السبت، 3 مايو 2025

الارهاب الاعلامي ومؤتمرات المكافحة


بعد ان احتل “داعش” مناطق واسعة من العالم العربي، بدأها في سوريا ومن ثم العراق وبعدها كسب مبايعة تنظيمات تمتد على مساحة المعمورة العربية والإسلامية، وجند له “مقاتلين” من الغرب، اصبح الحديث عنه واسعا في العالم كله. ونشرت عنه “تهديدات” لبعض الدول الراعية له او التي سهلت له ووفرت ما اراد منها في بداياته فأخذت تدعي انها هي الاخرى مهددة منه، او تعمل مثل غيرها، لاسيما الدول المجاورة للوطن العربي، من شماله اساسا، على مكافحته والمساهمة في القرارات الدولية المخادعة. اصدرت الامم المتحدة قرارا ضده، وتعاقدت دول برئاسة الولايات المتحدة لتحجيمه ومن بينها دول عربية، وشكلت تحالفات غدر مبيت، لها اهداف معلنة زورا لمكافحة الارهاب وتضمر سرا خططا عدوانية تفضحها وسائلها العدوانية وممارساتها الوحشية. وما يكشف بين فترة وأخرى من تصريحات خطيرة لمسؤولين عرب تعلن ما يبيت وينوى له من تلك الاحلاف والمؤتمرات. تستهدف تلك الاحلاف والمساعي العدوانية تدمير الدول المناهضة فعلا للإرهاب، والمقاومة له ولمؤسساته ومنظماته وقواعده الاستراتيجية. والمستغرب فعلا الازدواجية الصارخة في نشاطات بعض اعضاء تلك الاحلاف في عقد مؤتمرات تحت عنوان “مكافحة الارهاب”. والسؤال له دائما، أي ارهاب تقصد؟.

خلال الايام القريبة الماضية عقدت اكثر من عشرة مؤتمرات تحمل هذا العنوان: مكافحة التطرف والإرهاب. وليس غريبا ان بعض الحكومات العربية، متهمة بدعم الارهاب وتمويل عصاباته وتوفير كل الخدمات له، اعلاميا وبشريا، هي القائمة بأغلب ذلك. ويتعكز هذا البعض علنيا على مسالة عدم وجود تعريف للإرهاب والتطرف، او لا يريد ان يقر بتعريف له او يعلن صراحة ما هو الارهاب في منظومته الفكرية وممارسته اليومية له عمليا. فيذيع انه ضده ولكنه يعمل علنا وسرا على دعمه ونشره وحتى التباهي والتهديد المبطن به. ولهذا فان عقد مؤتمرات تحت هذا العنوان يكشف فعلا نفاق من يقوم بها ويحضرها ويسهم فيها. ولعل قراءة العناوين والاسماء توحي بمدى القدرة على التلون الحرباوي، والتهرب من الفعل الواقعي في التوصيف للإخطار المحدقة والكامنة في هذا البعبع الجديد الذي اختلف ايضا حول منشأه ومصادره ومن ثم استمراره وتوسعه.

المضحك في الامر ان هذه المؤتمرات تغطى اعلاميا من وسائل الاعلام المشتركة في الترويج للإرهاب وتوفير كل الخدمات له. حتى ان بعضها صرح بذلك علنا، بل ان من كان يقوم بذلك عين مديرا لواحدة منها. اما التسميات فحدث عنها ولا حرج. مع قيامها بتقصد، او هو جزء من مهامها في تشويه وتخريب معاني ومدلولات الكلمات والتلاعب على تشويه الوعي وغسيل الدماغ والتفرج على الكوارث التي تنتهي اليها اعمالها وجماعاتها ومؤتمراتها. التي تعمل كما هو طبيعي لديها على قمع الحريات وإغلاق ابوابها ومنع التمتع بوسائلها الحديثة وتحريم المفردات من تداولها محليا بينما تستخدمها هي في عناوين برامج يومية لها وتضعها واجهة في وسائل اعلامها المكتوبة، ولسد الفراغات في ساعات بث وسائل اعلامها المرئية والمسموعة، واستخدام التكرار المبرمج وسيلة للتذكير والتحريض والحث النفسي والإثارة العاطفية عبر الصورة والكلام والوضع المأساوي الذي اسهمت هي فيه دون الاخبار عنها ورميه على الجهات والإطراف التي تخطط ضدها وتعمل عليها حربها وعدوانها. وهذه التصرفات هي وسائل معلومة تقوم بها تلك الوسائل الاعلامية او هي مادتها وبرامجها التي تكون في النهاية وسائل ارهاب اعلامي فعليا، لم ينتبه لها ولم يجر التحرك ضدها وصدها والكشف عنها.

هذه الوسائل الاعلامية هي جزء من حملات الارهاب التي تتحرك في المشهد السياسي العربي والإسلامي اولا ومن بعده دوليا. وهذه كلها توضح الاهداف المرسومة لها والخطط المعدة لها. وتأتي المؤتمرات اضافة تغطية ووسائل اخرى لتمريرها وتجهيز الساحات المنشودة لأعمالها ولها. وما كثرة تلك الوسائل والإعلان عن جديد لها ومؤتمرات متواصلة إلا دليل اخر على ضخامة الهجمة الاستعمارية الصهيو امريكية على المنطقة اولا وعلى الشعوب ثانيا وعلى توسيع القواعد الستراتيجية العسكرية وغيرها المعادية لطموحات الشعوب والمنطقة في النهاية.

يكشف الارهاب الاعلامي حاليا مهمته سواء داخل او خارج تلك المؤتمرات ومن يقوم بها، وتعمل له جهات رسمية وأهلية، وتوضع له ميزانيات مالية ضخمة لأنه يمارس دوره المطلوب. وقد كشفت وثائق الويكيليكس جزءا منه، كما اكدته تسريبات الموظف السابق في الاستخبارات الامريكية ادوارد سنودن، والتي تبينت الادوار منها او التي رسمت والنشاطات والفعاليات التي خطط لها او قام بها المكلفون رسميا او بالفعل ذاته او خدمة للعنوان الموضوع. ومن بينها ما يحصل من ضحايا لها في هذا المجال. وقد يكون ذكر اعداد الصحفيين الذين خسروا حياتهم بسبب المهنة وحملات الارهاب احد صور الكارثة التي تحصل في عالمنا اليوم. حتى الذين قطعت رؤوسهم، وهم ضحايا الارهاب فعلا، استثمرت قضيتهم دون تحمل مسؤولية عما لحق بهم وأسباب الجريمة المشتركة للإرهاب الاعلامي والمؤتمرات الداعمة له فعلا والمصورة لمكافحته كذبا وتضليلا.

في الوقت ذاته لابد من التفريق بين الارهاب الاعلامي ومؤسساته في العالم العربي وبين الحريات الاعلامية وحماية الصحفيين والعاملين في مؤسسات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العامة. ويجب ان يتوفر ضمان كامل وفهم واضح ومقدرة تمييز. اذ لا يمكن ان تخلط الاوراق وتضيع البوصلة المنشودة في معرفة البون الشاسع بينهما. وإيضاح مهمات كل منهما، حيث لا يمكن ان يجمع بين الارهاب الاعلامي والأمني الذي يمارس وعصابات الارهاب واستخداماتها المختلفة، والحريات العامة للإعلام والإعلاميين. كما ان انكار دور الارهاب الاعلامي والتمويل والتنفيذ العملي والتجنيد الاعلامي لا يقلل من اهمية المؤتمرات المضادة والعاملة فعلا لتحديد المؤسسات والجماعات الارهابية وتمويلها وتجنيدها واستخدامها للإعلام والمتخادمين معها فيه. وهذه هي المهمة الرئيسية لاية مؤتمرات تحمل هذا العنوان.

نقل عن نوري السعيد، (1888- 1958) السياسي العراقي المعروف، رده او تبريره لسؤال في البرلمان، ( اواسط الاربعينات من القرن الماضي) انه اغلق عصبة (مكافحة الصهيونية) لأنها تكافح عن الصهيونية التي يحاربها(!). وهذا الفهم هو الذي يتزعم اغلب هذه المؤتمرات ووسائل اعلامها.

نشر المقال في أواسط كانون الثاني / يناير 2015

السبت، 26 أبريل 2025

ماذا تعني عودة "داعش"؟!..


لماذا يعود ما اصطلح عليه بمختصره"داعش" الى اعماله الارهابية، بعد أن انجز وظيفته الرئيسية، ولم يستطع الحفاظ على نتائجها، وانهزم وتم الانتصار عليه وانتهت ما سميت "دولته" الاسلامية؟!. هل يعني أن مهماته لم تستكمل بعد وان داعمبيه لم ينهوا علاقتهم به ام ان هناك اسرارا أخرى لم تكشف لحد الآن؟!. المعلوم أن التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة والذي تأسس على أساس محاربة "داعش" كتنظيم ارهابي هو الذي يبث اخبار عودته بين حين واخر، ويسرب معلومات عنه، عبر منظمات دولية أو أعضاء من التحالف أو متخادمين معهم. وتلك شهادة له بأنه مرتبط كتنظيم بمخططات التحالف والعمل في إطاره لبقاء اسم التحالف واستمراره، تنظيما وتحالفا، في المنطقة المخطط لها والموجه لزعزعتها وتدمير أمنها واستقرارها. وهو ما حصل قبل سنوات، منذ بدايات ظهوره وانتشاره ورفع رايته السوداء وإلى يومنا هذا. وبالتالي إستمرار بيع الأسلحة ومعداتها وتوفير الذرائع لبقاء قوات التحالف وبناء قواعد عسكرية وإقامة تحالفات محلية وإقليمية لخدمة المشروع أساسا وتوفير كل ما يخدمه، من أفراد وأجهزة ومؤسسات إعلامية وغيرها مما يتوجب تحضيره أو إيجاده أو توفيره، والضغط به لنهب الثروات واستخدام الجهود وهدر الطاقات المحلية والإقليمية.
بثت وكالات أنباء أمريكية يوم 05 شباط/ فبراير 2021 تقريرا صادرا عن مجلس الأمن الدولي رصد وضع "داعش" والقاعدة في سوريا والعراق. مؤكداً أن التنظيم "لا يزال قادرا على شن عمليات تمرد في المناطق الحدودية بين البلدين، على الرغم من التحديات التي يواجهها، ومن بينها فقدانه عددا من قياداته في عام 2020", ولم يتطرق التقرير إلى ما قام به التنظيم داخل العاصمة بغداد أو المدن الأخرى وكذلك في مدينة دير الزور أو الحسكة وغيرها من المدن السورية. وفي هذا اشارات لاهتمام المجلس وأصحاب التقرير في توجيه الأنظار والأضواء على المنطقة والجغرافية وليس على الأخطار الجدية والأهداف الأساسية من وجوده وصناعته.
وسجل المجلس في تقريره عن تنظيمي داعش والقاعدة الكيانات الإرهابية الأخرى المرتبطة بهما، واشار إلى قدرة "داعش" على الاختباء في أماكن سرية، وحصوله على دعم من مجتمعات محلية. وقدّر التقرير عدد مقاتلي داعش في البلدين بنحو عشرة آلاف شخص غالبيتهم في العراق، ومع ذلك، اعترف التقرير، بإن قدرة التنظيم على شن هجمات، أقل من السابق، بسبب ضغط القوات العراقية. وهنا ايضا دون تحديد التضحيات التي تقدمها القوات العراقية والسورية بمختلف عناوينها العسكرية والأمنية وفعاليتها في التصدي لخطر التنظيم، وتعرضها في مرات متكررة لهجمات ليس من التنظيم وحده، بل ومن مصادر اخرى، لم يعلن، لا المجلس ولا اعضاؤه، مصادرها أو جهاتها أو انواعها، ويكتفى بمجهولية المصدر، أو طائرات بدون طيار دون تحديد مسيريها، أو من هو وراؤها.. 
وقال تقرير مجلس الأمن الدولي إن قدرة داعش على شن هجمات في المناطق التي تشهد "نزاعا"! أكبر منه في المناطق الآمنة. وأوضح التقرير أن هناك ميلا داخل التنظيم في مناطق النزاع، نحو اللامركزية، وزيادة تفويض عمليات اتخاذ القرارات التكتيكية، إلى كل خلية من الخلايا المستقلة في الميدان. وكشف التقرير ان سلسلة جبال حمرين في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين العراقية، ملاذات حدودية آمنة للتنظيم، تضاهيها في سوريا منطقة دير الزور، وإدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام الموالية للقاعدة. وبيّن التقرير أن مقاتلي التنظيم يستغلون صحراء دير الزور لشن هجمات ضد القوات العسكرية السورية، وضد ما سمي بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أيضا.
واكد التقرير هيمنة "هيئة تحرير الشام"، في شمال غرب سوريا، بقوة قوامها عشرة آلاف مسلح. وامتلاكها لموارد كبيرة مصدرها احتكار معاملات الوقود في المنطقة عبر شركة واجهة تدعى "وتد للبترول"، علما أن إيرادات الجماعة من تجارة الوقود والطاقة، وحدها، تدر نحو مليون دولار شهريا. وقد تمكنت "هيئة تحرير الشام"، حسب التقرير، من احتواء تنظيم "حراس الدين"، الفرع الآخر للقاعدة في المنطقة، بسبب ضعفه وفقده لمعظم قياداته في عام 2020. ولم يسأل كتبة التقرير، كيف اصبح هذا التنظيم بهذه القوة وهذه الإمكانيات ومن هي الجهات أو الأطراف التي تستفيد من قوته ودعمه ودوره؟..
ذكر التقرير أيضا وجود كيانات أخرى بإدلب تتكون من إرهابيين أجانب لا يزالون خاضعين لهئية تحرير الشام. ومن أمثلة هذه الجماعات "لواء خطاب الشيشاني"، و"كتيبة التوحيد والجهاد" ( مقاتلون من وسط آسيا)، و"الحزب الإسلامي التركمستاني".
ورغم تاثير جائحة كورونا على أداء الحكومات، وكذلك على قدرة "داعش" للتحرك وشن هجمات كبيرة، الا أنه اقتصر خطره، على إطلاق التهديدات. وحذر التقرير من ترجمة هذه التهديدات إلى هجمات أوسع نطاقا خلال هذا العام 2021، ما لم تواصل عمليات مكافحة الإرهاب ضغطها المستمر عليه.
هذه قراءة مجلس الأمن لعودة التنظيم ولعملياته، ولم يتطرق هنا ايضا إلى أعداد المعتقلين عند تنظيم "قسد" السوري تحت حماية القوات الأمريكية المحتلة لمناطق شمال شرقي سوريا ولا لأعداد الذين ينقلون بطائرات الهيلكوبتر الأمريكية من مناطق سورية إلى أخرى داخل سوريا أو العراق وحتى خارجها. وهذه الارقام والمعلومات تشير إلى التورط في السيرة والمسيرة للتنظيم وأعماله. ولكنهم ينشرون خلاف ذلك ويمارسون دور شاهد الزور والتضليل في المعلومات والأخبار عن مصادر التنظيم وتاسيسه ودعمه وحمايته وتجهيزه وتوجيهه. وتلك جزء من مهمتهم ووظيفتهم بأسماء أخرى أو في صفحات اخرى.
وبالتفصيل، حذر مسؤول مكافحة الارهاب في الامم المتحدة فلاديمير فورنكوف امام مجلس الامن الدولي في نيويورك (2021-02-12) من أن التهديد للسلام العالمي الذي يشكله تنظيم "داعش", يتصاعد مرة أخرى على الرغم من سقوط "خلافة" الارهابيين في كل من العراق وسوريا. وقال فورنكوف إنه على الرغم من الأولويات التي فرضتها جائحة كورونا، فانه من المهم بالنسبة لأعضاء الأمم المتحدة أن يبقوا على تركيزهم ووحدتهم في مواجهة الإرهاب.
واوضح في كلمته عبر الفيديو انه فيما لم يطور "داعش" استراتيجية هادفة لاستغلال الوباء، فإن جهوده لاعادة جمع صفوفه واحياء نشاطاته، اكتسبت المزيد من الزخم. واشار الى "ان التنظيم الارهابي احتفظ بالقدرة على التحرك والعمل بما في ذلك التسلل عبر الحدود الهشة". وحذر فورنكوف من ان نحو 10 الاف مقاتل، غالبيتهم في العراق، يسعون الى اشعال تمرد طال أمده، ما يشكل "تهديدا عالميا رئيسيا وطويل الامد". وتابع "انهم منظمون في خلايا صغيرة يختبئون في الصحراء والمناطق النائية ويتحركون عبر الحدود بين البلدين، وينفذون هجمات".
ولفت المسؤول الاممي الانظار الى "الاوضاع الصعبة للنساء والاطفال المرتبطين ب"داعش" والذين ما زالوا في مخيمات احتجاز كما في مخيم الهول في سوريا، وبينهم نحو ثمانية الاف طفل من 60 دولة بخلاف العراق، مشيرا الى ان 90% منهم، تقل اعمارهم عن 12 سنة". وهذه قنابل موقوتة أو مجهزة للانفجار، مع سباق الزمن وتعقد الظروف المحيطة بهم وتطورات الأوضاع والسياسات المرسومة للمنطقة.

في كل الأحوال خطر التنظيم وصناعته لم تنته بعد، ولن يتوقف تهديده العملي في إطار ما هو مرسوم من مخططات وأسباب لتفتيت المنطقة ونهب ثرواتها وتحطيم إرادتها و تدمير خياراتها الشعبية.

نشر المقال في اذار/ مارس 2021 

 

 

الأحد، 13 أبريل 2025

كم بقي من أعداد "داعش”؟

 أصبح "داعش" عنوانا اعلاميا مختصرا لذلك التنظيم الارهابي، الذي تأسس ونما ودُعم لأهداف لا تمت لما يروج عنه وله. بل لغايات اكبر منه وابعد مدى مما تمكن منه. ونفذ بعضا منها عمليا ومارس سياسات وحشية لتشويه صورة ما نسب إليه إيديولوجيا ومذهبيا وصناعة كراهية مقيتة وحقد ضدي لكل ما ادعاه وانتسب إليه. ومنذ الاعلان هذا انتشرت معه تخمينات وتقديرات وكالات الاستخبارات الدولية، ومراكز دراسات وأبحاث وتقارير إعلامية صحفية. وأبرزها كانت من وكالات الاستخبارات الامريكية، حيث ذكرت أعداد الدواعش، الذين وصلوا ارض "الخلافة"، التي وفرت لها كل الخدمات اللوجستية وفتحت الحدود ونصبت لها غرف معلومات واستطلاعات على الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا والعراق. ومنها نقلت المؤسسات والأجهزة المعلومات والاحصائيات.
بعد عودته للعراق واحتلاله محافظات شمال وغرب العراق، اثر اتمام السيطرة على محافظات شمال وشرق سورية أعلن ابو بكر البغدادي (خريج سجن بوكا الأمريكي في البصرة) دولته وخطب في جامع النوري الكبير، المعروف بمنارته الحدباء، ودمرهما تنظيمه بعد هزيمته في الموصل، التي أعلنها عاصمة لدولته الخرافية. ومنذ تلك الفترة التي توسعت الأراضي التي احتلها والسيطرة عليها قدرت المؤسسات المخابراتية والبحثية اعداد الدواعش، شاملة الاجانب المنقولين ومسلحي الحواضن المحلية. ففي تفاصيل حصيلة الاجانب الذين أُدخلوا الى سوريا والعراق، كالآتي: السعودية: 2500، لبنان: 900، تونس: 3000، المغرب: 1500، الأردن: 1500، ليبيا: 600، مصر: 360، الجزائر: 200، فلسطين: 120، اليمن: 110، السودان: 100، الكويت: 70 ، قطر: 15 ، الإمارات: 15 ، البحرين: 12، فرنسا: 700، بريطانيا: 500، ألمانيا: 400، بلجيكا: 300 ، هولندا: 150، السويد: 100، أسبانيا: 100، الدنمارك: 100، النمسا: 60 ، إيطاليا: 50، النرويج: 50، إيرلندا: 30، فنلندا: 30، سويسرا: 10، روسيا: 800، تركيا: 400، كازاخستان: 150، ألبانيا: 140، كوسوفو: 120، البوسنة: 60، أوكرانيا: 50، باكستان: 330، استراليا: 250، الصين: 100 كندا: 100، الولايات المتحدة: 100، الصومال: 70، إندونيسيا: 60، أفغانستان: 25. حسب رصد معهد بريطاني لمكافحة التطرف، في تقريره الذي أصدره في تشرين الأول/ اكتوبر 2014 ورد عليه معلقون بأن هذه الأرقام يمكن أن تكون مضاعفة على الارض، وهي ارقام مشابهة لتقارير أمنية أخرى.
بينما تضيف وتؤكد مصادر متابعة لصحيفة «الراي» (26  آب/أغسطس 2014 ) ان عدد الملتحقين بالتنظيم بات يفوق الخمسين ألفا بكثير لان عملية الاستقطاب جارية، وفي ارتفاع جدي "فعدد الغربيين يفوق 20 الفا وعدد السوريين المناصرين داخل سورية يفوق 25 الفاً وعدد العراقيين المناصرين داخل العراق يفوق 30 الفاً وكذلك التونسيين والمصريين والمغاربة وهو ما يجعل عدد أفراد «داعش» في العراق وسورية يناهز مئة الف مع التحفظ بسبب زيادة هذا الرقم يوميا".
من جهته أعلن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جون برينان،  في كلمة ألقاها أثناء جلسة للجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، أن مجموع أعداد مسلحي "داعش" في سوريا والعراق يتراوح بين 18 و22 الفا. وفق موقع "روسيا اليوم" (الجمعة 17 حزيران/ يونيو 2016 ) الذي نقل عنه ايضا: "إن هذا الرقم أقل من الرقم الذي حددته الجهات الأميركية المعنية العام الماضي، البالغ 33 ألف مسلح ضمن صفوف (داعش)". وأضاف: "أن عدد مسلحي (داعش) في ليبيا يبلغ 5 - 8 آلاف وفي نيجيريا نحو 7 آلاف، بينما يقدر عددهم في مصر واليمن وأفغانستان وباكستان بالمئات.
كما ظهرت إحصاءات جديدة عن عدد مقاتلي "داعش" وعدد القتلى منهم في ضربات التحالف الغربي.. فحسب الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، ريتشارد باريت، قال ل"سكاي نيوز عربية" (2015/12/09) إنه من الصعب تحديد عدد المسلحين في صفوف "داعش" بدقة، مشيرا إلى أن آخر الإحصائيات حتى حزيران/ يونيو 2013 تشير الأرقام ما بين 27 ألف إلى 37 ألف مقاتل. وأضاف أن أعدادا كبيرة جاءت من دول مختلفة من شمال إفريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ودول شرق أوروبا. وأوضح باريت أن الأشخاص، الذين يلتحقون بتنظيم "داعش" غالبا ما يكونون جاهزين لفعل أي شيء، مشيرا إلى أن القضاء على معقل "داعش" في الرقة يتطلب مواصلة التنسيق بين دول التحالف لدحر التنظيم المتشدد. بينما حدد خبير استخبارات بريطاني عدد المقاتلين الأجانب في "داعش" في سوريا والعراق بلغ31 ألفا.
 ونسبت صحيفة "يو إس آيه توداي"  للمتحدث باسم التحالف الغربي ضد "داعش" أنه قتل العام الماضي (2014) نحو 15 ألف مقاتل من داعش في سوريا والعراق، وأن العدد ارتفع مع قرب نهاية هذا العام ليصل الإجمالي إلى 23 ألفا. وصولا إلى أرقام موازية الى الاعداد المعلنة.
تحت عنوان بسؤال: كم بقي من العمر ل"داعش"؟ أفاد تقرير أعدته مجموعة المحللين Conflict Monitor التابعة لمنظمة الخبراء IHS Markit الدولية (2017/6/29) بأن تنظيم "داعش" الإرهابي سينهار قبل مرور سنة واحدة من الآن. وجاء في التقرير أن تنظيم "داعش" فقد سيطرته على 60% من الأراضي التي كانت تخضع له، على مدى 3 سنوات من تاريخ إعلان إنشاء "دولة الخلافة"، ما يعني أن التنظيم لا يستطيع أن يعيش عامه الرابع. وأوضح التقرير أن "داعش" كان يسيطر في 2015 على 90.8 ألف كيلومتر مربع، بينما، في حزيران/ يونيو 2017، لم يبق تحت سيطرته سوى 36.2 ألف كيلومتر مربع. وتابع التقرير أن القوات السورية، و"قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، إضافة إلى القوات العراقية، تسهم في إضعاف "داعش" الذي من المرجح أن يتفكك قبل انتهاء العام الحالي. وأضاف التقرير أن الأعمال الهادفة إلى وقف قنوات تمويل الإرهابيين أدت إلى انخفاض حجم إيرادات "داعش" بشكل ملحوظ، حيث بلغ حجم إيرادات التنظيم 16 مليون دولار شهريا في 2017، فيما وصل مبلغ الإيرادات في 2015 إلى 81 مليون دولار في شهر واحد.
وذكر التقرير أن إيرادات "داعش" النفطية انخفضت بنسبة 88%، والضريبية بـ79% بالمقارنة مع العام 2015. وأوضح التقرير أن فقدان السيطرة على الأراضي السورية الغنية بالنفط (الرقة، وحمص)، ومدينة الموصل العراقية أسفر عن تقليص إيرادات "داعش".
 كما يبدو... ثمة اختلافات في التقديرات ولكن الوضوح في التآكل في قدرات التنظيم البشرية والمادية ملموس، وفي حساب الحصيلة بين الاستقطاب والتجميع والقتلى من اعداده يتبين التراجع الكبير في الأرقام المعلنة، وتبقى تلك التي يحتفظ بها صانعوه مخفية ليوم ما. وفي كل الاحوال، انتهت قدرات "داعش" عسكريا في العراق وسورية، اي تتلاشى أعداد مسلحيه، وما يبقى له فعليا هم من مناصريه، الذين يقتضي الإنتباه منهم والعمل عليهم ستراتيجيا للخلاص من ارتباطهم ومن خطط الارهاب ووقف دور صانعيه معهم.
1

2
3
نشر المقال في تشرين اول/ أكتوبر 2017

الخميس، 10 أبريل 2025

في وداع الرفيق اللواء داوود مراغة، ابو أحمد فؤاد

رحل الرفيق ابو احمد فؤاد قبل اسابيع ولكنه مازال بيننا اسما وشهادة وقيمة ومقاما ومواقفا، وهي كل ما يتبقى للانسانفالرحيل قائم والفقد مستمر، ليس بايدينا هذه سنة الحياة وديدنها، كل امرء وله يومه، مبكرا او متاخرا.

شكرا لكم على الاحتفاء بأربعينية الرفيق القائد، اللواء داوود مراغة، وفاء واثباتا لدور ومكانة واسم الراحل، المناضل الكبيربالتاكيد الرحيل خسارة، والفقدان قاس، فما كان لم يعد وهو ما يجعل هذا الاحتفاء ليس تذكيرا وحسب وانما تعبيرا عن تقدير واعتزاز وشهادةًَ من الذين عاشوا تلك السنوات ومارسوا مهامها وتحملوا همومها وعرفوا الفقيد المحترم عن قرب او بالتذاكر مع من خاض النضال والكفاح والتضحية والصدق والأمانة والاخلاص معه، في معتركات الكفاح الوطني، في البناء السياسي والعسكري، الذي عرف بهوهذه كلها صفات قلما تتوفر في صور الحياة الا عند شخصيات تفرض وجودها وتبقي اسمها مؤشرا واعلاما عن قدراتها وعن دورها في مسيرة تاريخية عن القضية الجامعة، قضية فلسطين، وما عاشته وتطلبت، في الصمود والمقاومة والتضحيات، والتي ظلت هاجسه وامتحانه وخبراته وصورته التي ترتسم امامنا ونحن نتذكره.

هو ابن القضية، ولد في عاصمتها، القدس، وحمل جراحها كل عمره في ساحات الكفاح والنضال الوطني والقومي، وهو رافع راية القضية التي عرفته وعرفها، فضلا عن كونها القضية المركزية للامة التي حملتها خلال المراحل التاريخية من سرديتها الفلسطينية، العربية، الانسانية، منذ بداياتها  وحتى يومنا هذاوللراحل الكبير حصته في صفحات تاريخها وتجاربها ومنعطفاتها وتحولاتها، وكان بارزا فيها، شهدت له المواقع التنظيمية، السياسية والعسكرية، التي كلف بها او اختير لها، في اغلب مقراتها الجغرافية المحيطة بارضها، فلسطين، وظلت شهادة له نتحدث عنها الان بتفاصيل مضيئة، ونعلقها له في قلوب المحبين والصابرين.

من اللقطات الباقية بيننا، اخر لقاء معه، كنت في اخر زيارة للشام، مطلع العام الماضي، وقد جُمعنا في لمة رفاقية في مطعم دمشقي وسط المدينة بدعوة من الرفيق المناضل الدكتور ماهر الطاهر وبحضوره والرفاق المناضلين ابو علي حسن وابو نضال الرفاعي وابنه احمد، وباجواء ومناخ متميز فتح شهية الذكريات وصفحات ايام النضال الفلسطيني والعروبي وظروفه المعقدة او المشتبكة في محنة العرب وسياسات الحكومات العربية وضغوط الامبريالية ودولها وجرائمها المعروفة وما قابلها من البطولات في التصدي لها ودحرها في اكثر من مشهد ومكان وزمانوكشف الحوار حرص الرفيق على العلاقات الوطنية والقومية والاممية واهمية التطورات المتواصلة على مختلف الصعد السياسية والفكرية والعسكرية وضرورة متابعتها والاثراء منها، شخصيا وحزبيا، حاضرا ومستقبلا.

كما لابد من الاشارة الى متابعاتي لظهوره الاعلامي في فضائيات تستضيفه ويعبر فيها عن رؤاه الفكرية وموقف الجبهة الشعبية التي افنى عمره في مسيرتها النضالية من اجل تحرير فلسطين والعودة الى الديار، الحلم الفلسطيني.

رحل القائد الكبير ونحتفي اليوم بتذكره والاستشهاد بدوره ومكانه في الحركة التحررية وبيننا، وسنظل نتذكره وننتظر يوم الانتصار لنرفع اسمه وصورته في الحفل المنتظر.

الثوريون لا يموتون، الرحمة والذكر الدائم لروحه واسمه وعزاؤنا مشترك 

والسلام عليكم 

* مشاركة في مجلس التابين الذي اقامته جمعية الشتات الفلسطيني في السويد وتجمع عائدون يوم الجمعة 2025/02/28

الأربعاء، 9 أبريل 2025

ايرلندا وفلسطين: مواقف وتأريخ سياسي مشترك

تتميز ايرلندا في مواقفها المعلنة رسميا من فلسطين، قضية وشعب، بالمشترك او المتشابه من تأريخها السياسي وتجربتها النضالية، مقارنة مع المواقف السياسية للبلدان الاخرى، اوروبيا او دوليا. وهي ما تتطور مع تطورات الاحداث والتحولات السياسية، وتلفت الانتباه باستمرارها وتصاعدها في داخل البلاد وخارجها، في المحافل والمؤسسات والمؤتمرات الوطنية والدولية. واحيانا تتموج مع الضغوط والممارسات الخارجية ولكنها تاخذ في دعم القضية الفلسطينية، عموما، شكلا غير مسبوق، متصاعدا في سياق مسار تاريخي، برزت فيه هذه الجمهورية الإيرلندية، كواحدة من أكثر الدول الأوروبية، في دعم القضية الفلسطينية، خلال محطات ومواقف حاسمة تتجاوز في كثير من الأحيان سقف التضامن والدعم لدى بعض الدول العربية والاسلامية، وخاصة في الادانة الصريحة والتنديد المستمر بالاحتلال الاستيطاني وممارساته النازفاشية (النازي- الفاشي).

في الواقع يرى الايرلنديون كثيرا من التشابه السياسي والتاريخي بين القضية الفلسطينية وقضيتهم الإيرلندية، من حيث الاحتلال ودولة الاحتلال في مراحل تأريخية، حيث تعتبر جمهورية ايرلندا منذ اواسط الاربعينات من القرن الماضي وقبل اعلان قيام الكيان إلاسرائيلي، تعتبره كيانا تابعا للاستعمار او قاعدة متقدمة له من اجل السيطرة على الدول العربية، شرق الوطن العربي وغربه، كما يعتبرون ايرلندا الشمالية، الجزء المنقسم من بلادهم وشعبهم، محتلا من قبل المملكة المتحدة. حيث أنشأت بريطانيا فيه دولة سميت إيرلندا الشمالية، وبهذه الطريقة احتفظت الإمبراطورية البريطانية حينها بجزء من إيرلندا بعد انسحابها من الجزء الجنوبي. وتم وضع التاج البريطاني على علم إيرلندا الشمالية، الذي يعتبر رمزاً للاستعمار البريطاني بنظر الإيرلنديين، حيث فرض البريطانيون دولة إيرلندا الشماليةالواقعة في منطقة آلسترعلى جزء من أرضهم. وبناءً على هذا المخطط الاستعماري، تُعتبر إيرلندا الشمالية بنظر الشعب الإيرلندي مستعمرة بريطانية وكيانا غير شرعي تم إنشاؤه على جزءٍ من جزيرتهم، او احتلالا لجزء من ارضهم وشعبهم. وبناء عليه يشبهون ذلك بما حصل مع فلسطين والشعب الفلسطيني.

عمليا لم تعترف جمهورية إيرلندا في قيام الكيان إلاسرائيلي الا بعد خمس عشرة سنة، خلاف غيرها من الدول الاوربية والآسيوية، واعترفت بنكبة الشعب الفلسطيني، وجعلت قضية اللاجئين الفلسطينيين قضيتها، لاسيما بعد نكسة 1967، بل ودافعت عن حق العودة وطالبت بتعويض كامل للاجئين الفلسطينيين، مما لم تقم اية دولة اوروبية أو اسيوية، خصوصا وغيرها عموما بمثل هذه المواقف والسياسات الصريحة والحاسمة. وتوضحت اكثر بعد عضويتها للاتحاد الاوروبي، وقيام ممثليها فيه بدور كبير في المطالبة باقامة دولة فلسطينية، والاهتمام بهذا الملف كما صرح مسؤولوها الرسميون، ونوابها، بابعاده الاخلاقية والانسانية وحقوق الانسان والشعوب ومعاداة الإمبريالية والاحتلال والاستيطان الاستعماري.

برز تميز جمهورية ايرلندا بعد طوفان الأقصى، بعد السابع من تشرين الاول/ اكتوبر 2023، بشكل اكبر، اخلاقيا وانسانيا، رسميا وشعبيا، ايضا، عن بقية الدول الغربية والشرقية، واعلنت ان ما تقوم به آلة الحرب العدوانية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة خصوصا  بجرائم حرب وضد الانسانية والقانون الدولي. ولابد من وقفها ومحاصرة الكيان وعزله في تحركات سياسية ومواقف شجاعة في ادانتها وتصعيد دعم القضية الفلسطينية، منطلقا من تجارب تاريخية لها في مواجهة الاستعمار البريطاني والاستيطان والممارسات الاستبدادية للمستعمرين. فلم يهدا الشارع الايرلندي من التظاهر والاحتجاج ورفع شعارات الحرية لفلسطين وادانة سياسات النازفاشية ضد الشعب الفلسطيني.

اضافت الى المواقف الإيرلندية، الرسمية والدبلوماسية، مشاركات قطاعات شعبية مؤثرة اجتماعيا وشعبيا، منظمات أهلية حقوقية ومهنية، بمواقف وحراكات لها معانيها ودلالاتها، كاتحاد الكتاب، الذين بادروا في رسالة مفتوحة بتوقيع المئات منهم بعد اسبوع من العدوان النازفاشي على غزة، دعت الرسالة الى "وقف فوري لإطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية دون عوائق". واعتبر الموقعون أن القصف الإسرائيلي هو "انتهاك للقانون الدولي واعتداء على حُرمة الحياة البشرية"، معبرة الرسالة في إدانة واضحة للعدوان الوحشي غير المسبوق ولمن يوفر له من دعم غربي كبير ضد أكثر من مليوني فلسطيني عزل يعيشون في قطاع غزة، المحاصر من جميع الاتجاهات والمستويات.

من جهتها أعلنت "حملة التضامن الأيرلندية - الفلسطينية" (IPSC) في  أيار/ مايو من العام الماضي عن توقيع ألف وخمسمئة فنان أيرلندي على تعهُّد بمقاطعة كيان "إسرائيل"، منهم أسماء بارزة، مثل ريموند دين، وسينياد كوزاك، ودونال لوني، وأندي إيرفين، وماري بلاك، وغيرهم. ورأت رئيسة الحملة، زوي لولور، أن التعهد يلعب دوراً رئيسياً في لحظة "يعيش فيها الشعب الفلسطيني عامه الخامس والسبعين من السلب والتطهير العرقي والفصل العنصري والنفي القسري والتهجير الجماعي، وتفشل الحكومات الغربية في فرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي". ومن اهداف هذا العمل ايضا التحريض ايضا لجمعيات ونقابات العاملين في كل القطاعات الابداعية والمهنية، وليس في الجمهورية وحدها. وأطلقت منظمات أيرلندية حملات مكثفة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول معاناة الفلسطينيين. كما استخدمت هذه الحملات صوراً وتقارير توثق جرائم الحرب الإسرائيلية الوحشية في غزة. وطالبت بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب ووقف العدوان النازفاشي فورا، وادانت الدعم الكبير للدول الغربية للعدوان والفصل العنصري والابادة الجماعية والتدمير الشامل للعمران والمؤسسات التعليمية والدينية والبنى التحتية عموما.

لعبت النائبة الأيرلندية في البرلمان الأوروبي كلير دالي دورا جريئا في مواجهات صريحة في البرلمان الأوروبي والشارع الاوروبي ايضا، في وصفها العلني للكيان، بالقاعدة الاستعمارية، "إن إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين"، مشيرة الى أن العالم بدأ يدرك هذه الحقيقة بشكل متزايد بعد أكثر من عام من الإبادة الجماعية في غزة. وهذا موقفها المتواصل في خطبها المشاركة في قاعة البرلمان او في الاعلام الايرلندي والاوروبي، على السواء، واكدته في حديثها مع برنامج "المقابلة"، في قناة إخبارية ناطقة بالعربية إذ كشفت عن تفاصيل دقيقة بشأن تواطؤ الاتحاد الأوروبي وحكوماته - بما في ذلك حكومة بلادها- في تمكين جرائم الاحتلال الإسرائيلي. واعادت دالي الى الذاكرة واقع ارتباط الأيرلنديين بالقضية الفلسطينية، وانه "ليس مصادفة"، بل هو نتاج تجربة تاريخية مع الاستعمار البريطاني الذي لا يزال يترك بصماته على أيرلندا. وأوضحت قائلة "نعرف معنى أن تُحرم من حقوقك، وأن تُقتل عائلتك أمام عينيك، لهذا ننحاز إلى الفلسطينيين بفطرتنا"، مستذكرة مشاركتها في عشرات الحملات لنقل جرائم الاحتلال ومجازره إلى الرأي العام الأوروبي. ولم تكتف بذلك بل وهاجمت حكومتها، أيرلندا، لعدم ترجمة هذا الدعم الشعبي الواسع إلى سياسات ملموسة، واصفة مواقفها بـ"الهزيلة" و"المنافقة". واكدت دالي، كما قام العديد من النشطاء الايرلنديين مثلها، على أن "إسرائيل ليست سوى مختبر للأسلحة التي ستشعل حروبا مستقبلية في مناطق أخرى"، محذرة هي من أن الصمت الدولي يشجع الاحتلال على التوسع في جرائمهوأدانت دالي ما وصفتها بـ"الإبادة الجماعية"، موجهة رسالة إلى الشعب الفلسطيني "أنتم لستم وحدكم، الملايين في أوروبا يصرخون غضبا، وسيستمرون حتى تحريركم". كما دعت الحكومات الأوروبية إلى تحمّل مسؤولياتها بوقف التمويل العسكري لكيان "إسرائيل" وفرض عقوبات حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري، والابادة الجماعية، مؤكدة أن "الدعم الشعبي سيتحول قريبا إلى قوة سياسية تجبر الحكومات على تغيير سياساتها".

وليس اخيرا ترحيب الايرلنديين باغلاق سفارة الكيان إلاسرائيلي بعاصمتهم دبلن وتحويلها الى متحف فلسطيني، يرفع علم فلسطين، ويروي السردية الفلسطينية. وكذلك انضمام جمهورية ايرلندا الى جنوب افريقيا في طلبها محاكمة الكيان لقيامه بالابادة الجماعية والتطهير العرقي. واعترافها الرسمي بدولة فلسطين.

كل ما قامت به جمهورية ايرلندا، وقدمته رسميا وشعبيا، تجاه فلسطين، شعبا وقضية، درسا تاريخيا، اخلاقيا وانسانيا واختبارا للضمير والكرامة الانسانيين.. 


الأحد، 6 أبريل 2025

رسالة ترامب إلى ايران: تهديد سياسي ام عسكري!

أثارت رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القيادة الإيرانية، والموجهة باسم قائد الثورة السيد علي خامنئي لغطاً واسعاً في وسائل الإعلام وخاصة الناطقة بالعربية، أو التي تأسست أساساً لشن حروب الإعلام على الجمهورية الإسلامية في إيران. ومنذ وصول رسالة ترامب واستلامها في طهران عبر طرف عربي، هو هذه المرة، الجار ل إيران في الساحل المقابل من الخليج، دولة الإمارات العربية، والتي سربت أجزاء منها، أو الأصح فبرك منها ما يراد أو يتفق مع كل إعلان خبري من مصادر مكلفة بواجبها، لا تذكر لوسائل الإعلام إلا ما هو مطلوب منها، دون تأكيد من المرسل أو المستلم لتلك الرسالة. وكان ترامب أول المتحدثين عن رسالته قبل أيام من وصولها إلى إيران. حيث صرح في مقابلة تلفزيونية مساء (2025/3/7)، بأنه كتب رسالة إلى "المرشد الإيراني علي خامنئي في محاولة لإطلاق محادثات بشأن البرنامج النووي لإيران". ولم يصدر عن الجانب الإيراني أي خبر عنها.

لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بلقائي صرح يوم (2025/3/17) عن استلام رسالة ترامب ولا نية لنشر فحواها، وما يتم تداوله ليس دقيقاً، لافتاً إلى أن " الولايات المتحدة لم تكن وفية لالتزاماتها". وأضاف أن محتوى رسالة ترامب لإيران مماثل لتصريحاتها العلنية، وأن الرسائل التي نتلقاها من أمريكا متناقضة.

أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فرأى أن الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي هي “أقرب إلى تهديد”، وأن طهران ستردّ عليها خلال فترة قريبة. وقال عراقجي في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن الرسالة تزعم توفير “فرص”، لكنها كانت “أقرب إلى تهديد”، مشيراً إلى أن إيران تقوم حالياً بدراستها وستردّ عليها “خلال الأيام المقبلة”.

وصف القائد خامنئي دعوة ترامب للتفاوض بأنها خداع للرأي العام، قائلاً إذا أردنا إنتاج سلاح نووي "فلن تتمكن واشنطن من إيقافه، ونحن أنفسنا لا نريد أن نفعل ذلك". وذكر: "إن قول الرئيس الأميركي إننا مستعدون للتفاوض مع إيران ودعوته للمفاوضات هو خداع للرأي العام العالمي". وأبرز: "التفاوض مع الحكومة الأميركية الحالية لن يؤدي إلى رفع العقوبات بل سيجعل عقدة العقوبات أكثر تعقيداً". وأكد: "إيران لا تسعى للحرب، ولكن إذا أقدم الأميركيون وعملاؤهم على خطوة خاطئة، فإن إجراءات إيران المضادة ستكون حاسمة ومؤكدة، والخاسر الأكبر هو أمريكا".

واضح أن محتوى هذه الرسالة، وما أحاطه من فبركات الإعلام وتضليله، لم يكن جديداً، في الإستراتيجية التي اختارها ترامب منذ عهده الأول، وما إن أعلن عن فوزه في الفترة الثانية ودخوله البيت الأبيض لعهد جديد ظهرت أسئلة كثيرة حول الموقف من إيران، ودورها في منطقتها، وما قام به عملياً، من تنفيذه لخطط عدوانية صريحة، كشفت عنها مصادر مطلعة، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إنه ينوي فرض عقوبات أكبر على إيران وخنق صادراتها النفطية، ضمن "إستراتيجية تهدف إلى تقويض برنامجها النووي ودعمها لوكلاء لها في الشرق الأوسط" (!). وأضافت المصادر أن الفريق الجديد الذي شكله ترامب للتعامل مع ملف إيران، "سيتحرك سريعاً لاستهداف صادرات النفط الإيرانية، عبر وسائل من بينها ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون مع نفط طهران". أي بمعنى إحياء الإستراتيجية التي تبناها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي تعتمد على سياسة أطلق عليها اسم "سياسة الضغوط الأقصى" على إيران. وموقفه المعارض من المعاهدة التي تمت وصادق عليها مجلس الأمن الدولي وانسحب منها، إضافة إلى ارتكاباته المخططة من جرائم اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وقيادات عسكرية وسياسية أخرى، وما يشبهها من جرائم حرب ومجازر إبادة، إلى مواقفه من ممارسات وحشية، توصم ترامب وعهده الثاني، بشكل صارخ.

ومنذ دخوله البيت الأبيض مرة ثانية اهتم علناً وسراً بما سمي بإستراتيجية ترامب تجاه إيران، التي أكدت على أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تجبر طهران على الخضوع، إذ تسببت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، في أضرار اقتصادية شديدة في إيران، مما أدى إلى خفض صادراتها النفطية إلى جزء بسيط من مستوياتها التي كانت عليها ما قبل العقوبات، وارتفعت معدلات التضخم، ومعدلات البطالة، وتراجع الاستثمار الأجنبي وتصاعدت الضغوط السياسية والاقتصادية بشكل عدواني سافر. واعترف الأعداء لإيران قبل غيرهم ومن بينهم الإدارة الأمريكية ومستشارو ترامب، على الرغم من هذه التأثيرات الاقتصادية، في مقاومة إيران وعدم تقديم تنازلات كبيرة، وبدلاً من ذلك، ضاعفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وسعت إلى أساليب جديدة للتهرب من العقوبات، وواصلت دعمها لكل القوى المناضلة من أجل تحررها والتصدي لسياسات الإمبريالية الأمريكية في الاحتلال والاستغلال والحروب والدمار، وتطوير إمكاناتها الرادعة وتحالفاتها مع الدول الأخرى، مثل الصين والاتحاد الروسي وكوريا الشمالية، وأعضاء مجموعات شنغهاي والبريكس ودول أخرى من أمريكا الجنوبية وأفريقيا، فضلاً عن الاتفاقيات الأمنية وحسن الجوار مع محيطها الجغرافي.

هناك إشارات سابقة تشير إلى تركيز ترامب على الملف الإيراني، حتى قبل أن يتسلم السلطة رسمياً، منها مثلاً، إرساله الملياردير إيلون ماسك، الذي اختاره لوزارة سميت بـ "الكفاءة الحكومية" ضمن إدارته الثانية، للقاء سفير الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة في نيويورك أمير سعيد إيرواني، وكذلك اختياره لأشخاص معادين لإيران في مواقفهم وتصريحاتهم المعلنة. مثل السناتور ماركو روبيو، الذي اختاره وزيراً للخارجية، وهو يؤيد اتباع سياسة خارجية صارمة ضد إيران، كذلك مايك والتز، الذي أصبح مستشاره للأمن القومي، وكان قد دعا إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد إيران. مما يعني أن الملف الإيراني كان قائماً وبارزاً على طاولة رئاسة ترامب في البيت الأبيض، وكذلك المواقف الرسمية المخططة سلفاً والسعي لتنفيذها لاحقاً، أو ما يمكن أن يحصل في العلاقات الأمريكية الإيرانية والمنطقة التي تقع إيران فيها.

 

قبل أن ينشر خبر الرسالة الجوابية للقيادة الإيرانية على رسالة ترامب، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مسبقاً ومبكراً (5/2/2025) أن سياسة "الضغوط القصوى" التي أعاد الرئيس الأميركي ترامب فرضها ضد إيران ستنتهي بالفشل كما حدث خلال ولايته الأولى. وقال عراقجي عقب اجتماع للحكومة: "الضغوط القصوى تجربة فاشلة، وتجربتها مرة أخرى لن تؤدي إلا إلى فشل آخر"، مشدداً على أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية. وبالتأكيد لا تتضمن الرسالة التي ستكون رداً إيرانياً ما هو أبعد عن الموقف الإيراني الواضح من سياسات الولايات المتحدة وما نقل من تصريحات قائد الجمهورية الإسلامية في إيران ورئيس الجمهورية مسعود بزشكيان في خطابه في عيد النوروز، رأس السنة الجديدة في إيران، وصولاً إلى تصريحات وزير الخارجية عراقجي والناطقين الرسميين باسم السلطات والوزارات المعنية بالأمر، قبل وبعد رسالة ترامب.

سياسيات ترامب وإدارته ضد إيران وتسميتها بالضغوط القصوى، تستهدف تجريد إيران من قوتها العسكرية والاقتصادية من خلال فرض مزيد من العقوبات، التي تعمل على حرمان إيران من الأسلحة النووية والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف دعمها لمحور المقاومة والدول المساندة للمقاومة الإسلامية ضد الاحتلال والغزو والاضطهاد والاستيطان والتهجير والإبادة الجماعية. وكان قد وقع ترامب على مذكرة بهذا الخصوص، جاء في المذكرة أن "سلوك إيران يهدد المصلحة الوطنية للولايات المتحدة"، وأن من الضروري فرض أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني لإنهاء تهديده النووي وكبح أنشطته الإقليمية (!).

أضاف ترامب إلى المذكرة السابقة تصريحات أخرى قد تفهم متناقضة معها، إلا أن سياسات ترامب وتصريحاته تتطابق مع ممارسات غامضة الأهداف والنوايا فقد صرح بعد المذكرة وقبل الرسالة، بأنه يأمل التوصل إلى اتفاق نووي جديد "لتجنب وضع كارثي للغاية"، مشيراً إلى استعداده للتفاوض مع القيادة الإيرانية. وهذا التناقض قد يفسر محتوى الرسالة ومضمونها الذي يجمع بين التهديد بالدمار والدعوة إلى التفاوض. كما أشير أيضاً إلى تحديد مدة زمنية بحدود الشهرين للوصول إلى النهايات المخطط لها، سلماً أو حرباً، سياسياً أو عسكرياً.

إزاء كل ما ذكر، أكدت المتحدثة باسم الإدارة الرئاسية الإيرانية فاطمة مهاجراني أن السياسة الخارجية الإيرانية تقوم على ثلاثة مبادئ، وهي "الكرامة والحكمة والنفعية"، مشددة على أن جميع القضايا -بما فيها العلاقات الدولية- تدار وفق هذه المبادئ. كذلك، أفاد مسؤول إيراني كبير لوكالة رويترز أن طهران مستعدة لمنح الولايات المتحدة فرصة لحل الخلافات بين البلدين. وأوضح المسؤول أن طهران ترفض "أي تهجير لسكان غزة"، مشيراً إلى أن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة قضية منفصلة. وأضاف أن طهران تتوقع من واشنطن "كبح جماح إسرائيل" إذا كانت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

رسالة ترامب إلى القيادة الإيرانية، جوهرها وهدفها وأسلوبها، لا تخرج من أبعاد سياسة ترامب تجاه إيران ولا تبتعد عن تحجيم دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة واستغلال ما آلت إليها ظروفها حالياً، وإضعاف المحور المقاوم لسياسات الإمبريالية والرأسمالية الغربية التي تتوحش في وطننا العربي والإسلامي معاً

نشر في مجلة الهدف العدد (69) (1543)شهر اذار/مارس 2025.