الأحد، 23 مايو 2010

الانقلاب التركي

الجمعة 14/5/2010
لا يتوقف العنوان في هذا المقال عند تعريف محدد لمصطلح الانقلاب في تركيا، بل يوسع من مدلولاته، منطلقا مما يتعلق بالأخبار الأخيرة عن انقلاب عسكري في تركيا، وما يعنيه من تأثيرات على مسار التغيير/ الانقلاب الديمقراطي الجاري حاليا، وعلاقته بما يخطط استراتيجيا للمنطقة من خارجها، مع عدم إغفال عضوية تركيا في الحلف الأطلسي (الناتو) وما يسعى له قادة هذا الحلف من مخططات هيمنة وغزو، ومسعى قيادة تركيا الحالية من جهة أخرى للانضمام للاتحاد الأوروبي وتوسيع دورها في المنظمات الإقليمية الأخرى. الأمر الذي يعطي للإخبار دلالات واقعية وتنبيهات إضافية مترابطة بينها.
نشرت صحيفة (طرف) التركية وثائق مسربة لها تتعلق بمخطط انقلاب عسكري وأسماء ضباط، منهم في الخدمة، وآخرون متقاعدون. ولكن هذا الكشف الإعلامي في بلد مثل تركيا، لعب الجيش دورا كبيرا في تسيير دفة السياسة والحكم، يثير المخاوف على مصير العملية الديمقراطية الجارية فيها أولا وينذر بمفاجئات تؤثر على استقرار الحكومة الحالية، وحزبها المنتخب ديمقراطيا وكذلك طروحات نموذج الإسلام المعتدل الذي قدمته التجربة السياسية التركية والسياسات الغربية/ الأمريكية خصوصا عنها ثانيا، وقد يفتح الشهية العسكرية في مسك زمام الحكم من جديد وإخراج الدبابات من ثكناتها وإعادة وجوه بملابس عسكرية إلى الواجهة ثالثا.
كشف الخطة العسكرية للانقلاب، التي أطلق عليها "عملية المطرقة الثقيلة" واعتقال رموزها، لاسيما من ذوي الرتب العالية وضع القادة العسكريين أمام أمر واقع يصعب هضمه بسهولة أو كما جرت العادة في صفوفهم، إلا ان الوضع اليوم في تركيا مركب، والمغامرة فيه لا تحمد عواقبها محليا أو دوليا، ليس على العسكر فقط أو على من يريد لهم ان يقوموا بهذا الدور. وقد يفسر بقوة العملية السياسية والقوى الشعبية الداعمة لها والضغوط والحسابات الدولية المحيطة بتركيا أيضا. إذ ان أي انقلاب عسكري فيها وهي في الأوضاع السياسية القائمة، ودورها المتميز فيها حاليا يقلب موازين كثيرة ويهدد الأمن والاستقرار ليس فيها وحسب. هذا الأمر قد سهل على حزب العدالة والتنمية، النموذج المرغوب في الحكم وقيادته الشابة الواعية لمهماتها، ان تدخل هذا المدخل في فضح الانقلاب العسكري وتحييد القوات المسلحة من تبعاته، وتحميل فرسانه مسؤولية عمليتهم ورد مخطط ضربات مطرقتهم. وما نشر عن الانقلاب الذي كان من المفروض ان يحدث عام 2003، شاملا، حسب الصحيفة التركية (طرف)، اعداد خطة تتألف من خمسة آلاف صفحة لخلق الفوضى في تركيا عن طريق إحراق مساجد، وإسقاط طائرات عسكرية تركية ويونانية، وتنفيذ عمليات اعتقال جماعية لعدد من السياسيين والصحفيين الذين يعارضون المؤسسة العسكرية. والهدف من ذلك انجاز الانقلاب العسكري. وهو رقم في مسلسل انقلابات فاشلة سبقته، رغم كل المتغيرات والتحولات القائمة والجارية الآن في البلاد.
تساءل إبراهيم كالين، كبير مستشاري السياسات لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: "إن لم يكن كل ما سبق يشكل انتهاكاً للمبادئ الديمقراطية، فإن المرء لا يملك إلا أن يتساءل ما الذي قد يشكل انتهاكاً لها إذاً. فليس من الممكن أن نتصور أن أي نظام ديمقراطي قد يسمح بمثل هذه التدخلات من جانب مؤسسته العسكرية تحت أي ظرف من الظروف. ورغم ذلك فإن المنتقدين ما زالوا مصرين على فهم السبب الجذري وراء هذه الجهود بصورة خاطئة. فهم يحاولون تصوير الأمر وكأنه مواجهة بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي والعلمانيين المحبين للديمقراطية. حتى أن الخبير الأمريكي دانييل بايبس ذهب إلى حد تأييد الانقلابات العسكرية في أعوام 1960 و1971 و1980 و1997 زاعماً أن انقلاباً واحداً من بين أربعة انقلابات حدثت أثناء الفترة من عام 1960 إلى عام 1997 ضل الطريق. والواقع أن المرء ليتساءل ما إذا كان بايبس قد يتقبل استيلاء المؤسسة العسكرية الأمريكية على الحكومة الأمريكية إذا ما قررت من جانب واحد أن السياسات الأمريكية قد ضلت الطريق".
وكانت ذكرى الانقلاب على حكومة نجم الدين اربكان، رئيس حزب الرفاه الإسلامي (في مطلع آذار/ مارس)، أستاذ رجب طيب اردوغان، وسلف حزبه الجديد، مؤشرا أخر على رفض الانقلابات والرد عليها. حيث خرج الآلاف من المتظاهرين الأتراك إلى الشوارع والميادين في 10 مدن تركية لإحياء الذكرى الثالثة عشر لما يسمى في تركيا "بالانقلاب الأبيض" حين نجح الجيش حينها بالتعاون مع بعض مؤسسات الدولة بالإطاحة بالحكومة. رفع المتظاهرون لافتات ورددوا شعارات تندد بالانقلابات العسكرية وطالبوا بضرورة تقديم كل من شارك فيها إلى المحاكمة.
وخلال ندوة عقدت في العاصمة التركية أنقرة كشف رئيس وزراء تركيا السابق نجم الدين اربكان: "ان الانقلاب على حكومة حزب الرفاه كان بطلب أمريكي والأدوات محلية". وارجع اربكان السبب إلى السياسة الجديدة التي اتبعتها حكومته على الصعيدين الداخلي والخارجي التي تعارضت مع الأهداف الأمريكية والإسرائيلية. وأضاف ان حكومته عملت لتحقيق العدالة والمساواة والتقدم للمواطن التركي وتفعيل دور الدول الإسلامية من خلال تشكيل مجموعة الثمانية التي تضم أكبر الدول الإسلامية.
لم يكن كلام أربكان عفويا، وهنا خطورة أخبار الانقلاب، رغم ان صفحته انطوت عمليا، واستمرت العلاقات طبيعية بين الحكومة وحزبها الذي استحوذ على المناصب الرئيسية أو السيادية في البلاد، وقادة المؤسسة العسكرية، إلا ان هذه الحالة لا تعني غلقا نهائيا لأبواب المسرح السياسي أمام العسكر. وهذا يعتمد على مدى قدرة الحزب الحاكم من إدارة الحكم والعلاقات السياسية المحلية والدولية ونجاحه في تحقيق المطالب التي تعمل المؤسسة العسكرية على الحفاظ عليها كمهمة إضافية لمهماتها الرئيسية.
وضع الإدارة السياسية التركية الحالية ومنهجها، وما يقوم به وزير دبلوماسيتها أحمد داود أوغلو، الذي نشر كتابه أو فلسفته عن "العمق الاستراتيجي" في تعميق الانقلاب الديمقراطي، وتطوير دور تركيا في المنطقة والعلاقات الدولية، وحفاظها على القيام بادوار كبيرة فيها وفي رسم خرائط جديدة، يضمن الأمن والاستقرار والنموذج المطلوب في الانقلاب التركي.