الأحد، 21 فبراير 2010

أوكرانيا: ماذا بقي من "الثورة البرتقالية"؟

الجمعة 12/2/2010
هزم رموز ما سمي إعلاميا بالثورة البرتقالية في أوكرانيا في الانتخابات الأخيرة. الأولى بعد فوزهم وحكمهم لفترة كاملة. وكانت تسمية الثورة وسيرتها قد أخذت حيزا كبيرا في وسائل الإعلام خاصة الغربية وتابعتها في اللغات الأخرى وعدت من بين النماذج الغربية لشعارات الديمقراطية ومهاجمة الحكومات السابقة والأنظمة السياسية التي لم تكن موالية أو تابعة للغرب سياسيا وعسكريا. ولكن تسابق الزعماء الغربيين قبل غيرهم بتهنئة الرئيس المنتخب، زعيم "حزب المناطق" أو "حزب الاقاليم" المعارض فيكتور يانوكوفيتش، قد أعطاه دفعا واضحا وتزكية للانتخابات الأوكرانية الجديدة. والرئيس المنتخب هو نفسه الرئيس الخاسر في الانتخابات السابقة في زعم الغرب والذي اتهم بتزوير الانتخابات وفي تحالفاته السياسية، وانتصر المهنئون له الآن لحركة الثورة البرتقالية سابقا، ورموزها المنافسة في الانتخابات الأخيرة خصوصا، حتى اعتبرت التهاني الجديدة صفعة جديدة أخرى لها ولتيارها وللشعارات التي رفعت باسم الحركة وتغنى لها وبها الكثيرون في الغرب خصوصا، ورددها الإعلام الأمريكي الناطق بمختلف اللغات بما فيها العربية.
الرئيس الأمريكي باراك اوباما افتتح الطريق في تهنئته إلى الرئيس المنتخب، معربا في بيان، عن تمنياته ليانوكوفيتش بـ"النجاح في النهوض بمهمته"، مشيداً بخيارات الشعب الأوكراني في هذه الانتخابات. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تهنئة الرئيس الأميركي ليانوكوفيتش تزيد من الضغط على تيموشينكو للاستقالة، في وقت وصفت كتلتها هذه التهنئة بأنها "تصرف غير دبلوماسي". وانضم حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى الرئيس الأميركي في الترحيب والتهنئة، فرحب الأمين العام لحلف الأطلسي اندرس فون راسموسين ترحيبا حارا بانتخاب يانوكوفيتش، في مؤشر واضح، كما لاحظ مراقبون سياسيون، إلى أن التحالف العسكري الغربي يحاول الاحتفاظ بولاء أوكرانيا. وأكد راسموسين أنّ "الحلف الأطلسي ملتزم بتعميق شراكتنا الإستراتيجية مع أوكرانيا، خاصة في ما يتعلق بالجهود التي تبذلها من أجل الإصلاح. وأنا شخصيا أتطلع للعمل عن كثب مع الرئيس يانوكوفيتش". بدوره، قدم رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي تهنئة "من القلب" ليانوكوفيتش، مخاطباً الرئيس المنتخب بالقول: "أنا واثق في أن علاقتنا ستواصل الازدهار تحت قيادتك". هذه الإشارات حسمت النتائج ووضعت أسسا جديدة للعلاقات القادمة.
وكانت الصحافة الأوكرانية نفسها قد اعتبرت، بعد الانتخابات وإعلان النتائج، ان هزيمة بطلة الثورة البرتقالية في الانتخابات الرئاسية لم تكن مفاجئة، وتساءلت ان كانت رئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو ستعترف بهزيمتها. وسجلت في صفحاتها مسيرة الشعارات وما تحقق منها وكيف تعامل معها الناخبون الأوكرانيون يوم الانتخابات.
عنونت صحيفة غازيتا برو كييفسكي المقربة من تيموشنكو لدى تعليقها على استطلاعات الرأي لدى خروج الناخبين من مكاتب الاقتراع "إذن فهو يانوكوفيتش؟ لقد كان ذلك متوقعا ولم تحدث المعجزة". وأضافت الصحيفة في إشارة إلى الأزمات السياسية وتدهور الوضع الاقتصادي "لقد حكم الأوكرانيون على النظام. ولم يكن بإمكان الرئيس فيكتور يوتشنكو (الذي هزم من الدورة الأولى) والسيدة تيموشنكو ان يأملا في الحصول على دعم شعبي واسع. ويكفي ان ننظر من حولنا". وأشادت الصحيفة مع ذلك بسير الانتخابات بشكل "حضاري رغم الاتهامات المعتادة بحصول تزوير". وكتبت الصحيفة ان الانتخابات "كشفت تقنيات الاتصال الانتخابي السحرية التي يمكنها تحويل أي مرشح إلى فائز".
وتساءلت صحيفة سيدوغنيا المقربة من يانوكوفيتش والتي نشرت صورة في صفحتها الأولى للمرشحين المتنافسين ينظران شزرا لبعضهما، "هل ستعترف (تيموشنكو) بالهزيمة؟ وهل سيحافظ (يانوكوفيتش) على فوزه؟". وكتبت في افتتاحيتها «ان حملة تيموشنكو كانت استعراضية أكثر لكن اغلب الناخبين فضلوا الخبز على التسلية".
وتساءلت صحيفة ايكونوميتشسكي ازفستيا ان كانت تيموشنكو "ستسعى إلى الحصول على قرار بعدم قانونية نتائج الدورة الثانية؟". وأضافت "يمكنها ان تسعى أمام المحاكم وفي الشوارع، إلى تنظيم دورة ثالثة. لكن الأمر الواضح هو ان عهد بطلة (الثورة البرتقالية) لعام 2004 ولى ليفسح للقوى المضادة للثورة البرتقالية". حسب إشارتها.
هذه النصوص التي أجمعت عليها الصحف الأوكرانية والتي نشرتها وكالات الأنباء إثناء الانتخابات وبعدها دلت على عمق الأزمة التي كانت عليها شعارات الثورة البرتقالية، كما سميت وأعلنت، وكشفت نتائج الانتخابات، حتى قبل يوم الاقتراع، لان أغلبية الناخبين عاشت التجربة والسعار الإعلامي الذي رافقها، والضغوط الغربية التي وجهتها، والتي لم تنجز لها ما وعدت به.
ومعلوم ان الثورة البرتقالية في أوكرانيا ابتدأت خلال 2004-2005 بسلسلة من المظاهرات والأحداث السياسية التي وقعت على إمتداد البلاد كرد فعل لمزاعم الفساد الجماعي وتخويف الناخبين و التزوير الإنتخابي المباشر أثناء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية 2004.
واعتبرت تلك التحركات الشعبية وتضخيم تصويرها إعلاميا نموذجا للثورة التي اتخذت تسميتها من خلال الوشاح البرتقالي الذي أصبح رمزا لها، بعد نتائج الدورة الانتخابية الحاسمة في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 بين المرشحين البارزين فيكتور يوشينكو وفيكتور يانوكوفيتش، اثر عدم حصول أي مرشح على أكثر من 50% من الأصوات في صناديق الاقتراع في الدورة الأولى. وقد كان من المقرر أن يصبح الفائز في الدورة الحاسمة الرئيس الثالث لأوكرانيا منذ استقلالها عام 1991 بعد انهيار الإتحاد السوفيتي.
وأخذ الوشاح البرتقالي رمزا للثورة البرتقالية الأوكرانية، كما صار معروفا، باعتباره اللون الرسمي للحركة منذ أن تبنى المرشح المعارض الرئيسي حينها، فيكتور يوشينكو لهذا اللون. وتم إلغاء نتائج الدورة الحاسمة الأصلية وأمرت المحكمة في أوكرانيا بإقامة دورة ثانية حاسمة في السادس والعشرين من كانون الاول/ ديسمبر 2004. وكانت النتائج الرسمية للدورة الثانية الحاسمة لصالح يوشينكو. وقد تم إعلانه الفائز الرسمي وتم تنصيبه في المكتب باعتباره الرئيس الثالث لأوكرانيا في الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2005. وأعلن حينها انتصار الثورة البرتقالية، أما اليوم فلا مفر من الإقرار بهزيمتها.