الأحد، 20 سبتمبر 2009

الجدران والبنادق لا تحقق الأمن..!

الجمعة 11/9/2009
تتزايد التهديدات الصهيونية على الشعب والقضية الفلسطينية كل يوم. وكل مرة يُستغل فيها ما يخدم لإلغاء القضية كما صرح مؤخرا وزير صهيوني. ومن بين ما يوفر هذه الخدمة ما يجري داخل الأوضاع الفلسطينية والعربية، وسياسات الهرولة إلى الإمام والتهرب من مواجهة التحديات المباشرة والقائمة والواضحة إمام الجميع. مع كل ذلك فثمة أصحاب ضمائر إنسانية يقولون علنا ما يعتقدون انه الصحيح والحق المشروع ويتحملون من جرائه ما ينغصهم ويحاصرهم أو يسبب لهم متاعب مختلفة. ومن جهة أخرى يبقى ما يقومون به محصورا وتظل أصواتهم وكأنها في برية. لماذا؟ والى متى؟.
لنأخذ مثلا ما نشرته وسائل الإعلام من تصريحات لرجل الدين المعروف ديزموند توتو ( 77 عاما) إلى صحيفة صهيونية، وأعلنه موقفا حازما منه وردا على كل الادعاءات التي تروجها وسائل الإعلام الصهيونية المحلية والعالمية. هذه التصريحات مرت وكأنها عادية جدا، لم تؤخذ لا من قائلها وأهميته الدولية وحيازته على جائزة نوبل عام 1984 وموقعه العالمي في وسطه الديني والإنساني، ولا من محل النشر ووسيلته، أي عقر دار الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي لا يجرؤ عليه إلا أصحاب الضمائر الإنسانية والشخصيات التي تعرف قولها وأهميته ودوره. لقد نشرت وكالات الإنباء ما يلي:
في مقابلة خاصة بصحيفة "هآرتس" قال القس ديزموند توتو إن الدرس الذي كان يجب أن تتعلمه إسرائيل من المحرقة هو أنها لن تحصل على الأمن بواسطة الأسوار والبنادق. وفي تطرقه إلى تصريحات بنيامين نتانياهو، في ألمانيا والتي جاء فيها أن دروس المحرقة تفيد أنه على إسرائيل أن تدافع عن نفسها، قال توتو إنهم حاولوا تحقيق الأمن من خلال البندقية، بيد أن الأمن لم يتحقق إلا بعد أن اعترف النظام بحقوق الإنسان واحترام حقوق الإنسان بدون تمييز.
أجريت المقابلة في القدس مع انتهاء زيارة "وفد الحكماء" ومما قال توتو فيها: إن الغرب يشعر بالذنب والندم تجاه إسرائيل بسبب المحرقة، إلا أن الفلسطينيين العرب يدفعون الثمن. وأضاف: "قال سفير ألماني كنت قد التقيته أن ألمانيا تشعر بالذنب بسبب خطيئتين: ما فعلناه لليهود، والآن معاناة الفلسطينيين". وانتقد المنظمات اليهودية الأمريكية التي تزرع الرعب في كل من ينتقد الاحتلال، ويجري اتهامه باللاسامية. وأضاف أن المنظمات اليهودية نفسها كانت قد مارست ضغوطا على الجامعات في الولايات المتحدة من أجل إلغاء محاضرات كانت له، مشيرا إلى أن "محاضراته كانت نابعة من التوراة، والتي بموجبها كان الله يقف إلى جانب المضطهدين". وأكد توتو أنه بدون دعم المجتمع الدولي والعقوبات التي فرضت على جنوب أفريقيا ما كان يمكن أن تتحرر من نظام الأبرتهايد، مشيرا إلى التأثير النفسي الكبير لذلك. وفي تعقيبه على زيارته مع أعضاء الوفد إلى بلعين، حيث يجري تنظيم مظاهرات أسبوعية ضد جدار الفصل، قال توتو إنهم اعتادوا مرافقة أبنائهم إلى المدارس عن طريق الحواجز العسكرية. وقال: "كنا أيضا نطلب رحمة الجندي الذي كان بيده قرار عبور الحاجز أو العودة إلى البيت". وتابع أن الحواجز تذكره بفترة الأبرتهايد، إلا أنه لم يكن في جنوب أفريقيا عقاب جماعي، كما لم يتم هدم بيوت بذريعة أن أحد أبناء العائلة مشتبه بـ"الإرهاب". وبحسبه فإن سكان بلعين وناشطي حقوق الإنسان يذكرونه بمهاتما غاندي الذي نجح في طرد الاحتلال البريطاني من الهند عن طريق التمرد المدني وبدون عنف، ويذكرونه بمارتن لوثر كينغ وروزا باركس التي رفضت إخلاء مقعدها في حافلة عمومية لصالح رجل أبيض بناء على طلب سائق الحافلة. وقال أيضا إنه يؤمن بانتصار النضال من أجل الحرية في نهاية المطاف. وأعرب توتو عن أمله بأن يظهر أول رئيس أمريكي أسود تعاطفا مع الفلسطينيين. ورأى أن أوباما يمثل عهدا جديدا، ويستطيع أن يحرك عملية السلام مجددا في المنطقة. وفي إشارة إلى ما يمكن اعتباره ضرورة ممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل الانسحاب من الأراضي المحتلة، قال إن "الأقوياء لا يميلون إلى التخلي عن قوتهم بشكل طوعي".
هل هناك كلام أوضح مما قاله الحكيم توتو، وكيف يمكن توظيفه لخدمة الشعب الفلسطيني والقضية التي تتكالب عليها اليوم جهات عديدة لطمسها أو إبعادها عن الواجهة السياسية؟. وإذا كان هذه الموقف السديد من هذا الرجل - الإنسان، بكل هذا الوضوح والصراحة، بعيدا عن الاعتبار الواقعي والاستخدام المنطقي في دعم الشعب والقضية، فماذا يكون الموقف المساند والتضامن الدولي؟. إن هذه التصريحات المهمة، من مصدرها وموقعها، أثبتت أن الرجال الكبار يظلون كبارا، أينما حلوا وحيثما صرحوا وكيفما أيدوا القضايا التي تشغلهم إنسانيا وأخلاقيا. ولهذا تستحق هذه التصريحات والأقوال الكثير من الاهتمام والمسؤولية ووضعها في محلها الصحيح من حملات التضامن الإنساني والمساندة العالمية لعدالة القضية الفلسطينية وما تكابده اليوم من ضغوط وحصار وعدوان. وقد قامت جامعة أجنبية في تكريم هذا الرجل، بينما كان هذا العمل من مهمات جامعات ومؤسسات أخرى أيضا، مثالا واهتماما.
جامعة جينف السويسرية منحته شهادة الدكتوراه الفخرية، خلال احتفاليتها بالذكرى السنوية الـ450 على تأسيسها. وجاء قرارها هذا لمواقفه الإنسانية، وتضامنه مع حقوق الشعوب المضطهدة والمحتلة بلدانها، واستخلاص الدروس من تجربة كفاح شعبه ضد العنصرية والاستبداد كما كان يمارسه نظام الفصل العنصري ضد السود بجنوب أفريقيا. وخلال وصوله الى المدينة القديمة التي تقع على مرتفع، استقبل بحفاوة شعبية، من بينها تصفيق الحضور الذي بلغ ثمانمائة وقوفا لمدة أكثر من ثلاث دقائق، ألقى كلمة أكد فيها أنه لا يتكلم في السياسة، ولكن يتكلم عن الإنسانية المهدورة، مضيفاً "هناك عذابات في كل مكان مِن العالم، انظـروا ماذا يحـدث في الشـرق الأوسط وفي أفغانستان. وأضاف انظـروا إلى أفريقيا حيث الجوع، والإيـدز، والملاريـا، وأمراض أخـرى تحصـد البشر، هذه جرائم قتل لا يُمكن للإنسانية أن تعيش بسلام دون أن توقف هذه المآسي"