الجمعة، 18 أبريل 2008

ماذا بقي من مصداقية الإدارة الأمريكية؟

السبت 22/3/2008
بماذا يفسر تسريب البنتاغون لوثيقته المؤكدة علي عدم وجود اتصالات بين العراق ومنظمة القاعدة عشية الذكري الخامسة لغزو العراق؟ ألا يعني أن كل الادعاءات التي إعتبرتها الإدارة الأمريكية حججا لشن الحرب مزيفة وغير صحيحة؟!.
رغم ان الوقائع والفضائح التي مارستها الإدارة وعصاباتها التي قادتها وخططت للغزو والتحضير للحرب ومن ثم الاحتلال قد اثبتتها. أو أن هذه الإدارة تريد أن تعترف بشكل آخر ومن ضمن أساليبها الملتوية وادعاءاتها البراقة بخطل ما إدعته وأعلنت علي ضوئه عدوانها وخرقها لكل القواعد الدولية والقانون الدولي وحتي الدستور الأمريكي؟.
فإذا كان هذا الذي كشفه تقرير البنتاغون مؤخراً واقعاً من بين أبرز الأسباب المعلنة التي ادعتها الإدارة والبنتاغون ذريعة للغزو والحرب واستمرار الاحتلال، فماذا بقي من مصداقية الإدارة الأمريكية بعد هذا الكشف الرسمي من مؤسساتها؟ وما هي تبعات ذلك بنفس المستوي، قانونيا وسياسيا وأخلاقيا؟.
وقد سبق لها أن كشفت بطلان ذريعتها الأخري الرئيسية حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وأكدت لجان بحثها المتتالية والمختصة زيف هذا الادعاء، وخلو العراق من هذه الاتهامات رسميا وباعتراف الخبراء أنفسهم الذين أوكلتهم الإدارة ولوبياتها، ومثله خداع شراء اليورانيوم من النيجر وغيرها من قائمة الحجج الكاذبة التي ادعتها الإدارة الأمريكية وقامت بنفسها ولوحدها باتخاذ القرار بشن الحرب والعدوان علي دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية.
واغلب هذه المنظمات والقرائن القانونية والتقارير الدولية تثبت أن ما قامت الإدارة الأمريكية به هو عدوان سافر وجريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي والشرعية والعلاقات الدولية والإنسانية، ويترتب عليها حقوق للضحايا بالمطالبة بمحاكمة كل من اقترف هذه الجريمة والعدوان وتحمل المسؤولية عن الخراب والدمار الذي أحاق بالعراق ومستقبله.
وإذا كانت الذكري الخامسة تمر والعالم مازال مشدوداً لأيامها الاولي وكيفية حدوثها ومتابعا لما حصل علي الأرض جراءها وبسببها فإن عددا من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان أصدرت تقارير تتحدث عن كارثتها علي الشعب العراقي الذي تقول عنه استطلاعات الرأي العام التي تقوم بها مؤسسات من تلك البلدان التي اشتركت بالعدوان عليه بأن نسبة كبيرة منه تتجاوز الثمانين بالمائة تريد رحيل هذه القوات التي احتلت البلاد وانتهكت كل المعايير والقيم الإنسانية. وحين تتوافق مثل هذه التقديرات مع هذه الاكتشافات والفضائح وتغطي الفظائع والإنتهاكات والإرتكابات التي حصلت فإن الكارثة التي تصفها التقارير ليست إلا صورة من صور الواقع المرير الذي تكابده الضحايا يوميا وبصمت الضمير العالمي والعربي غير المبرر أبداً.
هل تسأل الإدارة الأمريكية ومن والاها عما اجمع عليه تقريران لاثنتين من أبرز المنظمات الدولية علي "كارثية" الوضع الإنساني في العراق؟ ولماذا رسما صورة قاتمة له؟. وهما تفضحان ادعاءات المؤيدين للحرب والاحتلال وأسانيدهم وصراخهم الفارغ.
وهذه الصفة التي يجمع عليها الآن تشير إلي أن ما حصل في العراق مقارنة بأوضاع غيره من البلدان خطير جدا يفضح الأهداف الموضوعة في مخططات المحافظين الجدد ومشاريعهم وأوهامهم الاستعمارية.
فرغم مزاعم تحسن الوضع الأمني خلال الأشهر الأخيرة أكد تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الذي صدر مؤخرا تحت عنوان "المذبحة واليأس" ، أن الوضع الإنساني في العراق بعد خمس سنوات كارثي. وأوردت "أمنستي" في تقريرها الدوري أنه بسبب فقدان الأمن فإن القانون والنظام والانتعاش الاقتصادي أصبحوا أموراً بعيدة المنال، حيث السواد الأعظم من العراقيين يعانون الفقر ونقص الغذاء والماء الصالح للشرب، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة.
ولفت التقرير إلي أن أكثر من أربعة عراقيين من بين كل عشرة يعيشون تحت خط الفقر، في وقت شارف فيه النظام الصحي والتعليمي في البلاد علي الانهيار، فضلا عما تعانيه المرأة من مخاطر متعددة. وأشار التقرير إلي أن الفشل في التحقيق بمزاعم انتهاك حقوق الإنسان في العراق يعد واحداً من أهم ما يستدعي القلق مستقبلاً.
ووصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقريرها الصادر تحت عنوان: "العراق: أزمة إنسانية لا تلين" جاء فيه أنه: رغم التحسن الأمني المحدود في بعض المناطق ما زال العنف المسلح يخلف أثراً كارثياً. ومازال المدنيون يذهبون ضحية العمليات القتالية. أما الجرحي فلا يتلقون في غالب الأحيان ما يكفي من الرعاية الطبية.
وتأتي هذه الإشارات عن أوضاع الصحة والأمن في مثل هذه التقارير كمثال لاهتمامات تلك المنظمات ولكنها كغيرها تتجنب حسب تصريحات مسؤولين فيها الخوض بالأسباب التي أدت إلي ذلك ومن هو المسؤول المباشر عنها، لاسيما وأنها تلتزم بمعايير القانون الدولي والإنساني.
ورغم ذلك فهذان التقريران يكشفان عمق المأساة من جهة وهي وحدها دليل عن ورطة الاحتلال والمحنة التي يعيش ضحاياه تداعياتها المباشرة، من جهة أخري. وفي تأكيدهما علي الصورة القاتمة والكارثية التي رصداها في العراق بعد خمسة أعوام عجاف بكل ما تعنيه الكلمة من معني اكبر برهان علي العدوان وجريمة الحرب التي تقوم علي ارض العراق اليوم.
ليس هذان التقريران لهاتين المنظمتين وحدهما اللذان يؤكدان كارثية الأوضاع في العراق، ففي تصريحات كثيرة لأكثر من مسؤول أمريكي وبريطاني وغيرهما إشارات كثيرة متقاربة عما توصلا إليه، وهي كلها تعري مصداقية الإدارة وكل من حالفها.
ويأتي تقرير البنتاغون إضافة جديدة لأدلة العدوان والإصرار علي الحرب والاحتلال والتهرب من المسؤولية التاريخية فيها. وبعد كل هذه التقارير والأوضاع ما زال الاحتلال جاثما ويبحث عن مخارج له في معاهدات طويلة الأمد وقواعد استراتيجية وهيمنة إمبراطورية، ولكن ماذا تعني كل هذه التقارير أمام وقائع الحال في العراق اليوم وغدا؟......!