الخميس، 7 أكتوبر 2010

رحيل هاشم جلاب الغريباوي

الخميس 7/10/2010
نعت الأوساط الوطنية في العراق، ومحافظة واسط، الشخصية الوطنية الشيوعية المعروفة هاشم جلاب الغريباوي ( أبو نزار) مؤخرا. والفقيد من رفاق مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف، فهد، ( الذي اعدم شنقا في 14 شباط/ فبراير 1949) ومشاركه في سجن الكوت. كان يعبر دائما عن نفسه بأنه مدير شرطة فهد في السجن، وكان يعتز بهذا المنصب الذي قلد به داخل السجن. حيث كان يرافق الرفيق فهد في جولته اليومية وتفقده لأوضاع الرفاق المعتقلين معه، واستشارتهم ومساعدتهم ونصحهم وغيرها من مهمات العمل اليومي في السجن، وكان الفقيد يرافقه كظله كما ذكر ولكنه يختلف عنه في تعامله مع الرفاق، إذ كان يحاسب وينتقد بشدة طبع على أية غفلة أو نقص في إعمالهم، مما سجله عليه باقي الرفاق وسموه بهذا العنوان: مدير شرطة.
في أوائل السبعينات، زرت الفقيد مع رفيقين معروفين من قيادة المنظمة الحزبية في محافظة واسط، في بيته ونقلت عنه ما سجلته حينها منه عن ذكرياته عن الرفيق فهد، كجزء من تسجيل تراث الحزب الشفوي والتوثيق له، ضمن عمل الحزب ولجنته التي شكلت بقيادة الرفيق الراحل زكي خيري وتكليف المنظمات الحزبية في البحث والتوثيق والتسجيل، وعرفت ان أشياء كثيرة جمعت وسجلت ونقلت ولا اعرف طبعا أين وصلت، وهل حفظت نسخ منها أو بعضها في أماكن آمنة بعيدة عن أساليب الدكتاتورية إزاءها؟. المهم، حين كنت في مدينة الكوت، وهنا مفارقة ذاك الزمان، في الخدمة العسكرية نهارا، كنت التقي الرفاق في مقر المنظمة الحزبية أو في بيوتهم الكريمة، رغم الحظر والمنع وقوانين الإعدام، وأشاركهم في الحوارات والنقاشات، ومن بينها تلك الزيارة، وقد نشرت اللقاء في جريدة الحزب العلنية، طريق الشعب، مع مواضيع أخرى في هذا المجال.
تذكرت الفقيد وكيف استقبلنا بحفاوة وطيبة معروفة في أطراف مدينته الحي، وكيف أصر على ان يولم لنا، وناشد زوجته أم نزار بصوته الحنون، مرحبا بزيارة الحزب له. وتطرقنا إلى دوره النضالي في العمل الحزبي في الهيئات الحزبية التي انتسب إليها، المنظمات العمالية في العاصمة وبين الأوساط الفلاحية ونضال الفلاحين الفقراء في مدينته ضد الإقطاع وسياسات تجويعهم واستغلالهم وتشريد الآلاف منهم إلى أحزمة الفقر حول العاصمة بغداد، والجمعيات الفلاحية والنشاط الوطني الديمقراطي، بعد ان أعدناه إلى أيام السجن وبرامجه ونشاطاته وفعالياته اليومية ودور الرفيق فهد فيها. ومن ثم تجولنا في المنطقة وكان مرشدا لنا عن الأماكن التي كانت لها ذكريات عنده، ومن بينها قصر الإقطاعي آل الياسين وساحات التظاهرات حوله.
للأسف لا اعرف كيف عاش تلك السنوات بعد ذلك اللقاء، ولا اعرف كيف تعامل معه من اخلص لهم وضحى من اجلهم خصوصا، وكيف كرمت شيخوخته الموقرة؟، ولكني حين قرأت الخبر ونعيه وجدت نفسي شارقا، متذكرا تلك الساعات، وغارقا في بانوراما أوضاع رفاق مناضلين، قدموا أغلى ما لديهم في مسيرة أعمارهم في خدمة الحركة الشيوعية والوطنية، منهم من رحل دون ان يذكر اسمه ومنهم من فقد حتى جسده ولم يدفن في مقبرة أو توضع له شاهدة باسمه، ومنهم من غاب بصمت .. ومنهم .. ومنهم.. وأخيرا أبو نزار.
وداعا أيها المناضل المقتنع بسيرته، الصابر على محنته، الراحل إلى مثواه بشرف الانتماء إلى وطن وشعب لابد ان يتذكر أبناءه.. ولن ينسى التضحيات والبطولات.