينجح العدو دائما دون توفر القابلية الذاتية لقبول مخططاته بين فئات غاوية، محدودة الوعي وقصيرة النظر. هنا نجح العدو ولكن كما ذكرت الوعي الوطني أقوى من الفتنة!.
5- ما هو موقفكم من الفيدرالية؟
أورد باحثون وخبراء علوم سياسية تعريفات عدة لمفهوم الفيدرالية، تتقارب جميعها بالمعنى والمضمون، وترسم صورة مقبولة "لشكل الدولة التي تتصف بجملة من التنوع العرقي والتركيبة السياسية المتعددة الميول والاتجاهات المتعارضة، حيث ينبثق تحقق نظام الاتحاد الفيدرالي الذي يكفل التعايش الإنساني القائم على أسس الوحدة والتعاون والتوافق والهدف المشترك. فالفيدرالية في ابرز تعريفاتها، شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية. وهناك تعريف آخر يقول ان الفيدرالية: تعني المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد – مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية – مع الالتزام بتطبيقها – وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد. وفي تعريف آخر: الفيدرالية هي نظام قانوني يقوم على أساس قواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والأديان والمذاهب والأطياف ضمن دولة واحدة تديرها المؤسسات الدستورية في دول القانون"..
وكذلك "الفيدرالية: نمط أو شكل من أشكال الأنظمة السياسية المعاصرة، وتعني وحدة مجموعة أقاليم أو ولايات أو جمهوريات (دويلات) في إطار الارتباط بنظام المركزية الاتحادية، مع التمتع بنوع خاص من الاستقلالية الذاتية لكل إقليم. فالنظام الفيدرالي يضمن للقوميات حق إدارة أمورها بنفسها، مع بقائها ضمن دولة واحدة. والأقاليم أو الولايات المكونة للدولة الاتحادية تعتبر وحدات دستورية، لا وحدات إدارية كالمحافظات في الدولة الموحدة، ويكون لكل وحدة دستورية نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية".
كما ترى من حيث المبدأ ان كل هذه التعريفات مقبولة منطقيا، وقانونيا، وتتطلب توفر شروطها المذكورة في وضع العراق، ويمكن الأخذ بها إذا كانت الرغبات لها قائمة على المصالح العامة للشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية، وباختياره وتوافقه العام، أما إذا استخدمت للنوايا الاستعمارية والمشاريع العدوانية فيبطل مسبقا الحديث عنها، لأنها تدخل في باب الفتنة والتفرقة والتمييز وانتهاك الحقوق والسقوط في خدمة الأعداء وغير ذلك. من هنا أرى ان المصطلح لا غبار عليه ويمكننا استخدامه في البحث السياسي والقانوني في العراق دون ان يحوّر أو يقلب مفهومه المذكور إلى مخططات التفتيت والتقسيم الصهيواستعمارية.
6- ما هي أسباب تأخر الثورة الشعبية في عموم العراق ضد النظام الحاكم على الرغم من انتشار الفساد والمحسوبية برأيكم؟ وما هي تداعيات الثورتين التونسية والمصرية على الشعب العراقي؟
* العراق اليوم تحت الاحتلال والوصاية الأمريكية (وكما تعرف ان الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القرار في مجلس الأمن) وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأولويات الثورة الشعبية المطلوبة تختلف عما تحمله الكلمات من معان في هذا المضمار. ولابد ان تكون الثورة الشعبية هنا ضمن إطار التحرر الوطني أولا وتحقيق الأهداف التحررية كقضية مركزية، وبالتأكيد تتحمل المقاومة الوطنية طليعة هذه المسؤوليات، وبلا شك هي التي كبدت المحتل الخسائر المعروفة وأرغمته على التفكير في الرحيل المبكر عسكريا. أما إذا كنت تتناغم مع مجريات الثورتين في تونس ومصر، وهو سؤالك الآخر، فان تداعياتها لابد ان تترك لها موقعا في كل الشعوب التواقة إلى الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة والديمقراطية والعدالة والاستفادة من الثروات والمشاركة في الحكم والبناء.
أما انكشاف حلقات الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة والخدمات فهي مفردات في حلقة من حلقات إدارة الاحتلال وسياسته في الإغراء والتوظيف لقاعدته الإدارية والسياسية والتعويض عن احتلاله المباشر العسكري وتغيير طبيعته إلى المدني والمنضبط تحت تسميات التعاون والتنسيق وتبادل الخدمات والتخادم الوظيفي. وإذا عدنا إلى تحليل الأسباب في التأخر فلابد من الخوض فيها إلى ما قبل الاحتلال الحالي، وتدمير الحياة السياسية من قبل الدكتاتورية وممارساتها القمعية والعنفية والاستبداد وغيرها من سماتها، مع سنوات الحصار الجائر والتواطؤ الخارجي معها، إضافة إلى الاحتلال نفسه والقوى المرتهنة به التي جاءت معه، كل هذه الأسباب والعوامل لعبت دورها في التأخير، إلا ان الثورات الشعبية، كما علمتنا تجربتا الثورتين في تونس ومصر، تتراكم فيها العوامل وتنفجر عند وصول اللحظة التاريخية المناسبة لها، بتنوع حواملها ووقودها الثوري وحسب الظروف وموازين القوى، ولا يتكهن بتوقيتاتها.
بخصوص تداعيات الثورتين التونسية والمصرية على الشعب العراقي، فلا اشك ان شعبنا فرح جدا بهما وتمنى علنا أو سرا، ان يكون السبّاق تاريخيا في مثل هذه المهمات، وقد يحز في نفسه انه أضاع منه فرصته في التخلص من الدكتاتورية بأيديه وليس بالدبابات الأجنبية والقبول بحكم بول بريمر ومخلفاته. وفي كل الأحوال، لابد ان تترك رياح التغيير في تونس ومصر آثارها وتفاعلاتها على الشعب العراقي. وكذلك على جميع القوى السياسية ان تراجع نفسها وتقرأ يوميات الثورتين وتداعياتها وتعيد النظر بخطابها وأهدافها العملية وحتى السبل التي تناضل بها في سبيل ذلك وانجاز المهمات الوطنية التحررية المطلوبة.
7- ما هو تقييمكم للدور العربي بخصوص ما وقع على العراق بعد عام2003؟
* يحزنني القول ان الدور العربي عموما كان من أسوأ الأدوار تاريخيا وقوميا في الموقف من الغزو والاحتلال وهو الأمر الذي لا يغفره التاريخ للسلطات العربية التي شاركت ومازالت في تدمير العراق، سواء في دعم المجهود الحربي وتسهيل مهمات الغزو أو التسليح والتبرع بتوفير الإمكانات والأموال. وقد تكون من أسباب الثورة في بعض البلدان العربية موقف تلك الحكومات من العراق والقضية الفلسطينية. ولاشك ان الذين دعموا الغزو والاحتلال ندموا أو خابت ظنونهم وقالوا أقوالا معبرة فضحت جرائم مشاركتهم فيما حصل في العراق قبل وبعد عام 2003. لابد هنا من الإشارة إلى ان الشعوب العربية مسؤولة أمام التاريخ، رغم معرفة مشاعرها وتوجهاتها الحقيقية، عن تلك الجريمة التي ارتكبت في احتلال العراق، بالقدر الذي يعنيها في تأييد أو الصمت على استمرار حكوماتها ودورها فيها.
لا يمكن ان نكذب أعيننا وكل الوقائع والوثائق شاهدة، عن انطلاق الطائرات الحربية والصواريخ التي قصفت بغداد، والدبابات التي دنست ارض السواد، والتصريحات التي مهدت الطريق أمام جحافل الشر و"العلوج" . ما وقع عام 2003 جريمة دولية مازالت لجان التحقيق الدولية والغربية تعقد لها وستتواصل أيضا ولكن لابد ان تقوم أمثالها بإرادة عراقية بعد التحرير للاقتصاص ومحاكمة المجرمين وتعويض شعبنا عما لحق به جراءها.
وأعود وأقول من تداعيات ثورتي تونس ومصر هو ضياع هذه الفرصة على الشعب العراقي حينها، واخذ روح المبادرة والسبق في صنع ملحمته التاريخية. ان انتصار ثورتي تونس ومصر تلهم كل الشعوب في أساليبها ونتائجها وتحث على الإبداع في تطوير الانتفاضات والثورة الشعبية في كل البلدان التي لا تختلف في واقعها عما كان في مصر وتونس وغيرها.
8- هل تعتقد وكما يقول البعض إن المقاومة العراقية قد انتهت وخصوصا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة؟
* من يقول ذلك يستهين بالشعب العراقي، أو لا يعرفه فعلا. المقاومة عموما وعلى مر التاريخ تمر بفترات مد وجزر، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الظروف والإمكانات والوضع الجغراسياسي للبلد وطبيعة الأعداء فيه، وكذلك طبيعة المقاومة ووسائلها وأساليبها. ولذلك لا يمكن القول إن المقاومة العراقية انتهت والاحتلال مازال قائما. حتى المجرم بوش الثاني قال للصحافة الفرنسية لو احتلت أمريكا لقاومت المحتلين، فكيف بالشعب العراقي؟. ثم أن أساليب المقاومة متنوعة ومتعددة وتأخذ أشكالا كثيرة، حتى الصمت في ظروف معينة نوع من المقاومة. ألا تتذكر قصة (صمت البحر) للروائي الفرنسي فيركور؟، قصة من أدب المقاومة الفرنسية التي طبعت ووزعت سرا تحت الاحتلال النازي لفرنسا، وتتلخص بالصمت فقط في مقاومة الضابط المحتل.. وهنا لابد من الفصل التام بين ما تدعيه وتعلنه وتوظف له آلة الإعلام الغربي وأتباعه في وصم المقاومة بما تقوم به فرق الموت التي زرعها السفير الأمريكي حينها في العراق جون نغروبونتي ومرتزقة شركة البلاك ووتر وأخواتها، وباقي الأجهزة المخابراتية الصهيونية وحلفائها، ومن يحميهم ويوفر لهم جرائمهم لخلط الأوراق والانقضاض على قوى المقاومة الوطنية الحقيقية.
المقاومة ضد الاحتلال والاستبداد مشروعة وأعمالها واضحة ونتائجها في العراق ملموسة في انسحاب القوات الأمريكية العسكرية والخسائر المادية والبشرية الكبيرة التي تكبدتها. ولابد أن تتواصل المقاومة بكل الوسائل والأشكال حتى التحرير الكامل.
9 - ما هو مستقبل العراق برأيكم، هناك من يرى أن العراق ربما يسر لا قدر الله إلى حرب أهلية، هل أنت تعتقد ذلك؟ وما هو برأيكم الحل الأمثل للخروج بالعراق إلى بر الأمان؟.
مستقبل العراق بيد أبنائه، لا يرسم مستقبل الوطن إلا المخلصون له من شبابه وشاباته، من كل أجياله التي تحلم بشمس عراقية تشرق في ربوعه، وتشع على جباله وسهوله، ووديانه وبساتين نخيله وبرتقاله، في جامعاته ومعاهده ومدارسه، في مصانعه وحقوله، فوق قباب ومنائر ومآذن مساجده وجوامعه وحسيناته، ومراقد أئمته وعلمائه. والذين لا يحبون العراق يرسمون له سيناريوهات مختلفة منها ما سميته أو يسمونه بالحرب الأهلية. أتصور أنها مرت على العراق وتخلص الشعب منها الآن، والعودة إليها تعني أن الشعب لم يستوعب دروسها ولم يعرف مخططيها ودعاتها ومن الذي استفاد ويستفيد دائما منها. وللطريفة المضحكة أن اغلب الناشطين في العملية السياسية الأمريكية الذين هددوا بها قبل ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة نسوها حين وعدوا بحصص لهم من كعكة العراق العصية على الهضم لمن لا يفكر بالعراق ولا يرتوي من مياهه بنوايا خالصة.
لقد جربت الإدارة الأمريكية حكم العراق منذ غزوه والى الآن، وتفننت بالخداع على الشعب العراقي بما سمته بالانتخابات، وتشكلت حكومات وتسميات متعددة لها، وتراقص المشاركون في العملية السياسية الأمريكية طربا وفرحا وما زال جو بايدن يتحكم في شؤون العراق وينسل إليه كلما تتعقد قضاياه، كما تبدل خمسة سفراء أمريكان وبطانتهم الآلاف من الأجهزة المخابراتية المتعددة الجنسيات الذين يقررون عمليته، وبالأخير لم يحققوا أية منفعة حقيقة للشعب العراقي، حتى الشعارات الكثيرة التي رفعوها تخلوا عنها، الديمقراطية والحرية والاستقلال وغيرها. أسالك هل يمكنك أن تقول لي كم مدرسة أو مستشفى بنيت في العراق طيلة هذه الفترة؟ كم شارعا عبد وكم قرية وصلتها الكهرباء وبنيت فيها الخدمات الأخرى؟ ستقول لي العاصمة تشكو من انقطاع الكهرباء.. فكيف ستصل إلى القرى.. اجل.. هنا السؤال الفعلي، حين تقيّم عملا وترى أن الكهرباء تقطع بهذا الشكل يوميا ولا تتوفر بشكل اعتيادي يعني هذا الكثير في فهم الإدارة وخططها لبناء البلاد واستثمار ثرواته في تحقيق الخدمات الأساسية وبنيتها التنموية الأخرى. ولعل وضع العراق في تقارير المنظمات الدولية: الشفافية ومكافحة الفساد والعفو ومراقبة حقوق الإنسان وغيرها يفضح مسؤولية من يحكم العراق ومن يكشف صراحة فشله في الحكم الرشيد والتنمية المستدامة وتمكين المرأة من المشاركة الفعلية وتوسيع نشر المعرفة وبناء القواعد الأساسية للتطور الصحيح للبلاد. بدون الكهرباء والتصنيع والزراعة والتعليم تنمو البطالة وتتعقد الحياة وتزداد صعوبات العيش وتستشري الانتهاكات البشعة للحقوق والكرامة والحريات العامة.
الحل الأمثل للعراق بعد تجربة السنوات الماضية هو في إعادة بناء الدولة على أسس سليمة، بعد إنهاء الاحتلال كليا، واحترام إرادة الشعب في خياراته وفي فصل السلطات وتحقيق الحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
10 - هل تعتقد أن القوى الوطنية قد نجحت في مشروعها المناهض للاحتلال أم أن هنالك ثغرات في هذا المشروع وهل يمكنكم تحديدها؟
* بالتأكيد نجحت القوى الوطنية المناهضة للاحتلال في بداياتها وما حصل لقوات الاحتلال من هزائم فعلية وانسحابات سريعة ومحاولات تخطيط استبدال وجودها وعمليتها ومشاريعها، كل هذا تحقق بسبب مقاومة القوى الوطنية المناهضة للاحتلال، وما زالت هذه القوى تشكل شوكة في عيون قوى الاحتلال، ولكنها كما قلنا سابقا لم تستمر في زخم العمليات مثلما كانت، وتعرضت هذه القوى هي الأخرى إلى ما تعيشه العملية السياسية من تلكآات وثغرات، كما سميتها، والأسباب كثيرة ومتنوعة. وأبرزها غياب العمل المشترك وضعف التنسيق المنظم وغربة التعالي على التصرفات الفردية وإشكاليات التزعم والاستفراد وعدم استخلاص الدروس من التجارب وعبر التاريخ. ولكن رغم ذلك فان الأجواء اليوم تدعو من جديد إلى العمل بروح انتصارات ثورات تونس ومصر وما سيلحقهما، ولاسيما بعد انسحاب قوات الاحتلال العسكرية، والهزائم الأمريكية في أكثر من مكان.
11 – ما هو تقيمكم للأداء السياسي لهيئة علماء المسلمين في العراق؟
الأداء السياسي للهيئة متواصل بشكل ايجابي واستخدامها للوسائل التقنية الحديثة لإيصال صوتها مهم وعملية ناجحة. والحاجة إلى التطوير ضرورة قائمة، مثل ضرورة المراجعة للأداء ومسيرة العمل خلال السنوات المنصرمة والتخطيط لعمل التغيير في الوطن دائما. إن استمرار الهيئة بجهادية عالية يعني أن خطواتها مطلوبة كما هو العمل المشترك مع القوى والشخصيات المناهضة للاحتلال يمدها بقدرة اختبار قوتها وإمكانات تأثيرها في الكفاح الوطني.
12 - ماذا تقول للمقاومة العراقية وللشعب العراقي؟
بعد تجربة ثورتي تونس ومصر ودروسهما المهمة وعبرهما والإمكانات الكامنة في الشعوب يصبح أي قول دعوة صريحة ومفتوحة إلى قراءة دقيقة وموضوعية لهما والاستفادة منهما عمليا في تحليل الواقع الملموس والأهداف الملموسة. إن طاقات الشعوب كبيرة وان الظلم والضيم والاضطهاد والفساد والقمع والحرمان والبطالة والأمية والجوع والخراب العام وغيرها من الجرائم التي ترتكبها الدكتاتوريات تهيئ في الوقت نفسه ظروف التغيير والثورة، لاسيما وقد تنوعت الوسائل المحرضة والمنظمة وتوفرت إمكانات كثيرة وعوامل عديدة إضافية على ما سبق للثورة. والشعب العراقي لا يختلف عن هذه الشعوب وما يعيشه اليوم تحت الاحتلال يتطلب منه الكثير.