الاثنين، 6 سبتمبر 2010

الأيام الدامية في العراق

الجمعة 27/8/2010
كل يوم في العراق دام. دم في الشوارع.. دم في دور العبادة.. دم في الأسواق.. دم في المدارس.. دم في البيوت.. دم في الضمائر الحية..... دم.. دم.. جثث.. جثث.. أشلاء... أشلاء... صورة المشهد اليومي في العراق. انتهت أسماء الأيام السبعة والأسابيع والأشهر والسنوات.. انتهت مسميات الأوقات. لم يعد بعد ما يمكن تسميته به. وضع بلا وصف.. صور بلا رتوش. قوات الاحتلال الأمريكي تنسحب.. ارتال تتحرك جنوبا وأخرى تركز قواعدها وتحرس مبانيها. صحيح اختلفت عناوينها.. تغيرت أسماؤها..من قوات احتلال إلى قوات حماية، من قوات مقاتلة إلى قوات تدريب.. من قوات عسكرية إلى استشارية، وصحيح أيضا أنها تنسحب وتغير مواقعها وتتبادل أدوارها، وترسم تكتيكاتها من خلال إستراتيجيتها التي وضعت لها من قبل وصولها والى ما بعد انسحاب بعضها وتلوين المشهد العام لها. الرئيس الأمريكي سيلقي كلمة بالمناسبة ينهي بها حالة الحرب من طرفه، من جهة إدارة الاحتلال تحت مسمى: انتهاء المهمات القتالية في العراق، حسب ما ادعته من اتفاقية إستراتيجية، ومتى؟ بعد عودته من إجازته السنوية ويقول بها ما يكتب له.. انتصارات قواته وانجازات احتلاله. ويضع باقات الورد كلاما أو واقعا على مقابر جنوده بعد تلوينها وتزيينها ومنها ديكورات بساطيل جنوده الفاقدة لأصحابها. وكالمعتاد يشيد بجيش احتلاله ومهمات جنوده وانتصارات إدارته بعد أكثر من سبع سنوات عجاف مرت على العراق، منذ وطأت أقدام جيوش الاحتلال أرضه. ويصفق للرئيس الأمريكي حضور خطابه، وربما داخل وخارج بلاده، وتنقل الفضائيات صورته متكلما عن انتصارات جيشه وعن انتهاء مهماته القتالية. ويتطرق إلى كل شيء يهم مستمعه الأمريكي، ولكنه بالتأكيد لن يتحدث أو يتطرق عن ضحايا جيشه، عن التدمير والخراب الذي أحدثه احتلاله، عن الآلاف أو الملايين من العراقيين الذين انتهكت حقوقهم وحرياتهم وحياتهم في العراق جراء احتلاله وفتح أرضه للغزاة من كل لون ونوع ومصالح وصراعات. لن يتكلم الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي خلف الرئيس جورج بوش الابن الذي تغنى بما قام به من تنفيذ أمريكي الطابع والصورة لمخططات الهيمنة والاستحواذ الرأسمالي وتقسيم العالم لخدمة المصالح والأهداف الإمبراطورية في عالم جديد وصغير ومكشوف، لن يتكلم الرئيس عن الأخطاء القاتلة التي تحدثت يوما عنها كوندوليزا رايس أو كولن باول وحتى روبرت غيتس. لا يخدش الرئيس الأمريكي الحالي أسماع سلفه أو مستمعيه من المرتهنين بأقواله ووعوده بما تعرض له الشعب العراقي والأمة العربية والعالم الإسلامي من كل ما قام به جيش احتلاله وغزوه
وانتهاكاته وخروقه لكل شيء. كلمات فارغة المعنى يوزعها كباقات ورد جاف وخطاب معلن قبل قوله عن حالة احتلال. قوات غازية تفشل بتحقيق مشروعها الاستراتيجي وتنجح بأداء مهماتها القتالية في التخريب والتدمير والقتل والتشويه والانتهاكات والصفقات. خطاب الرئيس غير خطاب القائد العسكري للقوات المتعددة والمنتشرة على الأرض، وغير أمنيات المحتمين بها أو الموجودين معها. خطاب يعبر عن مصالح إستراتيجية لا تسمع استطلاعات رأي شعبه أو اختيارات غيره. سيقول ما يقوله ولكن قادة الميدان لهم قولهم أيضا. تصريحات القيادات العسكرية تعكس حالها وتضع أسس عملها الذي سيقرأه السياسيون من بعد وقد يختلفون حوله قولا ولكنهم لا يجرؤون تغييره فعلا. لاسيما إذا كان لديهم أو باستطاعتهم تحريك من يعطيهم الضوء الأخضر أو التوسل الأكبر للاستمرار وتغيير حتى ما أعلن من اتفاقية أو ما تسمى به. وهذه ظاهرة أخرى معروفة في كل أزمنة الاحتلالات.
ماذا قالت الاستطلاعات الموجهة والمرسومة هي الأخرى؟. استطلاع للرأي أظهر أن المزيد من الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة أقل أماناً والشرق الأوسط أقل استقراراً نتيجة الحرب في العراق، وأن أغلبية الأمريكيين يعارضون تجديد العمليات القتالية في العراق إذا كانت القوات العراقية غير قادرة على الحفاظ على الأمن. استطلاع أجراه مركز "غالوب” بالتعاون مع صحيفة “يو أس إيه تودي” الأمريكية نتائجه تقول، ان 63% من الأمريكيين يعارضون دورا جديدا للولايات المتحدة في العمليات القتالية في العراق، مقابل 33% يؤيدون ذلك. موزعين على 79% من الديمقراطيين و63% من الجمهوريين و45% من المستقلّين وهم من يؤيد تجديد العمليات القتالية في العراق. ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة اليوم أكثر أماناً من "الإرهاب" مما كانت عليه قبل الحرب على العراق، قال 25% إنها كذلك في حين اعتبر %32 أنها ليست أكثر أماناً، ورأى 40% أن الوضع لم يتغيّر. أما إذا كان الشرق الأوسط أكثر استقراراً اليوم نتيجة الحرب فقال 23% إنه كذلك، وقال 33% إن الوضع لم يتغيّر، فيما اعتبر 39% أنه أقل استقراراً. وقال 60% من الأمريكيين إن الوضع في العراق لم يكن يستحق شن حرب فيما رأى %34العكس. وينسجم هذا الاستطلاع مع نتائج استطلاعات غالوب في السنوات السابقة التي أظهرت أن أغلبية الأمريكيين يعتبرون أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ بإرسالها قوات إلى العراق. حسب ما نشر وأعلن ولم يقرأ طبعا من الرؤساء ومكاتبهم ودعاة ديمقراطيتهم.
تسمي وسائل الإعلام ما يجري في المشهد السياسي في العراق بموجات عنف تودي بحياة مئات القتلى. وتستدرك لإكمال الصورة بان واشنطن واصلت بثبات سحب قواتها من البلاد قبل الانسحاب العسكري الكامل المقرر في نهاية العام المقبل(!). وتبرر التدهور بالمقارنة أو بالاستهداف وكذلك في الغايات المطلوبة منه. مثلما تعلقه على شماعة الأزمة السياسية وغياب حكمة الأحزاب الفائزة في الانتخابات على التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية.
الأيام الدامية في العراق لن تنتهي وستبقى مع بقاء قوات الاحتلال. اعترف قائد القوات الأميركية في العراق، المنتهية مدته، الجنرال راي اوديرنو خلال مؤتمر صحافي في بغداد "لا تزال هناك مشاكل لكن من الواضح أن العراق أصبح مختلفا كثيرا اليوم عما كان عليه قبل ثلاث سنوات". وأضاف إن "القوات العراقية أصبحت أكثر قدرة مما كانت عليه من قبل" (!)، لكنه أكد ضرورة تحقيق تقدم سياسي قريبا لتهدئة الغضب الشعبي بسبب عدم وجود حكومة جديدة تعزز الأمن والخدمات. وقال إن "الناس محبطون للغاية وهنا يكمن الخطر إذا ما كان السياسيون نسوا ذلك". هذا الاعتراف الأمريكي يوضح بعض الصورة عن تلك الأيام والتي تأتي..!