الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

من دروس غزو واحتلال العراق

الجمعة 3/10/2008
لم تعد كلمة "الانسحاب" عند إدارة البيت الأبيض ومؤسساته سرية أو ممنوعة من التداول العلني، حيث أعلن عنها خلال مباحثات القادة العسكريين الميدانيين في العراق وقادتهم في البنتاغون. وصرح بها وزير البنتاغون مرات، وترددت بين اجابات القيادات العسكرية أمام اللجان المختصة في الكونغرس، وصولا إلى إعلان الرئيس الأمريكي بوش الثاني سحب فوج من قوات الاحتلال الأمريكي من العراق العام القادم في خطاب له حول الموضوع. وقد يكون هذا الانسحاب مقدمة مفزعة للعديد من الجهات التي تتصل بما حصل ويحصل في العراق، ولكن مجرد البدء بسحب هذه القوات لا يعني النهاية لها، وقد يشير إلى أن المسبحة قد تكر بعدها، ويجري حاليا النقاش والخلاف حول السرعة أو التسارع أو الأبعاد التي ستكون بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، وبأي شكل من الأشكال، ولماذا تتم عملية الانسحاب، هل حققت الإدارة الأمريكية مشاريعها ومخططاتها من غزو واحتلال العراق؟ أم أنها ستبدل الأشكال والأساليب التي تأكدت من نتائجها وتداعياتها التي باتت مطروحة علنا. هل نسيت دروس حرب فيتنام؟ ماذا سيحصل مع الجهات التي تعاونت مع الاحتلال؟ والقواعد العسكرية والأمن والنفط والأهداف الأخرى التي خططت أو استدعت القيام بالمهمة، حسب أقوال الإدارة واتباعها ومنظريها.
رغم ذلك فطرح فكرة الانسحاب والخروج المشرف، كما اصطلح عليه، أصبحت متداولة أو متبادلة في واشنطن وبغداد. من بين من دعم هذه الأفكار وبما يحفظ سمعة الولايات المتحدة وسياساتها، واستخلص العديد من الدروس، الدكتوران جورج ماكغفرن ووليام بولك، ووضعاها في كتاب: الخروج من العراق، خطة للانسحاب الآن، الصادر قبل عامين في الولايات المتحدة، والذي قام مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت بترجمته ونشره. وكما ذكرنا في مقال سابق عنه تأتي أهميته من مؤلفيه العلمين في تيار المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية، ومن خبراتهما ومقدرتهما الفكرية. ويضيف الناشر إلى أن اقرب وصف لمضمون الكتاب هو انه بيان واضح لبرنامج عمل بشأن مشكلة بالغة الخطورة في السياسة الخارجية الأمريكية وفي الاستراتيجية العسكرية على السواء.
فبعد أن قرأ المؤلفان الوضع وتطوراته في العراق ودور سياسات وقوات الاحتلال الأمريكي في ما وصل إليه الأمر، وانتهيا إلى أن الحل الأمثل هو في قرار الخروج وعودة الجنود من العراق، وتوصلا إلى أن رفض الخروج من العراق يقود إلى الكارثة التي أشارا إليها ووصفاها بالأرقام ووجهات نظر أمريكية، حيث أكدا: "بغياب تغيير تام في السياسات الأمريكية، الذي يجب أن يبدأ بانسحاب سريع من العراق فان أمريكا التي ورثناها من آبائنا المؤسسين ستكون معرضة إلى خطر بالغ، وربما حتى إلى خطر مميت". ( يؤكد استنتاجهما ما يجري في أمريكا والعالم الآن من انهيارات مالية). والمهم مرة أخرى في كتابهما هو الخاتمة التي وضعا عنوانا لها: دروس من العراق. وبدأاها بالسؤال: هل هناك دروس لكي نتعلمها من المغامرة الأمريكية في العراق؟. وواصلا: أن الفيلسوف الألماني هيغل يشك بذلك. كتب يقول: "أن الشعوب والحكومات لم تتعلم أي شيء من التاريخ، ولا عملت وفق المبادىء المستخلصة منه". ومن حكمة هيغل ناقشا الدروس التي يتوجب التعلم منها والتنبه لنتائجها وأخطارها المباشرة وغير المباشرة وتفسير مطلبهما في الخروج من العراق. بعد أن استعادا سنوات تاريخ العراق الحديث وما حصل فيه خلال الاحتلال البريطاني وما حدث أثناءه، كما انهما وضعا أسئلة مركزة وموحية لنتائج المغامرة، من قبيل لماذا اثنين من عشرة من العراقيين يعتبروننا محررين؟ "ولماذا لم يستقبل العراقيون قواتنا بالزهور في أيديهم والابتسامات على وجوههم كما أخبرتنا حكومتنا؟، ولماذا لم يشكرنا العراقيون لأننا أنقذناهم من صدام حسين بدلا من إطلاق النار علينا؟". والجواب على ذلك هو الدرس الأول والأساسي، في معرفة ثقافة هذا الشعب وإدراكه بان وجود قوات أجنبية في بلاده لا تعني غير استعمار آخر، ولا حل إلا بخروجها. واستنتجا من التجارب العالمية أن التسلسل الذي أعلناه، وهو الأمن قبل السيادة، لا يحصل إلا نادرا، أما عكسه، وهو السيادة قبل الأمن، فهو القاعدة العامة. "والسبب يعود إلى ما يلي: ما دام الأجانب في البلاد فان الأهالي الوطنيين سيواصلون كفاحهم حتى يخرج الأجنبي، مهما كانت القوة التي تستخدم ضدهم كبيرة ومهما كان القتال باهظا في الدماء والأموال". (ص132). وخلصا من هذا الدرس في شرح دعمهما لخطة الخروج المبكر قبل فوات الأوان، بأنه درس تاريخي وواقعي وعملي من العراق اليوم. والدرس الآخر الذي أكداه هو أن الغزو والتدخل الأمريكي في البلدان ولد انطباعا وخبرة تقول أن أمريكا ليست منارة الرجاء بل نذير الهلاك، عززه ما يفهم من سياسة الأمن القومي الأمريكي ومذهب بوش العدواني، موضحين فكرتهما في أن الدرس العراقي الذي استخلصه الكوريون الشماليون والإيرانيون هو انه لكي تكون آمنا من أمريكا فيجب عليك أن تمتلك أسلحة نووية. وان حكومة عراقية في المستقبل قد تصل إلى نتيجة مشابهة. وهذا أسوأ ما يمكن أن ينشا من المغامرة الفاشلة في العراق.
إذا كانت هذه بعض الدروس وأهمها الاتعاظ من الحرب وما تؤول إليه، وتذكر دروسها وعدم إنكار تداعياتها أو تضليل الذاكرة القريبة المليئة بالعبر التاريخية، فان الدرس الأهم يبقى في: ماذا تحقق للشعب العراقي من كل ما ادعته الولايات المتحدة وكم هو الثمن الذي يدفعه وهل يمكن أن ينسى ويغفر؟.