الجمعة 30/4/2010
تثير كلمة التغيير جدلا في القضايا المتعلقة بها في العالم العربي. بل صارت أشبه بكلمة خطيرة تكلف القائل بها أثمانا لا تحمد عقباها أو تسبب صداعا مختلفا ومتنوعا في أساليب التعامل أو تطبيقاته. خلال العقود الأخيرة ترددت مثل هذه الكلمة في الخطاب السياسي اليومي، داخليا وخارجيا، مستقلة أو مصحوبة بمفردات أخرى مثل الإصلاح والديمقراطية والتجديد والتحديث وأشباهها. ولكنها لم تأخذ موقعها الرئيس في العمل العربي وظلت غائبة عنه في أوسع مجالاته. أية مقارنة بأحواله معها لا يصل المراقب إلى نتائج مرضية أو مقاربات تتضمن المعنى واقعا أو شعارا في الحد الأدنى. حتى الشعارات التي هلل لها في زمن ما، ظلت أمانياً أو في الأغلب غائبة عن المشهد السياسي اليومي في العالم العربي.
الوقائع التي حصلت طيلة العقود الأخيرة تثبت ذلك وتشير إلى المحاولات الخارجية التي رفعت شعار التغيير للأوضاع العربية، وأرادت ان تقدمه معلبا مثلما أرادت مشاريعها المعلومة، ورغم ضغوطها المحسوبة واندفاعاتها المعلنة، لم تحقق أي معنى من معانيه واقعيا. وقد يكون التذكير بجولات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، (صاحب وصمة العار التاريخية في الكذب وخداع العالم في مجلس الأمن قبل غزو واحتلال العراق) في العواصم العربية حاملا شعارات تتضمن التغيير ولافتات نشر الديمقراطية وكيس 29 مليون دولار لدعمها في العالم العربي، قد يكون هذا التذكير مهماً وللمقارنة وقراءة التطورات بعدها، ومع الإشارة إلى استقالات اغلب مسؤولي لجنة العلاقات الأمريكية مع العالم العربي لكسب قلوب وعقول العرب والمسلمين وتغيير نظرتهم عن سياسات الإدارات الأمريكية المطبقة عمليا على الأرض العربية خصوصا بعد فترة ليست طويلة من تعيينهم في هذه المهمة.
من نافل القول ان مشروع التغيير الذي أريد ان يدخل العالم العربي والإسلامي قبل عقدين أو ضمنهما، جاء بعد ان تكسرت رياح التغيير على الشواطئ العربية وأرتدت وبالا، أو تحولت إلى صواريخ وقواعد عسكرية وتهديدات بالإعادة إلى القرون ما قبل الصناعية، بعد أحداث أيلول الكارثية التي مازالت تثير الريبة منها ومن مصادرها أو المسببين الفعليين لها، والتي تحملت وما زالت الشعوب العربية والإسلامية الأعباء الاجسم من مخططات الغرب ضدها تحت مسميات محاربة الإرهاب وأوصافه المتعددة. وكان ريتشارد هاس، مدير قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقا قد حدد في كلمة له (في كانون الأول/ ديسمبر 2002) رؤية أمريكية شاملة لما سمي بنشر وتشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي والعربي، موضحا أبعاد تلك الحملة.
أكد هاس ان بلاده عازمة على الالتزام بشكل فعال بالمشاركة بنشاط اكبر في تعزيز ودعم التوجهات الديمقراطية في بلدان العالم الإسلامي، أكثر من أي وقت مضى. معترفا بأن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ خلال السنوات الماضية بعدم إعطاء أولوية واهتمام كبير لتحسين وتطوير وتعزيز الديمقراطية، وكانت كوندوليزا رايس قد كررت هذا الكلام أيضا في بداية صعودها إلى منصب الخارجية الأمريكية، وأعادتها هيلاري كلنتون أيضا.. قال هاس: ان بلاده فقدت خلال السنوات الماضية فرصة ثمينة لمساعدة دول العالم الإسلامي لتصبح أكثر ازدهارا ورخاء وسلاما، ولمساعدتها على التأقلم والتكيف مع ظروف ورياح العولمة. وأكد: ان الولايات المتحدة ستعوض عن أخطائها تلك "بالعمل بفعالية ونشاط لنشر وتعزيز الديمقراطية، لا فرضا وقسرا، وإنما من خلال الشراكة والتعاون مع حكومات الدول الإسلامية وشعوبها".
حدد هاس رؤية الإدارة الأميركية، مؤكدا ان إحدى الآليات لتحقيقها ستكون شراكة جديدة، في نطاقها زيادة المساعدات إلى الدول العربية والإسلامية، المخصصة سنويا والبالغة مليار دولار لإنفاقها في مجالات أساسية مثل التعليم والإصلاح السياسي والمجال الاقتصادي لتعليم الأجيال الطالعة على ما يدور في العالم من تطورات ومستجدات. وأوضح ان الولايات المتحدة لا تعمل ولن تعمل حسب خطة أو برنامج سري، (؟!) وإنما انطلاقا من اعتقادها ومنطقها بأن نشر وتعزيز الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية هو خير لتلك الدول وللولايات المتحدة نفسها. وقال: ان بلاده أدركت انه إذا كثفت جهودها لنشر وتعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي فأنها قد تغامر بوصول قيادات وأشخاص إلى السلطة لا تفضلهم بلاده. ومع ذلك كما قال: فان الولايات المتحدة ستدعم عملية التحول نحو الديمقراطية، حتى وان لم يتبع الذين يصلون إلى السلطة النهج والسياسات التي تحبها الولايات المتحدة.
ما الذي تحقق من كل تلك الوعود الخلابة؟ وغيرها من مشاريع ومخططات؟. صحيح تفرعت منها تجمعات ومنظمات وأسماء حملت اسم الرؤية الأمريكية وتأسست وسائل إعلام وصنعت تيارات ناطقة باسمها واتخذت خطوات كثيرة لكنها ختمت بمشروع احتلال العراق وتوسيع إطاره إلى سياسات مبرمجة تضمنت حملات عسكرية وسياسية وثقافية، أصبح العالم العربي والإسلامي فيها ضمن مخططات الأمن القومي الأمريكي للعقود القادمة، وباتت الشعارات والكلمات المعسولة معجونة بدماء الشعوب وثرواتها الوطنية والقومية. ولم تعد قضاياها الإستراتيجية محل أولويات في التغيير، بل أصبح التراجع فيها سيد الموقف على مختلف الأصعدة. لاسيما في مجالات التعليم والصحة والأمن الاجتماعي والاقتصادي والمشاركة السياسية والحكم الرشيد وتمكين المرأة وحقوق الإنسان الأساسية والحريات العامة والعدالة والتقدم.
منذ احتلال العراق تحولت الشعارات الأمريكية إلى مأزق كبير في تقبلها وتراجع حتى دعاتها والكثير من مناصريها واقعيا لاسيما بعد ما حصل في العراق من فضائح وفظائع أصبحت نموذجا عائقا أمام ما يمكن قبوله من تغيير خارجي. بل ان تاريخ الدعم الأمريكي والغربي عموما في العالمين العربي والإسلامي لسياسات وأنظمة دكتاتورية واستبدادية افقدها مصداقية أية فرصة للقبول والرضا الطبيعي بها. الأمر الذي أعاد الكرة من جديد إلى الإرادات الوطنية المخلصة وحركات التحرر الوطني لتستعيد المبادرة وانجاز المهمات المطلوبة منها في التغيير. والتنبيه والتنبه إلى غياب التغيير الآن وكمطلب رئيس في العمل العربي لابد ان يستعاد موقعه فيه، ويصبح الحاضر الرئيس.
تثير كلمة التغيير جدلا في القضايا المتعلقة بها في العالم العربي. بل صارت أشبه بكلمة خطيرة تكلف القائل بها أثمانا لا تحمد عقباها أو تسبب صداعا مختلفا ومتنوعا في أساليب التعامل أو تطبيقاته. خلال العقود الأخيرة ترددت مثل هذه الكلمة في الخطاب السياسي اليومي، داخليا وخارجيا، مستقلة أو مصحوبة بمفردات أخرى مثل الإصلاح والديمقراطية والتجديد والتحديث وأشباهها. ولكنها لم تأخذ موقعها الرئيس في العمل العربي وظلت غائبة عنه في أوسع مجالاته. أية مقارنة بأحواله معها لا يصل المراقب إلى نتائج مرضية أو مقاربات تتضمن المعنى واقعا أو شعارا في الحد الأدنى. حتى الشعارات التي هلل لها في زمن ما، ظلت أمانياً أو في الأغلب غائبة عن المشهد السياسي اليومي في العالم العربي.
الوقائع التي حصلت طيلة العقود الأخيرة تثبت ذلك وتشير إلى المحاولات الخارجية التي رفعت شعار التغيير للأوضاع العربية، وأرادت ان تقدمه معلبا مثلما أرادت مشاريعها المعلومة، ورغم ضغوطها المحسوبة واندفاعاتها المعلنة، لم تحقق أي معنى من معانيه واقعيا. وقد يكون التذكير بجولات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، (صاحب وصمة العار التاريخية في الكذب وخداع العالم في مجلس الأمن قبل غزو واحتلال العراق) في العواصم العربية حاملا شعارات تتضمن التغيير ولافتات نشر الديمقراطية وكيس 29 مليون دولار لدعمها في العالم العربي، قد يكون هذا التذكير مهماً وللمقارنة وقراءة التطورات بعدها، ومع الإشارة إلى استقالات اغلب مسؤولي لجنة العلاقات الأمريكية مع العالم العربي لكسب قلوب وعقول العرب والمسلمين وتغيير نظرتهم عن سياسات الإدارات الأمريكية المطبقة عمليا على الأرض العربية خصوصا بعد فترة ليست طويلة من تعيينهم في هذه المهمة.
من نافل القول ان مشروع التغيير الذي أريد ان يدخل العالم العربي والإسلامي قبل عقدين أو ضمنهما، جاء بعد ان تكسرت رياح التغيير على الشواطئ العربية وأرتدت وبالا، أو تحولت إلى صواريخ وقواعد عسكرية وتهديدات بالإعادة إلى القرون ما قبل الصناعية، بعد أحداث أيلول الكارثية التي مازالت تثير الريبة منها ومن مصادرها أو المسببين الفعليين لها، والتي تحملت وما زالت الشعوب العربية والإسلامية الأعباء الاجسم من مخططات الغرب ضدها تحت مسميات محاربة الإرهاب وأوصافه المتعددة. وكان ريتشارد هاس، مدير قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقا قد حدد في كلمة له (في كانون الأول/ ديسمبر 2002) رؤية أمريكية شاملة لما سمي بنشر وتشجيع الديمقراطية في العالم الإسلامي والعربي، موضحا أبعاد تلك الحملة.
أكد هاس ان بلاده عازمة على الالتزام بشكل فعال بالمشاركة بنشاط اكبر في تعزيز ودعم التوجهات الديمقراطية في بلدان العالم الإسلامي، أكثر من أي وقت مضى. معترفا بأن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ خلال السنوات الماضية بعدم إعطاء أولوية واهتمام كبير لتحسين وتطوير وتعزيز الديمقراطية، وكانت كوندوليزا رايس قد كررت هذا الكلام أيضا في بداية صعودها إلى منصب الخارجية الأمريكية، وأعادتها هيلاري كلنتون أيضا.. قال هاس: ان بلاده فقدت خلال السنوات الماضية فرصة ثمينة لمساعدة دول العالم الإسلامي لتصبح أكثر ازدهارا ورخاء وسلاما، ولمساعدتها على التأقلم والتكيف مع ظروف ورياح العولمة. وأكد: ان الولايات المتحدة ستعوض عن أخطائها تلك "بالعمل بفعالية ونشاط لنشر وتعزيز الديمقراطية، لا فرضا وقسرا، وإنما من خلال الشراكة والتعاون مع حكومات الدول الإسلامية وشعوبها".
حدد هاس رؤية الإدارة الأميركية، مؤكدا ان إحدى الآليات لتحقيقها ستكون شراكة جديدة، في نطاقها زيادة المساعدات إلى الدول العربية والإسلامية، المخصصة سنويا والبالغة مليار دولار لإنفاقها في مجالات أساسية مثل التعليم والإصلاح السياسي والمجال الاقتصادي لتعليم الأجيال الطالعة على ما يدور في العالم من تطورات ومستجدات. وأوضح ان الولايات المتحدة لا تعمل ولن تعمل حسب خطة أو برنامج سري، (؟!) وإنما انطلاقا من اعتقادها ومنطقها بأن نشر وتعزيز الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية هو خير لتلك الدول وللولايات المتحدة نفسها. وقال: ان بلاده أدركت انه إذا كثفت جهودها لنشر وتعزيز الديمقراطية في العالم الإسلامي فأنها قد تغامر بوصول قيادات وأشخاص إلى السلطة لا تفضلهم بلاده. ومع ذلك كما قال: فان الولايات المتحدة ستدعم عملية التحول نحو الديمقراطية، حتى وان لم يتبع الذين يصلون إلى السلطة النهج والسياسات التي تحبها الولايات المتحدة.
ما الذي تحقق من كل تلك الوعود الخلابة؟ وغيرها من مشاريع ومخططات؟. صحيح تفرعت منها تجمعات ومنظمات وأسماء حملت اسم الرؤية الأمريكية وتأسست وسائل إعلام وصنعت تيارات ناطقة باسمها واتخذت خطوات كثيرة لكنها ختمت بمشروع احتلال العراق وتوسيع إطاره إلى سياسات مبرمجة تضمنت حملات عسكرية وسياسية وثقافية، أصبح العالم العربي والإسلامي فيها ضمن مخططات الأمن القومي الأمريكي للعقود القادمة، وباتت الشعارات والكلمات المعسولة معجونة بدماء الشعوب وثرواتها الوطنية والقومية. ولم تعد قضاياها الإستراتيجية محل أولويات في التغيير، بل أصبح التراجع فيها سيد الموقف على مختلف الأصعدة. لاسيما في مجالات التعليم والصحة والأمن الاجتماعي والاقتصادي والمشاركة السياسية والحكم الرشيد وتمكين المرأة وحقوق الإنسان الأساسية والحريات العامة والعدالة والتقدم.
منذ احتلال العراق تحولت الشعارات الأمريكية إلى مأزق كبير في تقبلها وتراجع حتى دعاتها والكثير من مناصريها واقعيا لاسيما بعد ما حصل في العراق من فضائح وفظائع أصبحت نموذجا عائقا أمام ما يمكن قبوله من تغيير خارجي. بل ان تاريخ الدعم الأمريكي والغربي عموما في العالمين العربي والإسلامي لسياسات وأنظمة دكتاتورية واستبدادية افقدها مصداقية أية فرصة للقبول والرضا الطبيعي بها. الأمر الذي أعاد الكرة من جديد إلى الإرادات الوطنية المخلصة وحركات التحرر الوطني لتستعيد المبادرة وانجاز المهمات المطلوبة منها في التغيير. والتنبيه والتنبه إلى غياب التغيير الآن وكمطلب رئيس في العمل العربي لابد ان يستعاد موقعه فيه، ويصبح الحاضر الرئيس.