الجمعة، 19 مارس 2010

بايدن وزيارته الجديدة!

الجمعة 12/3/2010
نائب الرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن يقوم بزيارة رسمية، تشمل الكيان الإسرائيلي واللقاء بمسؤولين عرب في فلسطين والقاهرة وعمان، وفي جدولها الكثير من القضايا الثنائية والإقليمية، كما أعلن عنها. وقد سبق وان صرح مستبقا الزيارة بأنه صهيوني رغم انه غير يهودي. وهذا التصريح الذي نشرته وسائل الإعلام لأرفع مسؤول أمريكي حاليا، الشخص الثاني في التراتبية الإدارية في الولايات المتحدة، خطير ومهم ومعبر عن موقف له معانيه ومدلولاته المتعددة. هو ليس اعترافا وحسب وإنما انتماء إيديولوجي وسياسي وقناعات في المشروع الصهيوني وتفاعلاته في وقائع القضية الفلسطينية والعربية والخارطة السياسية والمخططات التي عرفت عنه. كيف التعامل معه عربيا وفلسطينيا واستقبال ما يحمله في جعبته من قضايا ثنائية وإقليمية وما علاقتها بالمشروع الصهيوني في المنطقة؟ أسئلة كثيرة وكبيرة يتطلب من الذين سيلتقيهم البحث فيها والحذر الشديد منها. وكذلك الانتباه لما ورائها من مخاطر تمس الأمن والسلام في المنطقة والمشهد السياسي الجديد فيها، كما ينبغي ألا يلدغ المرء أكثر من مرة. زيارة بايدن إذن ليست عادية ودبلوماسية وعلاقات عامة. ولا يمكن الاقتناع بأنها لتنشيط عملية السلام كما روج لها. ولا تتعلق بما سمي بالمفاوضات غير المباشرة التي كانت مدار حوارات ونقاشات أخذت مجراها. وكانت قد حصلت على موافقات عربية وفلسطينية واحتجت عليها قوى ودول لم تكن بقوة الدفع الأمريكي لها. وقد يكون ما قابلها من إعلان الاستمرار بالاستيطان، العقبة السابقة، التي على أساسها تحولت المفاوضات إلى غير مباشرة، احد مفاتيح ما تحمله الزيارة وما تفعله الزيارة من أعباء جديدة وتضحيات أخرى في مستقبل القضية والحقوق الفلسطينية والعربية. ولعل في هذه الصفعة، كما سمتها وسائل الإعلام، درسا لمن لا يعتبر منها. حتى بايدن تساءل عنها، هو وإدارته التي لم تنس حلفها الاستراتيجي في الدفاع عن أمنه وكيانه.
المبعوث الأميركي الخاص "للسلام في الشرق الأوسط" جورج ميتشل انتهى من جولة جديدة من المباحثات الماراتونية بين أصحاب الشأن ولم يخرج بنتيجة منها. وكل ما أذيع عنها أنها مستمرة في إطار تفعيل المبادرة الأميركية لبدء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم موافقة عربية عليها وتردد صهيوني حولها وادعاءات بضرورتها أو تغطية المسارات التي تمارسها عمليا على الأرض.
ذكرت صحيفة هآرتس (6/3/2010) أن الولايات المتحدة قد سلَمت وثيقة للسلطة الفلسطينية مفادها أن الولايات المتحدة ملتزمة بلعب دور في المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأنها تعهدت بتوجيه اللوم واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال فشل المحادثات. وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة قالت في الوثيقة: "إننا نتوقع من كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن يتصرفا بشكل جدي وبروح طيبة" مشيرة إلى نيتها "العمل للتغلب على أي عقبات والكشف صراحة عن مخاوفها في حال عدم وفاء أي طرف بالتوقعات المأمولة منه". وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن أرسلت هذه الوثيقة إلى السلطة الفلسطينية كرد على استفسارات تضمنتها وثيقة فلسطينية من رام الله إلى الولايات المتحدة في وقت سابق. وأوضحت الصحيفة أن هذه الوثيقة تكشف أيضا أن دور الولايات المتحدة سوف يشمل تبادل رسائل بين الطرفين، وطرح الأفكار على كل طرف والتقريب بين المقترحات المقدمة من كل منهما. وجددت الإدارة بحسب الوثيقة التزامها بخريطة الطريق التي تنص على ضرورة أن تقوم إسرائيل بوقف جميع الإنشاءات في المستوطنات وتفكيك كافة المواقع التي تم إنشاؤها منذ شهر مارس/آذار عام 2001.
إذا كان هذا صحيحا فلماذا الزيارة وبهذا المستوى السياسي وبعد التصريح بالهوية السياسية والإيديولوجية للموفد الأمريكي؟. ورغم ذلك فالمشروع الصهيوني لا يعبأ بها ولا بكل التطمينات العربية لأصحابه. وهو ما يتطلب الانتباه له أكثر من السابق والحيلولة دون بلع طعمه. فإذا كان هذا الموفد الرفيع المستوى موجودا في المنطقة ويتصرف معه الكيان الإسرائيلي بهذا الأسلوب فكيف سيتصرف مع غيره من الذين لم يجد كلمة مناسبة لوصفهم في قاموسه السياسي؟. تصريحات المسؤولين الصهاينة لا تحتاج إلى توضيحات إضافية فهي كافية وصريحة وأي تنازل أمامها يمنحها قوة وإصرارا على الاستمرار، وهذا ما لم تنتبه له جامعة الحكومات العربية ولجان متابعاتها ومجالس وزرائها وبياناتها المحرجة لكثير من أصحابها.
زيارة بايدن الصهيوني تحمل في طياتها ما عرف عنه من مشاريع تقسيمية وتفتيتية للبلدان العربية وتشمل ما طرح سابقا من مشاريع صهيونية في رسم خارطة العالم العربي والإسلامي، لا يمكن قبول ما يصرح به من محاولات أمريكية لتفعيل وتنشيط عمليات السلام. أو ان تقرأ تلك بعيون أصحاب القرار الأمريكي الصهيوني الذين اخذوا الإعلان صراحة عن توجهاتهم ومشاريعهم ودعمهم للإفلات من أية أعراف وقوانين دولية وقواعد عمل سياسية. المؤسف ان العرب الذين يستضيفون بايدن ليست لديهم الجرأة بمكاشفته بحقيقة ما يجري على الأرض من تدمير لكل الشعارات التي يدعي وإدارته رفعها إزاء القضايا المشتركة والمصالح المتبادلة. هنا مكمن الخطر حتى من هذه الزيارة وما تسرب عنها وخلف ما تحمله من خطط جديدة لتفتيت المنطقة ورسم خارطة جديدة لها. وقد أفصح بأكثر من إشارة إلى نوايا الإدارة الأمريكية المتطابقة مع أهداف المشروع الصهيوني المعروفة في المنطقة.
رحب المسؤولون في الكيان الإسرائيلي بصديقهم وسند دولتهم بايدن، واستثمروا وجوده بشكل كامل رغم ما سمي بالصفعة، فهي بين الحلفاء وأصحاب القرار وليس ردا أو تهجما عليه. وهو لا يحتاج منهم اعتذارا أو مراجعة حيث أضاف لهم هو في تصريحاته ما يرغبون به ويتباهون، ليست مساندته واعتباره الأمن الصهيوني مسالة أساسية لدولته وحسب وإنما الانتماء والتحالف الاستراتيجي بينه وبين دولته والكيان والاستماع لهم ولمخططاتهم العدوانية الداخلية والخارجية، فماذا سيقول أصحاب النظام العربي الرسمي بعد؟.