الجديد في المشهد السياسي العراقي اليوم هو سياسة الطاولات. يأتي ذلك بعد أن طالت المهل القانونية التي اتفق عليها السياسيون العراقيون المنضوون تحت سقف العملية السياسية، وصدّت أغلب الجهود والضغوط، ولم تتألف الحكومة، كما هو مرتجى ومنتظر. إلا أنّ أوضاع العراق وصراعات الإرادات فيه وحوله، أدت إلى المشهد الحالي فيه. فحين لا يجد السياسي حلّاً لتصوراته يتشبث بما لديه من أوراق خارجية قبل الداخلية، ويحركها بما يهدم ويخرب لا بما يساعد وينجز. وينعكس ذلك مباشرة في تفاصيل يوميات الشارع العراقي التي تفصح، وتفسر، بل وتسلّم عناوين كاملة لمصادرها، وهي الأخطر في المخططات المرسومة للشعب.
زار نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن العراق مرات عدّة خلال الأشهر القليلة الماضية. كما اتصل هاتفياً، بين الزيارات، بزعماء عراقيين. وما نشر عن خلاصة مهماته، توجيهات وإشارات عن ضغوط واضحة باتجاه الخطط المقرّة خارجياً. أدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون دورها وواجبها أيضاً في النصح وإعطاء الاستشارة وتوزيع القبلات السياسية. كانت الإشارات المرغوبة بعد التصديق على نتائج انتخابات 7 آذار/ مارس التوصل إلى تحالف بين الفائزين الأولين، وهما قائمة «العراقية»، بزعامة إياد علاوي و«قائمة دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. ووضع هذا الطرح على رأس سيناريوهات أخرى قدمها بايدن إلى الأطراف العراقية التي التقى بها في أول زيارة له بعد الانتخابات. وتابعها مستشاره الأمني، في جولات متواصلة من المفاوضات السرية والعلنية، بزيارات ولقاءات مباشرة أو باتصالات داخل الدائرة المغلقة. ودخلنا الماراثون السياسي الخاص بالتوصل إلى اسم قائمة الأغلبية التي يحق لها تأليف الحكومة الجديدة. ودخلت القوى السياسية التي فازت في الانتخابات في كسر المحظور في التحالفات وتغيير المواقف وتبديلها وصولاً إلى رسم خرائط جديدة ومتعددة، بل ومتغيرة أيضاً في كلّ فترة. وبالتأكيد أدت التدخلات من كلّ جانب دوراً في تعقيد العملية وإيقاف بتّها، أو تعطيل مسارها الطبيعي. وكان للسفير الأميركي الجديد، جيمس جيفري، دور واسع في الميدان، ووصل الأمر إلى تجاوز مهماته الدبلوماسية والمشاركة في الضغوط باتجاه سيناريوهات بايدن.
لكن، كما يبدو، لم تفلح كلّ تلك الضغوط في تحقيق المرغوب، وبقيت كلّ قائمة تغنّي على ليلاها. أما برامجها التي أعلنتها، وهي محدودة ومعلومة سلفاً، فظلّت كما هي، حبراً على ورق في مغلفات مغلقة. إلا أنّ بعضها استثمر ما لديه من وسائل إعلام وعلاقات عامة في التعبير عن مشروع وطني لإخراج العراق، كما أعلن، من فترة كالحة باتفاق الجميع. لكنّ المراقب تأخذه الحيرة من الازدواجية الصارخة في وقائع تلك البرامج والتصريحات المجانية التي تملأ واجهات الفضائيات والصحف الحزبية. إذ إنّه بعد أي اختبار أو تفاوض لا يعطيه ما يحلم به، ينزع السياسي جلده الملوّن ويشهر العودة إلى سلاحه الطائفي، ويطلق تحذيره من شلالات الدم العراقي. وفي الواقع لم تخلُ الفترة التي تلت الانتخابات من هذه التصريحات، ولا يمكن تبرئة أصحابها منها. وهي تعبّر عن مربع بول بريمر الأول الذي أرسى فيه سير العملية السياسية، والتصارع الكاذب بين مدعي تمثيل المكونات العراقية، حسب المخططات الأجنبية لها.
عند زيادة التعقيد في الحل السياسي، طرحت فكرة الطاولة، ومشاركة القوى السياسية الفائزة في الانتخابات فيها. فتسابقت ردود الأفعال عليها، وتشابكت مع نشاطات وتظاهرات سياسية مصاحبة حملت أسماء مختلفة أو ادّعت عناوين متباينة لها، لكنها كلّها تدور في فلك واحد. وهو وضع لا يخرج العملية السياسية من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه ولا يمكن السير في اتجاه تمثيل فعلي لبناء مؤسسات دولة جديدة، كما يدّعي الجميع. وبقيت أغلب القوى متشبثة بما لديها، تنتظر إشارات خارجية أكثر من قدرتها على المشاركة الفعلية وطنياً والاعتماد على قوتها الداخلية التي تدّعي تمثيلها أو التعبير عنها. وقد يكون مشروع طاولة مسعود البرزاني أقربها وأفضلها. وتحوّل التحالف الكردستاني إلى بيضة القبان والجامع لصراعات التحالفات والكتل الأخرى واختلافاتها، رغم تنافسه مع ما طرح بموازاته خارجياً ومحاولات القفز عليه أو تقليل أهميته الداخلية. وبنجاح سياسة الطاولات أخيراً، فاز التحالف الكردستاني بنصف الكأس وهو بانتظار ملء النصف الآخر.
حتى إذا ما انتهت الحوارات الجارية إلى الاتفاق على المشاركة التحاصصية في السلطات وإنجازها يوم الخميس القادم باجتماع مجلس النواب، فإنّ العملية السياسية لن تتوقف عندها. وقد يحتاج ماراثون تأليف الحكومة وحده زمناً آخر يقدره البعض بفترة ليست أقل من تلك الضائعة من يوم الانتخابات حتى الآن. ورغم بالونات إعلان الأسماء وتوزيع المناصب، فإنّ فقدان الثقة التي زرعها السياسيون فيما بينهم خلال الفترة المنصرمة سيزيد من انهماكهم فيها ويبعد التفكير بسقف الاحتلال وقواه ومستشاريه وسفارته واحتياجات الشعب الرئيسية وحقن دمه وثرواته. وحتى إعلان تأليف حكومة شراكة متوافق عليها، ستستمر سياسات الطاولات، داخلياً وخارجياً، ولن تتوقف شلالات الدم العراقي.
وضعت طاولة البرزاني (يوم الاثنين الماضي 8/11/10) لمسات رئيسية على المناصب السيادية كما تسمى. وأكّدت تصريحات رؤساء القوائم أو خطبهم الرنانة بديهيات العمل السياسي التي لم يراعوها في فترات تنصبهم سابقاً، سواء في المناصب السيادية أو الاستشارية. وإذا توصلت الاجتماعات إلى الاتفاق على منصبي رئاسة الحكومة والجمهورية ونوابهما، فإنّ منصب رئيس البرلمان ونوابه قد يعيد الكرة من جديد إلى البداية لنصل مجدداً إلى سياسات الطاولات. وهذا الأمر هو المرجح، خصوصاً أنّ الدعوات لها قائمة وتحت الطلب. وهي في كلّ الأحوال صور وتعبير عن حالات عراقية أو عربية ليست جديدة.
زار نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن العراق مرات عدّة خلال الأشهر القليلة الماضية. كما اتصل هاتفياً، بين الزيارات، بزعماء عراقيين. وما نشر عن خلاصة مهماته، توجيهات وإشارات عن ضغوط واضحة باتجاه الخطط المقرّة خارجياً. أدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون دورها وواجبها أيضاً في النصح وإعطاء الاستشارة وتوزيع القبلات السياسية. كانت الإشارات المرغوبة بعد التصديق على نتائج انتخابات 7 آذار/ مارس التوصل إلى تحالف بين الفائزين الأولين، وهما قائمة «العراقية»، بزعامة إياد علاوي و«قائمة دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. ووضع هذا الطرح على رأس سيناريوهات أخرى قدمها بايدن إلى الأطراف العراقية التي التقى بها في أول زيارة له بعد الانتخابات. وتابعها مستشاره الأمني، في جولات متواصلة من المفاوضات السرية والعلنية، بزيارات ولقاءات مباشرة أو باتصالات داخل الدائرة المغلقة. ودخلنا الماراثون السياسي الخاص بالتوصل إلى اسم قائمة الأغلبية التي يحق لها تأليف الحكومة الجديدة. ودخلت القوى السياسية التي فازت في الانتخابات في كسر المحظور في التحالفات وتغيير المواقف وتبديلها وصولاً إلى رسم خرائط جديدة ومتعددة، بل ومتغيرة أيضاً في كلّ فترة. وبالتأكيد أدت التدخلات من كلّ جانب دوراً في تعقيد العملية وإيقاف بتّها، أو تعطيل مسارها الطبيعي. وكان للسفير الأميركي الجديد، جيمس جيفري، دور واسع في الميدان، ووصل الأمر إلى تجاوز مهماته الدبلوماسية والمشاركة في الضغوط باتجاه سيناريوهات بايدن.
لكن، كما يبدو، لم تفلح كلّ تلك الضغوط في تحقيق المرغوب، وبقيت كلّ قائمة تغنّي على ليلاها. أما برامجها التي أعلنتها، وهي محدودة ومعلومة سلفاً، فظلّت كما هي، حبراً على ورق في مغلفات مغلقة. إلا أنّ بعضها استثمر ما لديه من وسائل إعلام وعلاقات عامة في التعبير عن مشروع وطني لإخراج العراق، كما أعلن، من فترة كالحة باتفاق الجميع. لكنّ المراقب تأخذه الحيرة من الازدواجية الصارخة في وقائع تلك البرامج والتصريحات المجانية التي تملأ واجهات الفضائيات والصحف الحزبية. إذ إنّه بعد أي اختبار أو تفاوض لا يعطيه ما يحلم به، ينزع السياسي جلده الملوّن ويشهر العودة إلى سلاحه الطائفي، ويطلق تحذيره من شلالات الدم العراقي. وفي الواقع لم تخلُ الفترة التي تلت الانتخابات من هذه التصريحات، ولا يمكن تبرئة أصحابها منها. وهي تعبّر عن مربع بول بريمر الأول الذي أرسى فيه سير العملية السياسية، والتصارع الكاذب بين مدعي تمثيل المكونات العراقية، حسب المخططات الأجنبية لها.
عند زيادة التعقيد في الحل السياسي، طرحت فكرة الطاولة، ومشاركة القوى السياسية الفائزة في الانتخابات فيها. فتسابقت ردود الأفعال عليها، وتشابكت مع نشاطات وتظاهرات سياسية مصاحبة حملت أسماء مختلفة أو ادّعت عناوين متباينة لها، لكنها كلّها تدور في فلك واحد. وهو وضع لا يخرج العملية السياسية من عنق الزجاجة الذي وصلت إليه ولا يمكن السير في اتجاه تمثيل فعلي لبناء مؤسسات دولة جديدة، كما يدّعي الجميع. وبقيت أغلب القوى متشبثة بما لديها، تنتظر إشارات خارجية أكثر من قدرتها على المشاركة الفعلية وطنياً والاعتماد على قوتها الداخلية التي تدّعي تمثيلها أو التعبير عنها. وقد يكون مشروع طاولة مسعود البرزاني أقربها وأفضلها. وتحوّل التحالف الكردستاني إلى بيضة القبان والجامع لصراعات التحالفات والكتل الأخرى واختلافاتها، رغم تنافسه مع ما طرح بموازاته خارجياً ومحاولات القفز عليه أو تقليل أهميته الداخلية. وبنجاح سياسة الطاولات أخيراً، فاز التحالف الكردستاني بنصف الكأس وهو بانتظار ملء النصف الآخر.
حتى إذا ما انتهت الحوارات الجارية إلى الاتفاق على المشاركة التحاصصية في السلطات وإنجازها يوم الخميس القادم باجتماع مجلس النواب، فإنّ العملية السياسية لن تتوقف عندها. وقد يحتاج ماراثون تأليف الحكومة وحده زمناً آخر يقدره البعض بفترة ليست أقل من تلك الضائعة من يوم الانتخابات حتى الآن. ورغم بالونات إعلان الأسماء وتوزيع المناصب، فإنّ فقدان الثقة التي زرعها السياسيون فيما بينهم خلال الفترة المنصرمة سيزيد من انهماكهم فيها ويبعد التفكير بسقف الاحتلال وقواه ومستشاريه وسفارته واحتياجات الشعب الرئيسية وحقن دمه وثرواته. وحتى إعلان تأليف حكومة شراكة متوافق عليها، ستستمر سياسات الطاولات، داخلياً وخارجياً، ولن تتوقف شلالات الدم العراقي.
وضعت طاولة البرزاني (يوم الاثنين الماضي 8/11/10) لمسات رئيسية على المناصب السيادية كما تسمى. وأكّدت تصريحات رؤساء القوائم أو خطبهم الرنانة بديهيات العمل السياسي التي لم يراعوها في فترات تنصبهم سابقاً، سواء في المناصب السيادية أو الاستشارية. وإذا توصلت الاجتماعات إلى الاتفاق على منصبي رئاسة الحكومة والجمهورية ونوابهما، فإنّ منصب رئيس البرلمان ونوابه قد يعيد الكرة من جديد إلى البداية لنصل مجدداً إلى سياسات الطاولات. وهذا الأمر هو المرجح، خصوصاً أنّ الدعوات لها قائمة وتحت الطلب. وهي في كلّ الأحوال صور وتعبير عن حالات عراقية أو عربية ليست جديدة.