الخميس، 1 أبريل 2010

صفعة جوازات ... صفعة دبلوماسية

الجمعة 26/3/2010
هل جاءت صفعة الحكومة البريطانية لحليفتها أو التي شاركت هي بتأسيسها.. صفعة دبلوماسية وتنتهي عند هذا الحد أم أنها إشارة أو بدايات اشتباكات دبلوماسية صامتة؟ وماذا سيكون بعدها من قرارات متبادلة؟ ولماذا تمر مثل هذه الصفعة مرورا سريعا حتى في وسائل الإعلام؟ هل ستتمكن الدبلوماسية من احتوائها ولفلفتها ويروح دم القيادي في حركة المقاومة الفلسطينية/ حماس محمود المبحوح هباء؟. مثلما راح دم القائد الفلسطيني فيصل الحسيني، وغيره، ولماذا يستذكر الآن وهنا؟ أسئلة... أسئلة وبينها ومعها الكثير من هذا القبيل. لاسيما على الصعيد الأوروبي والعلاقات الأوروبية العربية وتداعياتها السياسية وما يقابلها على الصعد الأخرى.
طردت بريطانيا رسميا دبلوماسيا صهيونيا، مسؤول مكتب جهاز المخابرات- الموساد في بريطانيا لاشتراكه في تزوير "الجوازات البريطانية" المشتركة في عملية الاغتيال في دبي، هكذا صرح علنا وتمت الإشارة إليه، دفاعا عن السيادة البريطانية. وهي إشارة ليست عادية. وان كانت خطوة متأخرة إلا أنها بمثابة صفعة دبلوماسية مقابل صفعة الجوازات المزورة. والإعلان عنها مع استمرار التحقيقات فضح علني عن دور وتخطيط الكيان الإسرائيلي في الجرائم المعلنة، وهي بحد ذاتها إدانة رسمية وإقرار رسمي بارتكاب الجرائم، يضعه أمام القانون والعدالة، أو هكذا يتوجب الأمر.
لم تعرف "صفقة" الجوازات، وهل هي صفعة جوازات فقط، أم مشاركة فعلية من حملة مزدوجي الجوازات، من الصهاينة خصوصا، والاستفادة من هذه الإمكانيات في استخدامها في الأهداف والجرائم السياسية والاستخبارية وغيرها. وهي ليست المرة الأولى أو جديدة، فقد سبقها الكثير وأصبح سجلها كبيرا. مما حدا بصحيفة الغارديان البريطانية إلى تسميتها بـ"جوازات للقتل". حيث سجلت بافتتاحية لها تحت العنوان هذا، أنه "لو كانت بريطانيا أقل ضعفا وخنوعا في تعاملاتها، لكانت أدركت أنه ليس من مصلحتها السماح لإسرائيل بشن حربها على حماس بغطاء بريطاني". وأوضحت أن "انتحال الشخصية لا يعرض للخطر حياة الذين يحملون جوازات السفر وعائلاتهم فقط، بل من المحتمل أن يعرض للخطر حياة أي شخص يحمل جواز سفر بريطانياً في العالم العربي". الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية تبنيه على لسان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني عند إعلانه للخطوة تلك. وهي الخطوة التي لها دلالاتها الكثيرة لو أخذت فرصتها ووسعت تأثيراتها ومجالاتها القانونية والأخلاقية وحملت تبعاتها.
وكتبت الصحيفة أن "من الواضح أن الضمانات الدبلوماسية لا قيمة لها"، بعد ما حصل عمليا، وأن "الأمر الوحيد الذي سيدفع الموساد في المرة المقبلة إلى التوقف للتفكير قبل تحديد شخص لاغتياله هو جعل حكامه السياسيين يشعرون بأن هناك عواقب لأفعالهم". عواقب تبدأ في نظر الصحيفة من "العلاقات الدبلوماسية الثنائية والعلاقات العسكرية، ولا تنتهي باتفاقيات الأسلحة والتجارة".
أما صحيفة الاندبندنت البريطانية فأكدت بمقال افتتاحي لها أيضا تحت عنوان: ميليباند يستعرض انزعاجه، انه على الرغم من ان طرد الدبلوماسيين ليس شيئا غير عادي، إلا انه أمر نادر بين الأصدقاء والحلفاء، وهو ما جعل قرار وزير الخارجية البريطاني شيئا استثنائيا بين البلدين. وأشارت إلى انه حتى في حالة الخصومة بين الأصدقاء هناك محاولات لرأب الصدع والسيطرة على الضرر من خلال عدم الإعلان عن عملية الطرد تلك، إلا ان الحكومة البريطانية لا تريد فقط إيصال انزعاجها من الكيان من خلال الإعلان عن هذا الطرد، بل أيضا تريد ان يكون هذا مسموعا أمام الرأي العام البريطاني. وأضافت الصحيفة انه من المنطقي التساؤل ما إذا كان رد لندن بطرد الدبلوماسي كان تصرفا قاسيا وعلنيا لو كانت علاقات البلدين جيدة، لكنها ليست كذلك، بل هي في أسوأ أحوالها. وانه بعد الحرب على غزة، وجمود العملية السلمية منذ مجيء نتنياهو إلى السلطة، ومذكرة الاعتقال القضائية البريطانية بحق وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، لم يعد قرار الطرد العلني مفاجئا.
هذه التطورات الدبلوماسية البريطانية والأوربية الأخرى التي تحركت بعدها، رغم خجل بيان الاتحاد الأوروبي في بحثه للموضوع قبلها، وضعت الكيان الإسرائيلي أمام واقعه كجهاز تنفيذ إجرامي، داخل فلسطين وخارجها. وكشفت مسؤوليته المباشرة في عملية الاغتيال في دبي، وغيرها. واللافت هو ان الردود الغربية متواصلة وإن بدرجات متفاوتة، بينما لم يطرح الموضوع للتداول بين الحكومات العربية لاتخاذ موقف سياسي وعملي إزاء هذه الجرائم المعلنة رسميا، والاعتراف الأوروبي المتكرر بإدانتها. والعمل من خلال هذه القضية وخطرها على صورة الأمن العربي، خصوصا في الدول التي يحظى فيها الكيان بحرية الحركة و بتسهيلات أمنية. والمشكلة الأخطر التي تواجهها الدول العربية على الصعيد الأمني هي انكشاف التسهيلات التي يحظى بها الكيان ومخابراته من بعض الدول الأوروبية التي كشفت جوازاتها في قضية اغتيال المبحوح كما تبين في تحقيقات شرطة دبي واستمرارها عربيا أو من خلال العلاقات العربية الأوروبية على مختلف الأصعدة، التي تتطلب منها تحركات ومواقف أكثر وضوحا وصراحة ومسؤولية. تضع القضية ليست محصورة بصفعات متبادلة بين جوازات وخطوات دبلوماسية متأخرة وخافتة، لها علاقة بطبيعتها الدبلوماسية أو بحدود ذلك دون ان تتطور إلى ابعد منها. وهي القضية التي يتطلب توسيعها ووضعها في مسارها القانوني والسياسي والاقتصادي ووضعها كفرصة للاستثمار والإجراء القانوني والسياسي والاقتصادي والأمني.
هذه الخطوات المتتالية والتطورات المتتابعة تكشف مدى الاهتمام من كل الإطراف. وهي فرصة أخرى إذا ما تطورت فعلا وأخذ بها وجرى العمل عليها لتحد من تكرار الجرائم واستمرارها بإشكال أخرى. وكان على الحكومات العربية ان تأخذها بجدية ولا تضيعها، كما حصل مع غيرها. لقد فتحت هذه الخطوة الدبلوماسية مجالا للتصعيد مع الكيان من جهات متعددة. لاسيما في العلاقات الأوروبية مع الكيان التي توترت وتنتظر المزيد من الضغوط الإضافية من قبل أهل الضحية الرئيسية!ّ.