الأحد، 6 أبريل 2025

رسالة ترامب إلى ايران: تهديد سياسي ام عسكري!

أثارت رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى القيادة الإيرانية، والموجهة باسم قائد الثورة السيد علي خامنئي لغطاً واسعاً في وسائل الإعلام وخاصة الناطقة بالعربية، أو التي تأسست أساساً لشن حروب الإعلام على الجمهورية الإسلامية في إيران. ومنذ وصول رسالة ترامب واستلامها في طهران عبر طرف عربي، هو هذه المرة، الجار ل إيران في الساحل المقابل من الخليج، دولة الإمارات العربية، والتي سربت أجزاء منها، أو الأصح فبرك منها ما يراد أو يتفق مع كل إعلان خبري من مصادر مكلفة بواجبها، لا تذكر لوسائل الإعلام إلا ما هو مطلوب منها، دون تأكيد من المرسل أو المستلم لتلك الرسالة. وكان ترامب أول المتحدثين عن رسالته قبل أيام من وصولها إلى إيران. حيث صرح في مقابلة تلفزيونية مساء (2025/3/7)، بأنه كتب رسالة إلى "المرشد الإيراني علي خامنئي في محاولة لإطلاق محادثات بشأن البرنامج النووي لإيران". ولم يصدر عن الجانب الإيراني أي خبر عنها.

لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بلقائي صرح يوم (2025/3/17) عن استلام رسالة ترامب ولا نية لنشر فحواها، وما يتم تداوله ليس دقيقاً، لافتاً إلى أن " الولايات المتحدة لم تكن وفية لالتزاماتها". وأضاف أن محتوى رسالة ترامب لإيران مماثل لتصريحاتها العلنية، وأن الرسائل التي نتلقاها من أمريكا متناقضة.

أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فرأى أن الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي هي “أقرب إلى تهديد”، وأن طهران ستردّ عليها خلال فترة قريبة. وقال عراقجي في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن الرسالة تزعم توفير “فرص”، لكنها كانت “أقرب إلى تهديد”، مشيراً إلى أن إيران تقوم حالياً بدراستها وستردّ عليها “خلال الأيام المقبلة”.

وصف القائد خامنئي دعوة ترامب للتفاوض بأنها خداع للرأي العام، قائلاً إذا أردنا إنتاج سلاح نووي "فلن تتمكن واشنطن من إيقافه، ونحن أنفسنا لا نريد أن نفعل ذلك". وذكر: "إن قول الرئيس الأميركي إننا مستعدون للتفاوض مع إيران ودعوته للمفاوضات هو خداع للرأي العام العالمي". وأبرز: "التفاوض مع الحكومة الأميركية الحالية لن يؤدي إلى رفع العقوبات بل سيجعل عقدة العقوبات أكثر تعقيداً". وأكد: "إيران لا تسعى للحرب، ولكن إذا أقدم الأميركيون وعملاؤهم على خطوة خاطئة، فإن إجراءات إيران المضادة ستكون حاسمة ومؤكدة، والخاسر الأكبر هو أمريكا".

واضح أن محتوى هذه الرسالة، وما أحاطه من فبركات الإعلام وتضليله، لم يكن جديداً، في الإستراتيجية التي اختارها ترامب منذ عهده الأول، وما إن أعلن عن فوزه في الفترة الثانية ودخوله البيت الأبيض لعهد جديد ظهرت أسئلة كثيرة حول الموقف من إيران، ودورها في منطقتها، وما قام به عملياً، من تنفيذه لخطط عدوانية صريحة، كشفت عنها مصادر مطلعة، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إنه ينوي فرض عقوبات أكبر على إيران وخنق صادراتها النفطية، ضمن "إستراتيجية تهدف إلى تقويض برنامجها النووي ودعمها لوكلاء لها في الشرق الأوسط" (!). وأضافت المصادر أن الفريق الجديد الذي شكله ترامب للتعامل مع ملف إيران، "سيتحرك سريعاً لاستهداف صادرات النفط الإيرانية، عبر وسائل من بينها ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون مع نفط طهران". أي بمعنى إحياء الإستراتيجية التي تبناها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي تعتمد على سياسة أطلق عليها اسم "سياسة الضغوط الأقصى" على إيران. وموقفه المعارض من المعاهدة التي تمت وصادق عليها مجلس الأمن الدولي وانسحب منها، إضافة إلى ارتكاباته المخططة من جرائم اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وقيادات عسكرية وسياسية أخرى، وما يشبهها من جرائم حرب ومجازر إبادة، إلى مواقفه من ممارسات وحشية، توصم ترامب وعهده الثاني، بشكل صارخ.

ومنذ دخوله البيت الأبيض مرة ثانية اهتم علناً وسراً بما سمي بإستراتيجية ترامب تجاه إيران، التي أكدت على أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تجبر طهران على الخضوع، إذ تسببت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، في أضرار اقتصادية شديدة في إيران، مما أدى إلى خفض صادراتها النفطية إلى جزء بسيط من مستوياتها التي كانت عليها ما قبل العقوبات، وارتفعت معدلات التضخم، ومعدلات البطالة، وتراجع الاستثمار الأجنبي وتصاعدت الضغوط السياسية والاقتصادية بشكل عدواني سافر. واعترف الأعداء لإيران قبل غيرهم ومن بينهم الإدارة الأمريكية ومستشارو ترامب، على الرغم من هذه التأثيرات الاقتصادية، في مقاومة إيران وعدم تقديم تنازلات كبيرة، وبدلاً من ذلك، ضاعفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وسعت إلى أساليب جديدة للتهرب من العقوبات، وواصلت دعمها لكل القوى المناضلة من أجل تحررها والتصدي لسياسات الإمبريالية الأمريكية في الاحتلال والاستغلال والحروب والدمار، وتطوير إمكاناتها الرادعة وتحالفاتها مع الدول الأخرى، مثل الصين والاتحاد الروسي وكوريا الشمالية، وأعضاء مجموعات شنغهاي والبريكس ودول أخرى من أمريكا الجنوبية وأفريقيا، فضلاً عن الاتفاقيات الأمنية وحسن الجوار مع محيطها الجغرافي.

هناك إشارات سابقة تشير إلى تركيز ترامب على الملف الإيراني، حتى قبل أن يتسلم السلطة رسمياً، منها مثلاً، إرساله الملياردير إيلون ماسك، الذي اختاره لوزارة سميت بـ "الكفاءة الحكومية" ضمن إدارته الثانية، للقاء سفير الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة في نيويورك أمير سعيد إيرواني، وكذلك اختياره لأشخاص معادين لإيران في مواقفهم وتصريحاتهم المعلنة. مثل السناتور ماركو روبيو، الذي اختاره وزيراً للخارجية، وهو يؤيد اتباع سياسة خارجية صارمة ضد إيران، كذلك مايك والتز، الذي أصبح مستشاره للأمن القومي، وكان قد دعا إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد إيران. مما يعني أن الملف الإيراني كان قائماً وبارزاً على طاولة رئاسة ترامب في البيت الأبيض، وكذلك المواقف الرسمية المخططة سلفاً والسعي لتنفيذها لاحقاً، أو ما يمكن أن يحصل في العلاقات الأمريكية الإيرانية والمنطقة التي تقع إيران فيها.

 

قبل أن ينشر خبر الرسالة الجوابية للقيادة الإيرانية على رسالة ترامب، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مسبقاً ومبكراً (5/2/2025) أن سياسة "الضغوط القصوى" التي أعاد الرئيس الأميركي ترامب فرضها ضد إيران ستنتهي بالفشل كما حدث خلال ولايته الأولى. وقال عراقجي عقب اجتماع للحكومة: "الضغوط القصوى تجربة فاشلة، وتجربتها مرة أخرى لن تؤدي إلا إلى فشل آخر"، مشدداً على أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية. وبالتأكيد لا تتضمن الرسالة التي ستكون رداً إيرانياً ما هو أبعد عن الموقف الإيراني الواضح من سياسات الولايات المتحدة وما نقل من تصريحات قائد الجمهورية الإسلامية في إيران ورئيس الجمهورية مسعود بزشكيان في خطابه في عيد النوروز، رأس السنة الجديدة في إيران، وصولاً إلى تصريحات وزير الخارجية عراقجي والناطقين الرسميين باسم السلطات والوزارات المعنية بالأمر، قبل وبعد رسالة ترامب.

سياسيات ترامب وإدارته ضد إيران وتسميتها بالضغوط القصوى، تستهدف تجريد إيران من قوتها العسكرية والاقتصادية من خلال فرض مزيد من العقوبات، التي تعمل على حرمان إيران من الأسلحة النووية والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف دعمها لمحور المقاومة والدول المساندة للمقاومة الإسلامية ضد الاحتلال والغزو والاضطهاد والاستيطان والتهجير والإبادة الجماعية. وكان قد وقع ترامب على مذكرة بهذا الخصوص، جاء في المذكرة أن "سلوك إيران يهدد المصلحة الوطنية للولايات المتحدة"، وأن من الضروري فرض أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني لإنهاء تهديده النووي وكبح أنشطته الإقليمية (!).

أضاف ترامب إلى المذكرة السابقة تصريحات أخرى قد تفهم متناقضة معها، إلا أن سياسات ترامب وتصريحاته تتطابق مع ممارسات غامضة الأهداف والنوايا فقد صرح بعد المذكرة وقبل الرسالة، بأنه يأمل التوصل إلى اتفاق نووي جديد "لتجنب وضع كارثي للغاية"، مشيراً إلى استعداده للتفاوض مع القيادة الإيرانية. وهذا التناقض قد يفسر محتوى الرسالة ومضمونها الذي يجمع بين التهديد بالدمار والدعوة إلى التفاوض. كما أشير أيضاً إلى تحديد مدة زمنية بحدود الشهرين للوصول إلى النهايات المخطط لها، سلماً أو حرباً، سياسياً أو عسكرياً.

إزاء كل ما ذكر، أكدت المتحدثة باسم الإدارة الرئاسية الإيرانية فاطمة مهاجراني أن السياسة الخارجية الإيرانية تقوم على ثلاثة مبادئ، وهي "الكرامة والحكمة والنفعية"، مشددة على أن جميع القضايا -بما فيها العلاقات الدولية- تدار وفق هذه المبادئ. كذلك، أفاد مسؤول إيراني كبير لوكالة رويترز أن طهران مستعدة لمنح الولايات المتحدة فرصة لحل الخلافات بين البلدين. وأوضح المسؤول أن طهران ترفض "أي تهجير لسكان غزة"، مشيراً إلى أن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة قضية منفصلة. وأضاف أن طهران تتوقع من واشنطن "كبح جماح إسرائيل" إذا كانت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية في إيران.

رسالة ترامب إلى القيادة الإيرانية، جوهرها وهدفها وأسلوبها، لا تخرج من أبعاد سياسة ترامب تجاه إيران ولا تبتعد عن تحجيم دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة واستغلال ما آلت إليها ظروفها حالياً، وإضعاف المحور المقاوم لسياسات الإمبريالية والرأسمالية الغربية التي تتوحش في وطننا العربي والإسلامي معاً

نشر في مجلة الهدف العدد (69) (1543)شهر اذار/مارس 2025.

 

الخميس، 27 مارس 2025

الوطن العربي وعهد ترامب الثاني

 اصيح دونالد ترامب، الآن، الرئيس 47 للولايات المتحدة، بعد فرز الاصوات الانتخابية وتمكن حزبه من الفوز بمجلسي الكونغرسوسيستلم منصبه كما هو متبع في العشرين من الشهر الاول للعام القادم، كانون الثانييناير 2025، وخلال هذه الفترة الانتقالية، الضبابية، بين رئيسين وحكمين، ديمقراطي وجمهوري، يمارس كل منهما، المنتهي ولايته يقوم بدوره المتبقي له والقادم للبيت الأبيض يقوم بالاعداد لعهده الجديد المنتخب له.

انشغل العالم بمجريات الانتخابات ونتائجها ومن ثم بفوز ترامب وبوعوده قبل الانتخابات وتصريحاته بعدها، ومقارنتها مع فوزه في الانتخابات الاسبق وحكمه لاربع سنوات، ومن ثم اسماء مرشحيه للمناصب الرئيسية في حكومته القادمة للحكم اربع سنوات جديدةومن هم وما هو معروف عنهم، وهل يغيرون فيما هو جار ويأثرون في بناء عهد جديد يختلف عن سابقيه ويعد بما يطمح له كل ناخب مشارك او اي امريكي حريص على حياة افضل. ولاسيما في القضايا الاساسية منها التي تهمنا، كعرب ومسلمين، في منطقتنا خارج الولايات المتحدة، وتساعد الامريكيين داخل بلدهم على تنفيذ ما يخصهم منها ويدفعهم على مسار التطور العام والامن والامان والتقدم الإنساني، والأهم ما يعنينا في الوطن العربي وجواره، في قضايا الحروب والعدوان على الشعوب والدول، وقرارات الحصار والعقوبات الاقتصادية على الجمهورية العربية السورية وجمهورية اليمن  والجمهورية الإسلامية في ايران، وشخصيات سياسية معروفة بمواقفها الوطنية والقومية التقدمية، المبدئية في كرامتها وكفاحها من اجلها، وكذلك التدخلات المباشرة في البلدان الثرية بمصادر الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية، فضلا عن التهديدات بالتدخل وصناعة النزاعات والازمات الداخلية في اغلب الاقطار في المنطقة العربية وجيرانهاوابرزها، علنا وسرا، المخططات والمشاريع الامبريالية المرسومة للمنطقة عموما، والقواعد الاستراتيجية الامريكية فيها وطبعا المصالح والعلاقات الإستراتيجية.

اغلب الاسماء التي رشحها ترامب للمناصب الحساسة والرئيسية لا تبشر كثيرا بما يؤمل، بل اعطت انطباعات سلبية مسبقة عنها، من خلال تصريحاتها واقوالها وبعضها من خلال تاريخها، بانها نماذج يمينية متطرفة، اطلقت وسائل الاعلام عليها مصطلح صقور اليمين، وتتناقض مع الوعود والأفكار التي قدمها ترامب او انتظرها الامريكيون والشعوب الاخرىكالمرشح لوزير الخارجية، السيناتور ماركو روبيو، ابن لمهاجرين كوبيين، يُنظر إليه باعتباره من صقور السياسة الخارجية، وخاصة تجاه إيران والصين، وتصريحه عن فلسطين وحماس، ومثله المرشح لوزارة الحرب، بيت هيغسيث، مقدم برنامج تلفزيوني في قناة امريكية معروفة التوجهات والمصادر، وخدم عسكريا في حربي العراق وأفغانستان، وحصل على نجمتين برونزيتين. ودفاعه عن الصهيونية الدينية وتطرفه فيها ونقوش الوشم المعبرة عنها. او المرشح كمستشار للامن القومي مايك والتز، عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا، وأول عضو في القوات الخاصة، يُنتخب لمجلس النواب، والمرشحة لتمثيل الولايات المتحدة الاميركية في الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، رابع أعلى عضو جمهوري في مجلس النواب، وكانت حليفة قوية لترامب. ورحب مؤيدو الرئيس المنتخب اليهود باختيار هذه النائبة عن شمال ولاية نيويوركويُنظر على نطاق واسع إلى استجواب ستيفانيك الصارم حول معاداة السامية في الحرم الجامعي، الذي أدى إلى إقالة رؤساء جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا. كما أعلن ترامب تعيين المستثمر العقاري ورائد الأعمال ستيف ويتكوف مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى "الشرق الأوسط". ويترأس ويتكوف شركة للاستثمار والعقارات أسسها عام 1997، تحمل اسمه، كما عمل في اللجنة التنفيذية للمجلس العقاري في نيويورك. وكذلك المرشح لمنصب سفير لدى الكيان الصهيوني مايك هاكابي، الذي أفصح، في مقابلة مع القناة السابعة  التابعة لمستوطنين يهود، عن معارضته لحل الدولتين ولاستخدام مصطلحي  الضفة الغربية والاحتلال، في إنكار صريح للشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية. ومن هذا العدد، جون راتكليف، مرشح ترامب لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزيةعضو سابق في الكونغرس من تكساس وكان مديرا للاستخبارات الوطنية في عهد ترامب السابق، ويُنظر له مثل غيره من الصقور فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، واتهامه الدولة الشيوعية بالتورط في "تغطية واسعة النطاقلأصول كوفيد-19. وامثالهم من المرشحين الاخرين.

واذا عدنا الى مقدمات سياسات ترامب في عهده السابق (2016- 2020) وما تركته من تداعيات، ومقارنتها بالوعود الانتخابية الجديدة، والافكار التي طرحها او التي كررها، في خطاباته الى العرب والمسلمين، في الولايات المتحدة الاميركية وخصوصا ما يتعلق بوقف الحروب إذا عاد إلى البيت الأبيض، الى تصريحات مرشحيه وخلفياتهم المتعارضة، تكون هذه المقدمات حاملة لتداعيات معاكسة وتطرح اجندات ليست مستمرة او مكملة وحسب بل نحو اجندات مناقضة وخطيرة، قد تسمى بالصفقات او التسويات التي تتوازى عمليا باقسى من الحروب والعدوانلا سيما توجهات المرشحين للسلطة ومواقفهم من القضايا العربية والاسلامية.

تساءلت وسائل اعلام ومنها افتتاحية مجلة الايكونوميست البريطانية بعنوانها "هل سيوقف دونالد ترامب "الحروبفي الشرق الأوسط؟". ورأت المجلة أن الجميع يتفق على أن ولاية ترامب الثانية ستحدث "تحولاً كبيراًفي السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، دون الاتفاق على شكل هذه السياسة. وهو ما قد يثير تساؤلات اخرى لا تتوافق معهافقد تعهد ترامب بتهدئة الوضع في المنطقة وايقاف الحروب، ومعلوم ان الادارة الامريكية هي التي تدير هذه الحروب الوحشية، وترتكب جرائم الإبادة والتهجير والتدمير، في غزة، وكل فلسطين المحتلة عموما، وفي لبنان، وسورية واليمن، وقد قدمت، كما افادت الايكونوميست، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، للكيان الإسرائيلي مساعدات عسكرية بقيمة 18 مليار دولار، وأضافت إلى أنه لا يمكن الجزم كيف سيدير ترامب حكومته هذه المرة، إذ إنه قد وعد "بإحلال السلام في لبنان"، لكن دون توضيح كيفية تحقيق ذلككما تطرح المطبوعة تساؤلات حول سيناريوات تعامل ترامب مع الملف اللبناني، والفلسطينيورأت الايكونوميست إن ترامب سيحاول، على الأرجح، العودة إلى سياسته التي أدت إلى انسحاب إدارته من الاتفاق النووي مع إيران، وتطبيق عقوبات أكبر على الجمهورية الإسلامية، وجريمة اغتيال القائد العسكري قاسم سليماني. وذكّرت بتبنى ترامب سياسات مؤيدة بشدة للكيان الإسرائيلي وحكومته اليمينية النازفاشية، داعما تسمين القاعدة الاستراتيجية والتحالف الصهيو غربي فيها، إذ أعلن، كما هو معروف، القدس الشريف عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، ودعم ضم هضبة الجولان المحتل الى الكيان. وفي نهاية سنة 2019 طرح ما يُعرف بـ"صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية، ورغم رفضها من الفلسطينيين ودول عربية، لكنه تمكن من تحقيق جريمة توسيع الاعتراف العربي بالكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية وحقوق ألشعب الفلسطيني، ضاغطا على حكومات عربية من الخليج وافريقيا، من شرق الوطن العربي ووسطه ومغربه، تحت مسمى (إتفاقيات أبراهام)،  وهو ما كتب عنه الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان، في مقاله بصحيفة نيويورك تايمزووصفه بأنه الرئيس الأميركي "الفذالذي صاغ خطة حقيقية مفصلة للتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، حسب زعمه، فإذا تمكن ترامب، في ولايته الجديدة، من إعادة إحياء تلك المبادرة/ الخطة في عام 2025، فإن فريدمان يعتقد أن التاريخ سيذكره بأنه الرئيس الذي حافظ على "إسرائيل" كدولة ديمقراطية يهودية وساعد على ولادة دولة فلسطينية آمنة إلى جانبها. ولكن الكاتب يخشى في مقاله من ان يسير ترامب في مخطط سفيره المرشح للكيان ونتنياهو في  تصعيد الحرب والعدوان وتوسيعه في المنطقة.

بمثل هذه الصور الضبابية تبدو العلاقات الامريكية الخليجية خصوصا، وسياسات ترامب السابقة تلوح ايضا في نهب الثروات والابتزاز والتهديدات وممارسة فكرته التي كررها في حملته عن "بناء السلام بالقوة"، والذي قد يكون السيناريو الممتد الى العلاقات مع العراق وسورية واليمن ومصر والجزائر وقد تكون سياسة العصا والجزرة هي الاغلب في عهد ترامب الجديد، وربما زيادة التدخل في الشؤون الداخلية والضغوط الاقتصادية، مع التهديدات الامنية والعسكرية والدبلوماسية وتسمين القواعد العسكرية في المنطقة عامة.

ان الوطن العربي وجواره امام مرحلة إختبارات شديدة التعقيد، تتطلب وعيا حادا بها وادراكا كافيا لدرء مخاطرها، والمبادرة في مواجهتها وليس انتظار  السيناريوات المعدة لها، والتي لن تكون بالتاكيد في خدمة مصالحها.

نشر المقال في مجلة الهدف ، العدد 1539 تشرين الثانينوفمبر بالتسلسل العام والخامس والستين في النسخة الرقمية